مفهوم الحرب الإعلامية
مفهوم الحرب الإعلامية
يُشير مفهوم الحرب الإعلامية إلى عملية نشر الأفكار، أو المعلومات، أو الإشاعات التي من شأنها إلحاق الضرر بمؤسسة، أو قضية، أو شخص ما، وذلك بتعمّد طرح وجهة النظر من ناحية واحدة فقط وعرضها على الجمهور للحصول على تأييدهم وموافقتهم الإجبارية، وهو ما يُخالف تماماً هدف الإعلام في عرض وجهات النظر المختلفة للجمهور وترك الحرية للناس لاتباع ما يوافق معتقداتهم، كما ينطوي مصطلح الحرب الإعلامية على تشكيل آراء الآخرين، وتضليلهم، وتوجيه سلوكهم بما يُحقّق مصالح جهة معينة، إذ اعتادت الكثير من وسائل الإعلام على تقديم تقارير لا تتمتّع بالشفافية والحيادية لتوجيه الجماهير إعلامياً نحو موقف محدّد يُحقّق أهدافاً معينة.
مراحل الحرب الإعلامية
تُحضّر وسائل الإعلام لحرب إعلامية باتباع أربع مراحل أساسية كالآتي:
- المرحلة التمهيدية: تتمثّل هذه المرحلة بالإعراب عن القلق المتزايد حول ظاهرة معينة؛ كالفقر، أو الدكتاتورية، أو الفوضى التي تعمّ البلاد.
- مرحلة التبرير: تتصدّر هذه المرحلة أنباء عن إعلان حالة الطوارئ ، والحاجة الملحّة للاستعانة بالقوى المسلّحة للسيطرة على الموقف وإعادة الحياة إلى طبيعتها.
- مرحلة التنفيذ: يتمّ خلالها حشد تأييد الجماهير والحجب الإعلامي لوجهات النظر المعارضة.
- التداعيات: والتي يتمّ من خلالها تصوير عودة الحياة إلى طبيعتها.
أُسس الحرب الإعلامية
تتلخّص العناصر الأساسية التي تقوم عليها الحرب الإعلامية في نقص المعلومات وعدم دقتها، وتسيير جدول أعمال الدول في مسار محدد، وتضخيم المعلومات التي تمّ الحصول عليها خلال التغطية الإعلامية والتسريبات الإخبارية، ثمّ السماح للصحفيين بتأليف القصص بما يتلاءم مع المعلومات المتاحة ونشرها للعلن واستغلال رغبة الجماهير بتصديق أفضل السيناريوهات عن أنفسهم وعمّا يحدث في بلادهم، إلى جانب تعزيز السلوكات والمواقف القائمة باستخدام تعبيرات بسيطة ومتكررة وذات تأثير عاطفي على الجماهير، مثل: الحرب على الإرهاب، ومحور الشر، وأسلحة الدمار الشامل، وحرب التحرير، وغيرها.
استراتيجيات الحرب الإعلامية
تُشنّ الحرب الإعلامية عادةً لزيادة انتشار الموضوعات العسكرية والتحريض على الحروب بشكل رئيسي، إلى جانب نشر موضوعات أخرى في مختلف جوانب الحياة، وذلك من خلال اتباع الاستراتيجيات الآتية لضمان فعاليتها:
- التغطية الإعلامية الواسعة لقصص مختارة دون غيرها.
- الاستعانة بحقائق جزئية أو الرجوع إلى سياق تاريخي محدد.
- تعزيز الأسباب والدوافع التي من شأنها حماية الأفراد ضد أيّ تهديد أمني يواجههم.
- تضييق نطاق مصادر المعلومات ؛ وذلك بتقليص عدد الخبراء الذين يتمّ الاستعانة بهم للوصول الى معلومات معمّقة حول قضية ما، أو التعامل مع مصادر المعلومات الصادرة عن الجهات الرسمية على أنّها حقائق واقعية لا تحتاج للتحقق.
- محاولة تشويه صورة الجهة المعارضة.
- حصر النقاش في القضية المطروحة وإصدار أحكام مباشرة دون إجراء حوارات متعمّقة حول وجهات النظر المختلفة.
- استهداف العواطف الإنسانية باستخدام الرموز الثقافية الشفهية أو المرئية، والاستعانة بالملصقات، وغيرها من الأساليب؛ لتحقيق ردود أفعال عاطفية وتثبيط التفكير العقلاني.
- استخدام لغة بسيطة ليتسنّى للجميع فهمها.
- التركيز على الأفكار النمطية حول ظاهرة أو فئة ما.
- التحيّز وإثارة النعرات العنصرية للتمييز بين الفئات والأشخاص.
ارتباط الحرب الإعلامية بأعمال العنف
درس مختصّون تكتيكات الحرب الإعلامية واستنتجوا مجموعةً من الجوانب التي تُسيء فيها الصحافة التي تتبع نهج الحرب الإعلامية التعامل مع العنف ، وهي كالآتي:
- الازدواجية؛ أيّ تقليل عدد أطراف النزاعات المحلية إلى طرفين فقط رغم وجود أطراف أخرى خارجية.
- المانوية (بالإنجليزية: Manicheanism)؛ أيّ تصوير أحد الجانبين على أنّه الخير والصواب، وتشويه الجانب الآخر بإظهاره كشرٍّ وخطأ.
- إظهار العنف على أنّه وسيلة إجبارية ليس لها بديل لمواجهة الظروف الراهنة.
- إرباك الشعوب بالتركيز على الموقع الذي شهد أعمال العنف؛ كساحة المعركة نفسها، وتجاهل القوى والعوامل المُغذّية للعنف.
- عدم تحديد الأسباب الكامنة وراء تصعيد أعمال العنف الحاصلة وعدم توقّفها.
- عدم كشف أسباب التدخّلات الخارجية خاصةً القوى العظمى منها.
- عدم إعداد مقترحات للسلام أو تقديم صورة واضحة للنتائج المتوقعة عند تحقيق السلام.
- الخلط بين المفاوضات المؤقتة والمفهوم الفعلي للسلام.
- غياب التغطية الإعلامية للحلول والجهود اللازمة لعلاج آثار النزاعات، ممّا يولّد المزيد من العنف.
نبذة عن تاريخ الحرب الإعلامية
ظهر مصطلح الحرب الإعلامية أثناء الحرب العالمية الأولى، إلّا أن ظاهرة الحرب الإعلامية ظاهرة قديمة تعود إلى أثينا التي شكّلت مركزاً للثقافة الإنسانية، فقد كان الشعب اليوناني على اطلاع بما يجري في بلاده من مشكلات، إذ ساهمت الاختلافات في التوجهات السياسية والدينية في ظهور الحرب الإعلامية والحرب الإعلامية المضادة، ورغم الافتقار للوسائل الإعلامية، مثل: الصحف، والراديو، والتلفاز آنذاك إلّا أنّ الأفراد والجماعات استعانوا بوسائل أخرى تُعزّز حربهم الإعلامية، مثل: المباريات، والمحاكم القانونية، والمهرجانات الدينية، والمسرحيات التي وظّفت الدراما في نشر الأفكار السياسية، والدينية، والأخلاقية، كما استعان اليونانيون بمهاراتهم في الخطابة كوسيلة لنشر معتقداتهم وآرائهم، ورغم افتقارهم لآلات الطباعة إلّا أنّهم نشروا كتباً بخط اليد لتشكيل آراء محدّدة بين أفراد المجتمع، ومنذ ذلك الوقت تلجأ الشعوب التي تشترك في الآراء والمصالح إلى الحرب الإعلامية.
اتبعت عدّة شخصيات بارزة في التاريخ أسلوب الحرب الإعلامية للترويج لأفكارها، فعلى سبيل المثال استعان ألكسندر بالحرب الإعلامية المرئية من خلال إنشاء تماثيل تُجسّده أو سكّ عملات تحمل صورته، أمّا مارتن لوثر كينغ فقد أظهر براعةً شديدةً في استخدام الحرب الإعلامية لإيصال رسالته وحصد تأييد الأغلبية منطلقاً بذلك إلى حملات الإصلاح، ولم يتوانى خصمه عن مواجهته باتباع الأسلوب نفسه وشنّ حرب إعلامية مضادة.