مفهوم الحاجيات في المقاصد
الحاجيات في المقاصد
تُعدّ المقاصد في الشريعة من أهم الأمور التي يُمكن دراستها، ولا سيّما لطلبة دراسة العلم الشرعي ، حيث يشمل هذا العلم كافّة جوانب الحياة، لتحقيق الهدف الأسمى فيها، ألا وهو عبادة الله -تعالى-، حيث يقول -تبارك وتعالى- في محكم تنزيله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، وفيما يأتي بيان المعلومات المتعلّقة بالحاجيات في المقاصد:
مفهوم الحاجيات
إنّ الحاجيات أو المقاصد الحاجيّة تُعرّف في اللّغة بأنّها الأمور التي يُفتقر إليها، وأمّا في اصطلاح الأصوليّين فهي رفع الضّيق بالتّوسعة بالمسائل الشّرعيّة، وذلك لرفع الضّيق والحرج والمشقّة عن المكلّف، ولعدم بلوغ الفساد الذي يُمكن توقّعه عند فوات المصلحة العامّة، ومن الجدير بالذّكر أنّ المقاصد الحاجيّة تأتي بعد المقاصد الضّروريّة وقبل المقاصد التحسينيّة.
أشكال الحاجيات
إنّ الحاجيات هي وصف يتعلّق بالمصلحة العامّة كما تبيّن سابقًا، وهي لا تصل إلى مرحلة الضّرورة، ولكن تتضمّن العديد من الأشكال التي سيتم بيانها فيما يأتي:
الحاجيات في العبادات
إنّ الحاجيات في العبادات مظهر من مظاهر التيسير ودفع المشقّة والحرج عن العبد، فمن المعلوم أن الدّين الإسلامي العظيم جاء ميسرًا وسهلًا، ومن صور ذلك: قصر الصّلاة للمسافر، حيث قال الرّسول -عليه الصلاة والسّلام-: (فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، في الحَضَرِ والسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وزِيدَ في صَلَاةِ الحَضَرِ).
ومثال ذلك أيضًا: فطر المسافر في رمضان ، ودليل ذلك قول الرسول -عليه السّلام-: (إنَّهُ ليسَ منَ البرِّ أن تَصوموا في السَّفرِ، وعليكُم برخصةِ اللَّهِ الَّتي رخَّصَ لَكُم فاقبَلوها).
الحاجيات في المعاملات
إنّ الشريعة الإسلاميّة جاءت وأباحت العديد من المعاملات والعقود ضمن شروط حدّدتها، وذلك لحاجة الناس إليها ودفعًا للمشقة عنهم، ومثال ذلك بيع السّلم، حيث يُعرّف بأنّه بيع سلعة مؤجلة بثمن معجّل، فمن المعلوم أنّ أصل بيع السّلم محرّم؛ لأنّه يعتبر بيعًا لمعدوم.
وصورة هذا البيع غير جائزة، لأنّ الشّرط الرّئيس للبيع هو وجود السّلعة، ودليل ذلك من السنّة النبويّة الشريفة قول الرسول -عليه السّلام-: (مَن أَسْلَفَ في تَمْرٍ، فَلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلى أَجَلٍ مَعْلُومٍ)، ولكن أجازت الشريعة ذلك لدفع المشقة عن النّاس والحاجة في ذلك.
ومن الأمثلة أيضًا على الحاجيات في المعاملات: الإجارة ، فإنّ الأصل فيها عدم الجواز؛ بسبب وجود المنفعة المعدومة عند العقد، لكن أجازت الشريعة الإسلاميّة ذلك لحاجة النّاس إليها.
الحاجيات في العاديات
جاءت الشريعة الإسلامية وأباحت العديد من الأمور التي يُمكن أن يحتاج إليها الإنسان، كالتّمتّع بالطّيّبات، والأكل، والشّرب، والملبس، ومن ذلك إباحة الصّيد، ودليل ذلك قوله -تعالى-: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)، وإباحة كلّ ما هو حلال.
الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة
إنّ المقصود بالحاجة التي تنزل منزلة الضرورة ارتكاب الأمور المنهي عنها بأدلّة ضعيفة، ويُسمّى أيضًا بالمحرّم لغيره، والتّحريم يكون للوسائل لا للمقاصد، وهو ما يُسمّى ضدّه بسدّ الذريعة.
حيث يقول ابن القيم في ذلك: "وما حُرّم سدًّا للذريعة أُبيح للمصلحة الراجحة، كما أُبيحت العرايا من ربا الفضل، وكما أُبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر، وكما أُبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والمعامل من جملة النظر المحرم"، وهذا بخلاف الضرورة التي تبيح فعل المحظور .
مكملات الحاجيات في المقاصد
سيتم فيما يأتي بيان مكملات الحاجيات في المقاصد التي تتعلّق بحفظ الضروريات الثلاث:
- مكمل حاجي لحفظ الدّين
ومثال ذلك عندما شرع الله -تعالى- رخصة الصلاة في السفر ؛ دفعًا للمشقّة والحرج، ومثال ذلك أيضًا: الجمع بين الصّلاتين في المطر الشّديد.
- مكمل حاجي لحفظ النّفس
ومثال ذلك الدية التي شُرعت العاقلة؛ لتخفيف خطأ القاتل، حيث تمّ تشريعها على أن تُدفع متفرقة وبمبلغ يسير.
- مكمل حاجي لحفظ العقل
إنّ الأصل في شرب الخمر الحرمة، وذلك واضح في القرآن الكريم، ولكن أبيح شربها للضّرورة دفعًا للضرر، ويُمكن شربها بالقدر المطلوب، لأنّ الضّرورة تُقدّر بقدرها، حيث تُعدّ هذه القاعدة من القواعد الفقهية الكُبرى .
- مكمل حاجي لحفظ النسل
إباحة زواج اللّذيْن لم يبلغا العمر المطلوب، بشرط وجود الكفاءة ومهر المثل، ليتمّ إتمام الزّواج على أكمل صورة.
- مكمل حاجي لحفظ المال
كالأمثلة التي تمّ ذكرها من الإجارة والسلم، ومثال ذلك أيضًا: الإشهاد على البيع من أجل إتمامه، وكذلك المساقاة، والمزارعة، والقرض.