مفهوم الاغتراب
الاغتراب
يعرّف الاغتراب على أنّه الحالة السيكو اجتماعيّة المسيطرة بشكلٍ تام على الفرد، بحيث تحوّله إلى شخصٍ غريبٍ وبعيد عن بعض النواحي الاجتماعيّة في واقعه. وتسيطر فكرة الاغتراب في الوقت الراهن على تاريخ الفكر الاجتماعي والأدب المعاصر، حيث خمّن (ملفن سيمن) أهميّة هذا الأمر للتحليل الاجتماعي عن طريق مقالة تمّ نشرها في المجلّة الأميركيّة لعلم الاجتماع ، تحت عنوان (حول معنى الاغتراب)، أما البروفسور (آر. نسبت) فقد تطرّق خلال دراسته الفكر الاجتماعي إلى التركيز على الاغتراب في كتابه (تساؤلات عن المجتمع المحلّي).
مفهوم الاغتراب
إن من الصعوبة بمكان وضع تحليل شامل وعام لمفهوم الاغتراب بالاتفاق مع الحاجة النظريّة لوضع أسسٍ فكريّة للبحث الاجتماعي، بحيث تنعكس في حقيقة استخدام هذا المفهوم في عددٍ من المواضيع الإنسانيّة الفلسفة ، والسياسة، وعلم الاجتماع، والفلسفة الوجوديّة، والتحليل النفسي، إضافة لعراقيل أخرى تتعلّق باستخدام هذا المفهوم، حيث إنّ موضوع الاغتراب يتصل بعلم الاجتماع لعلاقة هذا المفهوم بتفسير أحد أنواع السلوك الاجتماعي، لكن هذا التفسير يتّسم بعجزه ولا موضوعيّته في محاولة توضيح القيمة العلميّة لأبحاث ودراسات السلوك الاجتماعيّ، إضافة لهذا فإنّ هذا المفهوم يستخدم في شرح وتوضيح التعصّب العنصري والوعي الطبقيّ، والمرض العقليّ، والصراعات السياسيّة والصناعيّة.
تمّ بذل العديد من المحاولات الجديّة في الآونة الأخيرة، والتي تستهدف إعطاء الاغتراب مفهوماً يتغلّب عليه الطابع النظامي والعلمي في آنٍ معاً، خاصة إبان الدراسات التي قام بها الباحث (دي دين وجي نيتلر)، وذلك من خلال بحث نشر في المجلّة الأميركيّة عام ألفٍ وتسعمئةٍ وواحدٍ وستين تحت عنوان (الاغتراب، معناه وقياسه)، إضافةّ لبحث آخر نشره سابقاً يحمل عنوان (قياس الاغتراب). قام كارل ماركس باستخدام مفهوم الاغتراب في نظريّته الاجتماعيّة والاقتصاديّة بعد تحوير المعنى الأصلي لهذا المفهوم الذي وضعه هيجل سابقاً في فلسفته المثاليّة، والتي تؤكّد أهميّة الملك والدولة بالنسبة للواقع الاجتماعي. يقول كارل ماركس بأنّ ظروف العمل القاسية التي أوجدتها المجتمعات الرأسماليّة ، ينتج عنها اغتراب العامل، وذلك من خلال حرمانه من الإمكانيّات والفرص الكافية في سبيل تحقيق الرفاهية الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي يسعى لتحقيقها، ويعتبر العامل شخصاً مغترباً عن وسائل الإنتاج طالما أنّه لا يستطيع الوصول إلى السعادة والقناعة في عمله؛ لأنّه لا يستطيع جني ثمرة جهوده وتعبه، فهو بهذا يحقّق معنى الاغتراب عن الطبيعة الحقيقيّة للإنسان على حدِّ تعبير كارل ماركس. يقترح العالم (إيرك فروم) مجموعة صفاتٍ خاصّة تتعلّق بموضوع الاغتراب أوردها في كتابه (المجتمع السليم)، وتعتبر هذه الصفات مشابهة جداً لتلك التي أوردها ماركس، حيث إنّ الاغتراب بالنسبة لفروم هي تلك الحالة التي لا يشعر بها الفرد بأنّه المالك الفعليّ لطاقته وثروته، بل يشعر بأنّه كائنٌ ضعيف يستند كيانه الوجودي على توفر قوى خارجيّة أخرى لا تمت بأيّ صلةٍ لذاته.
الأركان الأساسيّة التي تحدِّد أبعاد الاغتراب
من خلال ما سبق يتضح لنا وصف واضح لمفهوم الاغتراب، وهو صراع الفرد مع أبعاد وجوده، وهذه الأبعاد تتمثل في ثلاثة أركان هي:
- بعد حسّي: وهنا يكون الصراع مع قوى اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة في سبيل تحديد موقف تاريخي من كلِّ ما يحدث حوله، ويشعر بالاغتراب في حالة عدم تحقّق الموقف، ويشعر الفرد هنا بأنّه مسلوب الذات ومستهلكاً.
- بعد إقليمي: وهنا يبحث الفرد عن عن عالم المُثل (العالم المفقود)، بعد أن سحق العالم الذي تعيش به شخصيّته وشوهها، وهنا ينطلق الشخص إلى عالم الخيال وذلك عن طريق اقتراح أساسٍ روحي للإنسانيّة عوضاً عن الأساس الواقعي، وتزداد حدّة الصراع هنا كلّما ازداد وعي الإنسان بذاته، بحيث يصل لمرحلة الشعور بأنّ كلّ ما يحيط به هو عبارة عن ثقل عليه، وقيد لا يستطيع أيّ علاقة أو تواصل اجتماعي إخراجه منه، ومن هنا تنشأ عزلة الفرد يليها اغترابه عن كافّة القيم الواعية المحيطة به والتي تحكمه.
- بعد ميتافيزيقي: ويبرز الصراع هنا حين يدير الفرد ظهره للواقع المحيط به، متجهاً إلى عالم الماورائيّات في محاولةٍ منه لمعرفة وإدراك الحقيقة الفعليّة لوجوده وموقف الكون منه، وذلك لأنّ كافة المعطيات الحسيّة غير كافية لفهم العالم الميتافيزيقي، ويبقى الفرد في حالة شكٍ دائم في كون الوعي والوجود الذي لم يتحقّق، ويطرح سؤال (هل هو وجودٌ فعلي، أم محتمل؟)، ومن هنا يبدأ اغترابه بشكلٍ كلّي عن جميع محيطه ووجوده.