مفهوم الرمز في الأدب
المقصود بالرمز في الأدب
الرمز في الأدب لغةً: بحسب المعجم الوسيط هو الإيماء والإشارة والعلامة، والرَّمْزُ (في علم البيان) هو الكناية الخفيَّة، وجمعها رُمُوزٌ.
الرمز في الأدب اصطلاحًا: هو أسلوب فني يستخدمه الأديب، بحسب تجربته الشّعوريّة أ و نظرته الفنية، وتساهم في تشكيل المعنى الذي يودّ إيصاله، والرمز يكون كلمةً أو عبارةً أو شخصيةً، أو اسم مكان، وهو يتضمن دلالتين، إحداهما مباشرةٌ وظاهرةٌ، والأخرى باطنةٌ مرتبطةٌ بالمعنى المُراد تبليغه، مثل استخدام الحمامة رمزًا للسلام، والدماء رمزًا للحرب والقتل، والمطر رمزًا للخير، والميزان رمزًا للعدالة، وتعتبر الرمزية (بالإنجليزية: Symbolism) إحدى المدارس الأدبية الثورية الكبرى.
نشأة الرمز في الأدب
ظهر المذهب الرمزي للرد على المذهب الواقعي في أوروبا، في النصف الثاني من القرن 19، وهو مذهبٌ فنيٌ وأدبيٌ أصوله فلسفية تمتد إلى أفلاطون، في المثالية الأفلاطونية، التي كان يرى من خلالها حقائق العالم المادية مجرد رموزًا للحقيقة المثالية البعيدة، وتُعد المدرسة الرمزية إحدى أهم المذاهب الأدبية العالمية، واعتبار الرمزية أقوى من اللغة في التعبير عن النواحي النفسية، وقد أُعلن عن المدرسة الرمزية رسميًا عام 1886م في فرنسا، ومن ثم أصبحت مدرسة في أنحاء العالم كافة.
أنواع الرمز في الأدب
من أهم أنواع الرمز في الأدب ما يأتي:
الرمز الديني
يتمثل في توظيف شخصيات، أو أمكنة، أو أحداث دينية، للتعبير عن مواقف محددة، فإبراهيم عليه السلام يرمز للكرم والتضحية، وعمر بن الخطاب يرمز للعدل، وأيوب عليه السلام يرمز للصبر على البلاء والرضا بقضاء الله، وعيسى عليه السلام يرمز للبعث ولإحياء الموتى، وهابيل يرمز للخير، وقابيل يرمز للقتل، والقرآن الكريم والكتب السماوية والكتابات الدينية، مليئة بالرمزية، مما يدل على أهمية استخدامها.
الرمز التاريخي
ويقصد به اتخاذ أحداثٍ تاريخيةٍ رموزًا قادرة على الإيحاء بما يريد الأديب التعبير عنه، وهي كثيرة الظهور في الشعر خاصة، من أمثلتها اتخاذ فرعون رمزًا للطغيان والظلم، وصلاح الدين الأيوبي رمزًا للقوة والشجاعة، وهارون الرشيد رمزًا للبذخ.
الرمز الأسطوري
ويقصد به اتخاذ أحداث أو شخصيات مأخوذة من قصص شعبية، تروي بعض الأحداث غير الطبيعية، أو تتحدث عن أعمال أبطالٍ خياليين، مثل استخدام السندباد الذي يرمز للمغامرة والشخص كثير التنقل والسفر، وشهريار رمزًا للرجل المتعنّت الرافض للمرأة، وشهرزاد رمزًا للمرأة الذكية، وطروادة رمزًا للخداع والمكر.
الرمز الصوفي
ترتكز العقيدة الصوفية على فكرة وحدة الوجود، وأن العالم والله ليسا شيئين منفصلين، وقد استخدم الصوفي الرمزية في تسمية هذا المسلك "طريقًا"، وسمى نفسه "سالكًا"، وسمى المسافات التي يقطعها، ويقف عندها للاستجمام "مقامات"، وسمى الغرض الذي يقصده من سلوكه اتحاد نفسه مع الحقيقة، وبعبارة أخرى اتحاد ذاته مع الله "الفناء في الحق"، وقد رسم الصوفيون خُرَطًا لهذا الطريق، وتعددت خُرَطهم بتعدد أنظارهم، وفي كل من المقامات يقف السالك فيشعر بمشاعر نفسية خاصة أطلقوا عليها "الأحوال".
خصائص الرمز في الأدب
من أهم خصائص الرمز في الأدب ما يأتي:
- الاكتفاء بالتلميح إلى الأشياء، وذلك بتجنب الأسلوب المباشر والخطاب وأي نوع من الشروح والتفصيلات.
- الاعتماد على الرمز في التعبير عن الأفكار والعواطف والرؤى، لأنه أقدر على الكشف عن التجارب النفسية وعما هو وراء الواقع المحسوس، وذلك بزيادة النشاط الذهني للشخص المتلقي.
- التكثيف وشدة الإيجاز، فليس هناك تفصيل أو شرح.
- الغموض والضبابية في التعبير، تعتبر من أهم ميزات الرمزية في الأدب، وهذا الغموض ناتج عن الإيحاءات غير المباشرة.
- الإيغال في الخيال، فهو يعتمد على الخيال بشكلٍ كبيرٍ.
وظيفة الرمز في الأدب
الرمز في الأدب له عدة وظائف، ندرجها فيما يأتي:
- إغناء الصورة الأدبية، وتوسيع دلالتها المكانية والزمانية، بخاصة في الرموز التاريخية، عن طريق إسقاط دلالات الرمز على الواقع المعاصر.
- إكساب الأعمال الأدبية بعداً فنيًا وجماليًا، بهدف تغذية العمل الأدبي وزيادة قيمته الإبداعية، وإثرائه معرفيًا.
- الدلالة على المعاني العميقة وتكثيفها.
- توحيد أبعاد الصور الشعرية.
- إغناء الصورة الشعرية.
- التعبير غير المباشر عن الحالة النفسية للبشر بواسطة الإيحاء.
تجليات الرمز في الأدب
تتجلى المدرسة الرمزية في الأدب في الكتابات الأدبية، والشعر، وحتى في الفنون البصرية مثل الرسم، والمنحوتات، وكذلك الأغاني، والأناشيد، والعزف الموسيقي، ومختلف أنواع الفنون الجميلة، وتدعو المدرسة الرمزية في الأدب إلى الغموض من خلال الرموز الغائمة بحجة أن الأديب لا ينزل إلى مستوى القراء، بل هم المطالبون أن يرتقوا إلى مستواه، فإن فهموا فذلك ما يريد، وإن لم يفهموا فليس على الأديب حرج.
الاتجاه الرمزي في الأدب العربي الحديث
ظهر الاتجاه الرمزي في الأدب العربي في الربع الأول من القرن العشرين، لكنه ازدهر أكثر في منتصف القرن العشرين تزامنًا مع ظهور حركة الشعر الحر، وكان اطلاع العرب على الأدب الأجنبي من أهم عوامل انتشاره بين الأدباء العرب، وقد ساهمت في ذلك حركة الترجمة من اللغات الإنجليزية والفرنسية وغيرها إلى اللغة العربية، مثل ترجمة الأشعار، إضافةً إلى ثقافة الأدباء العرب، التي مكنتهم من الاطلاع على الرموز الأجنبية بأنواعها، الدينية، والأسطورية، والتاريخية، وغيرها.
وكان أول شاعر عربي استخدم الرمزية الشاعر اللبناني الشاب أديب مظهر، من خلال قصيدته "نشيد السكون"، وقد تأثر بالشاعرين الفرنسيين شارل بودلير وبول فارلان، ومن أهم شعراء العرب المختصين بالشعر الحر، والذين تأثرت أعمالهم بالمدرسة الرمزية: بدر شاكر السيّاب، وعبدالوهاب البياتي، وصلاح عبد الصبور، ومحمود درويش، وقد اتخذوا الرمز أداةً مجازيةً تمويهيةً.
إنّ المدرسة الرمزية حركة أدبية اعتمدت الرمز لغة، والرمزية هنا معناها الإيحاء، أي التعبير غير المباشر عن النواحي النفسية المستترة، التي لا تقوى اللُّغة على أدائها في دلالاتها الوضعية، فالمشاعر تتولد من الآثار النفسية، لا عن طريق التصريح المباشر، وقد ظَهرت الرمزية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، في فرنسا، ثم انتشرت في العالم كله، وتأثر بها الأدباء والشعراء العرب المنفتحين على الثقافات الأجنبية.