مفهوم الصناعة وتطورها
مفهوم الصناعة
تُعرّف الصناعة لغوياً بأنّها حِرفة الصانع، وهي كلّ علم أو فنّ يُمارسه الإنسان حتّى يكون ماهراً فيه ويُصبح حرفةً له، أمّا الصناعة كمفهوم فهي مجموعة من المُؤسّسات أو المُنظّمات التي تعمل في إنتاج أو تصنيع أو التعامل مع نفس النوع من السلع والخدمات، وهي مجموعة من الأنشطة الاقتصادية الثانوية التي تُحوّل المواد الأولية إلى منتجات ذات قيمة أكبر للناس، وتُصنّف الصناعات في الاقتصاد إلى صناعات أولية، وثانوية، وثلاثية، ورباعية،ويُشار إلى أنّ الصناعة تُغطّي مجالاً واسعاً، إذ إنّها لا تعني التصنيع على نطاق واسع في مصانع عالية التخصص والأتمَتة فقط، ولكنّها يُمكن أن تشمل الأنشطة التجارية الأخرى التي تُوفّر السلع، مثل: الزراعة، والنقل، والضيافة، وغيرها.
تُصنّف الأعمال التجارية إلى صناعات مُختلفة حسب المنتجات التي تصنعها والأسواق التي ترعاها، كما تُصنّف الصناعات بناءً على تخصّصها في السلع أو الخدمات المُقدّمة، ويجدر بالذكر أنّ المجموعات الصناعية تعتمد على المنتج الأساسي الذي تُصنّعه الشركة وتبيعه، وفي حين أنّ هناك شركات أو مؤسسات تهتمّ بصناعة واحدة فقط إلّا أنّه يُوجد أيضاً تكتلات تخدم صناعات مُتعدّدة في ذات الوقت، ويُشار إلى أنّ الصناعة تحتاج في عملية تحويل ومعالجة المواد الخام إلى منتجات تامّة، وكميات كبيرة من الطاقة، والآلات المتخصّصة، والموارد البشرية ، إضافةً إلى الاستثمارات في رأس المال، والأسواق الكبيرة ذات القدرة الشرائية العالية، وهي بهذا تُعَدّ نشاطاً أساسياً في اقتصاد أيّ بلد.
تطور الصناعة
بدأت الثورة الصناعية في القرن 18 عندما تحوّلت المجتمعات الزراعية إلى مجتمعات صناعية وحضرية، إذ تحوّل الاقتصاد من اقتصاد يعتمد في الأساس على الزراعة والحرف اليدوية إلى اقتصاد يعتمد على الصناعة والآلات، وبدأ هذا التغيّر في بريطانيا ثمّ انتشر إلى أجزاء أخرى من العالم، وبالرغم من أنّ الكتّاب الفرنسيين استخدموا مصطلح الثورة الصناعية في السابق إلّا أنّه انتشر بشكل واسع بعد أن استخدمه المُؤرخ الاقتصادي الإنجليزي أرنولد توينبي لأوّل مرّة في وصف التنمية الاقتصادية في بريطانيا من عام 1760م إلى عام 1840م، ومع قيام الثورة الصناعية بدأت الصناعات الحديثة بالظهور وذلك بفضل الاختراعات والآلات الجديدة التي قامت بإنجاز الأعمال بكفاءة أكبر مقارنةً بالأشخاص الذين كانوا يقومون بها في السابق.
توالت الثورات الصناعية منذ ذلك الوقت وتمايزت عن بعضها البعض، ويُمكن توضيحها كما يأتي:
- الثورة الصناعية الأولى: استخدمت الثورة الصناعية الأولى طاقة الماء والبخار لتحويل الإنتاج اليدوي إلى ميكانيكي فيما عُرف بمَكنَنة الإنتاج.
- الثورة الصناعية الثانية: استُخدمت الطاقة الكهربائية لإنتاج كميّات كبيرة من السلع.
- الثورة الصناعية الثالثة: اعتمدت على الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات لأتمَتة الإنتاج، ويُشار إلى أنّ الثورة الصناعية الثالثة اعتُبرت الأساس التي قامت عليها الثورة الصناعية الرابعة.
- الثورة الصناعية الرابعة: تتميّز الثورة الصناعية الرابعة بدمج التقنيات؛ إذ تُزيل الحدود الفاصلة بين المجالات المادية، والرقمية، والبيولوجية، ويجدر بالذكر أنّ هناك 3 أسباب تُميّز الثورة الرابعة بشكل كبير، وهي: السرعة، والنطاق، وتأثير الأنظمة، إذ تُعتبر سرعة الإنجازات الحالية مميّزةً وليس لها سابقة تاريخية، وبالمقارنة مع الثورات السابقة فإنّ الثورة الرابعة تتطوّر بشكل أُسّي وليس خطي ممّا يُمهّد بتغييرات كبيرة وواسعة تساهم في تحويل أنظمة الإنتاج والإدارة بأكملها.
الثورة الصناعية الأولى 1765م
بدأت الثورة الصناعية الأولى في أعقاب فترة التصنيع الأولي في نهاية القرن الـ 18 وحتّى بداية القرن الـ 19، وكانت أكبر التغيرات هي الأتمَتة التي عملت على استبدال الزراعة بالصناعة باعتبارها العمود الفقري للاقتصاد المجتمعي، كما شهدت هذه الفترة استخراج كميّات كبيرة من الفحم واستخدامه كمصدر للطاقة، واختراع المحرك البخاري الذي يُعدّ أمراً مهمّاً، إذ كان السبب في إنشاء نوع جديد من الطاقة التي ساعدت فيما بعد على تسريع تصنيع خطوط السكك الحديدية وبالتالي تسريع حركة الاقتصاد ككلّ.
الثورة الصناعية الثانية 1870م
بدأت الثورة الصناعية الثانية بعد قرن تقريباً من الثورة الأولى أيّ في نهاية القرن 19م، وتميّزت هذه الثورة بتطوّرات تكنولوجية كبيرة في مجال الصناعات والتي أدّت إلى ظهور مصادر جديدة للطاقة من الكهرباء، والغاز، والنفط، وكان من أهمّ إنجازات هذه المرحلة اختراع محرك الاحتراق الداخلي، بالإضافة إلى تطوير طرق الاتصال، مثل: التلغراف والهاتف، وأخيراً اختراع السيارات والطائرات في بداية القرن العشرين ممّا جعل الثورة الصناعية الثانية هي الأهمّ حتّى يومنا هذا.
الثورة الصناعية الثالثة 1969
بدأت هذه الثورة مع ظهور مصدر آخر للطاقة غير المُستغلّة حتّى ذلك الوقت؛ أيّ في النصف الثاني من القرن 20م وهي الطاقة النووية ، وأدّت الثورة الثالثة إلى ظهور الإلكترونيات، والاتصالات السلكية واللاسلكية، وأجهزة الحاسوب، كما ساهمت هذه التقنيات الحديثة في فتح الأبواب أمام الرحلات الفضائية، والأبحاث، والتكنولوجيا الحيوية، وقد ساعد اختراع جهاز التحكّم المنطقي قابل للبرمجة (بالإنجليزية: Programmable Logic Controllers)، واختراع الروبوتات على جعل هذه المرحلة مرحلة أتمَتة عالية المستوى.
الثورة الصناعية الرابعة
تُعتبر الثورة الصناعية الرابعة أو كما تُسمّى الصناعة 4.0 ثورةً صناعيةً تحدث الآن ولا يزال حجمها غير معروف، بدأت الصناعة 4.0 في مطلع الألفية الثالثة باختراع الإنترنت، ويُشار إلى تطوّر عوالم الواقع الافتراضي في هذه الثورة ممّا يفتح مجالات أخرى لفهم وتطوير قوانين الفيزياء.
تصنيف الصناعات
تُصنّف الصناعات إلى العديد من الأقسام، ومن أبرزها ما يأتي:
- المواد الخام: تُقسّم الصناعات حسب المواد الخام التي تستخدمها إلى ما يأتي:
- الصناعات القائمة على الزراعة: تستخدم هذه الصناعات النباتات، والمنتجات الحيوانية، كمواد خام في عملية التصنيع .
- الصناعات البحرية: تكون المواد الخام الداخلة في هذه الصناعات مواد مُستخرجة من البحار والمحيطات.
- الصناعات القائمة على الغابات: تستخدم هذه الصناعات المواد الخام من الغابات مثل الخشب.
- الحجم: يُقاس حجم الصناعات من خلال مقدار الأموال المُستثمرة، وعدد الموظفين، والسلع المنتجة، وتُقسّم الصناعات وِفقاً للحجم إلى ما يأتي:
- الصناعات الصغيرة: تُعدّ رؤوس الأموال المُستثمرة في هذا النوع من الصناعات قليلة، إضافةً إلى محدودية استخدام التكنولوجيا، مثل الحرف اليدوية.
- الصناعات الكبيرة: تكون رؤوس الأموال المُستثمرة في هذا النوع من الصناعات كبيرة، إضافةً إلى استخدام التكنولوجيا المُتقدّمة.
- الملكية: تُصنّف الصناعات حسب مُلكيتها إلى ما يأتي:
- القطاع الخاص: يتضمّن هذا القطاع الصناعات الخاصّة؛ وهي شركات يملكها ويُديرها فرد أو مجموعة من الأفراد.
- القطاع العام: ويُمثّل الصناعات العامّة التي تمتلكها وتدُيرها الحكومة.
- صناعات القطاع المشترك: يتمّ تشغيل هذه الصناعات بشكل مُشترك من قِبل الدولة والأفراد.
- صناعات القطاع التعاوني: يتمّ تشغيلها من قِبل مُوردي، أو مُنتجي، أو عمّال المواد الخام.
دور التنمية الصناعية في النمو الاقتصادي
تتميّز الدول ذات القطاع الصناعي القوي بنموّ اقتصادي كبير، حيث يُؤدّي ذلك إلى تحسين الدخل القومي ، ورفع مستوى معيشة الأفراد، وهذه حقيقة ملموسة في كثير من الدول التي ساهم التصنيع فيها بدور مهم في تحسين ظروفها الاقتصادية، مثل: أمريكا، واليابان، وقد ساهمت التنمية الصناعية في النموّ الاقتصادي عن طريق ما يأتي:
- تطوير العلوم والتكنولوجيا: شجّعت التنمية الصناعية على التقدّم العلمي والتكنولوجي، وذلك من خلال قيام المؤسسات الصناعية بالأبحاث لتطوير منتجات جديدة.
- تنمية رأس المال: ساهمت التنمية الصناعية في تكوين وزيادة رأس المال.
- التحضر: وجود التصنيع في منطقة معيّنة يُحفّز تطوّر حركة النقل، والاتصالات، وإنشاء المدارس والكليات والمعاهد الفنية، إضافةً إلى إنشاء المصارف والمرافق المُختلفة بالقرب من القواعد الصناعية.
- الاعتماد على الذات في الإنتاج الدفاعي: يُساهم التصنيع في زيادة اعتماد الدول على نفسها خاصّةً في أوقات الحرب والطوارئ، حيث من المُمكن أن يكون الاعتماد على الدول الأجنبية غير جيد.
- تنمية التجارة الدولية: يلعب التصنيع دوراً مهمّاً في تعزيز التجارة، ويجدر بالذكر أنّ من أسباب تراجع اقتصاد بعض الدول هو قيامها بتصدير المنتجات الأولية واستيراد المُنتجات الصناعية.
- استخدام الموارد الطبيعية: يُساهم التصنيع في الاستخدام السليم والفعّال للموارد الطبيعية .
- التخفيف من الفقر والبطالة: يُؤدّي التصنيع السريع إلى الحدّ من نسبة البطالة والفقر في البلاد، وتُعدّ اليابان مثالاً على ذلك.
- تحقيق التنمية الاقتصادية: يُساعد القطاع الصناعي على تحقيق وفرة في حجم الإنتاج من خلال تطبيق التكنولوجيا المُتقدّمة، وتقسيم العمل، والإدارة العلمية ممّا يُؤدّي إلى زيادة في الإنتاج والتوظيف وبالتالي تحقيق النموّ الاقتصادي وتكوين رأس المال.
- تحقيق النمو السريع للدخل القومي ودخل الأفراد: إذ تُوضّح الدراسات في تاريخ التنمية الاقتصادية للدول المُتقدّمة وجود علاقة قويّة بين التنمية الصناعية ومستوى الدخل القومي ودخل الأفراد فيها.