مفهوم الإشكالية في البحث العلمي
تعريف الإشكالية في البحث العلمي
تتنوع التعريفات المتعلقة بمفهوم الإشكالية في البحث العلمي ، ويبين الآتي بعضاً من تلك التعريفات:
- رجاء دويدي: ترى رجاء دويدي أنّ الإشكالية عبارةٌ عن سؤالٍ يهدف إلى معرفة العلاقة التي تربط بين متغيّرات البحث، ويتحقق الغرض من البحث بالإجابة عن هذا السؤال.
- لارامي وفالي: يرى الباحثان لارامي وفالي أنّ الإشكالية تُعبّر عن وجهة النظر التي يقوم الباحث بمعالجة البحث وفقها، فكلُّ بحثٍ يتميّز بإشكاليةٍ خاصة تُميّزه عن غيره من الأبحاث التي تبحث في نفس الموضوع أو المشكلة.
- موريس أنجرس: يُعرّف موريس أنجرس الإشكالية على أنّها تساؤلٌ يُشير إلى هدف البحث، ويتيح هذا السؤال للباحث مجالاً واسعاً للبحث والتقصّي من أجل الوصول إلى الإجابة عليه.
يُمكن تعريف الإشكالية في البحث العلمي بناءً على ما سبق بأنّها مجموعةٌ من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات، والتي تُطرح من قِبل الباحث أثناء قراءته حول موضوع البحث، ويُجيب عنها الباحث بعد اتّباعه لأساليب البحث والتقصّي، وعند كتابة البحث يتم صياغة تلك التساؤلات على هيئة سؤالٍ واحد أو عِدّة أسئلةٍ بحثيّة. كما قد تعرّف على أنها مسألة أو قضية تحتاج إلى توضيحات، وإجابات، يتم صياغتها على شكل جمل استفهامية على نحوٍ يشمل حدود العنوان ومتغيراته، ولصياغتها يجب الاطّلاع على العديد من المعارف والدراسات، والخبرات العلمية.
أهمية الإشكالية في البحث العلمي
أوضح العديد من الباحثين أنَّ عملية تحديد إشكالية البحث هي أصعب مراحل كتابة البحث العلمي وأعقدها، وتحتوي جميع الأبحاث على إشكاليةٍ بحثيّة يُراد الوصول إلى حلّها، وتجدر الإشارة إلى أن البحث الذي يبدأ بإشكاليةٍ دقيقة يتصّف بالجودة العالية، وتعود أهميّة احتواء الأبحاث على الإشكالية إلى عدّة أمور، وهي على النحو الآتي:
- يعدُّ تحديد وصياغة المشكلة البحثية أولى المراحل البحثية الأساسية؛ حيث يقوم الباحث بصياغتها علميّاً وفهمها وإدراك العلاقة بين متغيّراتها ممّا يُسهّل تفسيرها وتحليلها، وبالتالي المساهمة في التوصّل للنتائج الدقيقة.
- يُمكن اعتبارالإشكالية بمثابة المُحرّك الأساسي الذي يُرشد الباحث أثناء كتابة البحث، وتحديد الخطوات التي تليها؛ كاختيار العينة ، وصياغة الفرضيات البحثية، والوصول إلى النتائج، وعليه فإنّ صياغة الإشكالية بصورةٍ علميّة وممنهجة تساهم في التوصّل إلى إجاباتٍ دقيقة حول موضوع البحث.
- يُساعد تحديد إشكالية البحث الباحث على التركيز في موضوع البحث والإلمام به وحصره حول المتغيرات التي تفيده، وتجنّب الخوْض في أمورٍ لا تُفيده في البحث.
القواعد الأساسية في تحديد الإشكالية
يُمكن تحديد الإشكالية بشكلٍ دقيق من خلال اتّباع مجموعةٍ من القواعد الأساسية على النحو الآتي:
- وضوح موضوع البحث في ذهن الباحث: يعدُّ أمراً مهمّاً اختيار بحثٍ من ضمن اختصاص الباحث؛ الأمر الذي يجعله قادراً على فهم الموضوع المبحوث فيه وامتلاك المعلومات الكافية حول ذلك الموضوع.
- تحديد إشكالية البحث العلمي: تؤكد هذه القاعدة على أهمية تحديد مشكلة البحث وصياغتها بشكلٍ علميٍّ، ويُساعد تحديد العلاقة بين متغيّرات البحث على صياغة الاشكالية بشكلٍ واضح وبما يُعبّر عن أفكار الباحث وما الذي يسعى إلى الوصول إليه، هذا إلى جانب ضرورة كتابتها بالاعتماد على أدلّة واقعيةٍ لا افتراضيةٍ.
- شرح المصطلحات: تحتوي أيّ إشكاليةٍ على مجموعةٍ من المصطلحات التي تحتاج من الباحث أن يشرحها بشكلٍ يجعلها أكثر وضوحاً في ذهن أيّ شخص قد يطَّلِع على البحث.
- معالجة الإشكالية لموضوع البحث العلمي: يجب تحديد إشكالية البحث بشكلٍ يجعلها قادرةً على معالجة موضوع البحث ، وبالتالي المساهمة في التوصّل إلى كل ما هو جديد، والتقدّم العلمي.
مراحل بناء الإشكالية
ينبغي على الباجث إجراء خطوةٍ أساسيّةٍ قبل البدء بمراحل بناء الإشكالية؛ وهي تحديد سؤال الانطلاق أو ما يعرف بالسؤال العام للبحث وصياغته؛ حيث يتم صياغة إشكالية البحث كسؤالٍ يُشير إلى وجود خطواتٍ يجدر القيام بها، أو يُشير إلى وجود مشكلةٍ معينة لا يوجد لها حلٌّ في الوقت الحالي، لذا على الباحث صياغة المشكلة لغويّاً بصيغة الاستفهام موضحاً وجود شيء ينتظر الإجابة والتوضيح، وبعد صياغة الإشكالية بتلك الطريقة تصبح جاهزةً للبحث والدراسة، ويُمكن للباحث الاستعانة بالصيغ الاستفهامية البسيطة مثل: ما الذي يجعل؟ كيف؟ لماذا؟ هل؟ من؟ وغيرها من الصيغ، ولسؤال الانطلاق أهميةٌ كبيرة في البحث؛ فهو يوضّح الاتجاه العام الذي سيتّبعه الباحث في بحثه، وتوجيه المشكلة نحو الاتجّاه الدقيق، إضافةً إلى إظهار العلاقة بينه وبين سؤال الإشكالية.
تمرُّ عملية بناء الإشكالية عادةً بثلاثِ مراحل بعد تحديد سؤال الانطلاق وهي على النحو الآتي:
- المرحلة الأولى: يضبط الباحث أفكاره حول الموضوع الذي يبحث فيه خلال هذه المرحلة، ويُحدِّد مدى التشابه والاختلاف، مع توضيح الإطار النظري الذي يستند عليه لدعم آرائه ووجهات نظره، ويستطيع أن يُعبّر عنها بشكلٍ علنيٍّ أو ضمنيّ.
- المرحلة الثانية: يتم بناء الإشكالية في هذه المرحلة، ويكون ذلك من خلال تصوّر الباحث لإشكاليةٍ جديدة، أو قد يكون ضمن إطارٍ نظريٍّ تمّ اشتشاقه من أبحاث مختلفة.
- المرحلة الثالثة: تسمّى هذه المرحلة بمرحلة تدقيق الإشكالية، ويوضّح الباحث خلالها أسلوبه في عرض المشكلة وكيفية حلّها، ويكون ذلك من خلال عرض أهم المصطلحات في الإشكالية، وتوضيح الاقتراحات الموضوعة للإجابة عن سؤال الانطلاق ضمن بناءٍ مفاهيمي يوضّح الإطار النظري الذي أستند عليه الباحث في كتابة بحثه .
مصادر تصور الإشكالية
يستطيع الباحث الاستعانة بعددٍ من المصادر التي تُساعده على تصوّر الإشكالية، وهي كالآتي:
- تخصص الباحث: يعدُّ تخصص الباحث المصدر الأهم للباحث في عملية بحثه؛ إذ إنه يوفر له قاعدة بياناتٍ واسعة كما يوفر له مشكلاتٍ كبيرة تعتمد على البحث والتقصّي.
- مجال العمل: يوفر مجال العمل للباحث فرصاً لاكتشاف بعض المشاكل التي تحتاج إلى دراسةٍ وحل، ويتطلّب ذلك من الباحث الاطّلاع المستمر على الدراسات والأبحاث في مجال عمله من أجل تحديد الجوانب التي لم تُدرس بعد والبدء بدراستها.
- الدراسات السابقة: يستطيع الباحث الاستعانة بالدراسات السابقة حول الموضوع الذي يهتم بدراسته؛ فقد تساعده في وضع أسئلة معمقة حول موضوعه وتحديد الثغرات التي لم يتم دراستها بعد؛ لذا يتوجب على الكاتب اختيار الدراسات السابقة بعناية، وأن يمتلك القدرة على تفسير المعلومات والبيانات التي يحصل عليها من تلك الدراسات.
- القراءات النقديّة: تُعدُّ من الطرق المثالية لاختيار مواضيعٍ للدراسة، وخصوصاً الدراسات ذات الأسس النظريه؛ حيث يستطيع الباحث القراءة في الدراسات السابقة ضمن تخصصه بشكلٍ دقيقٍ وناقدٍ من أجل تحديد الثغرات التي تحتاج إلى دراسة؛ في حين أنّ قراءة الدراسات السابقة دون تدقيق أو بشكلٍ غير ناقد سيؤدي إلى تشتييت الباحث وعدم قدرته على تحديد مشكلة بحثه بشكلٍ واضح.
- الخبرة الشخصية: يكتسب الباحث خبرةً شخصيةً بعد اطّلاعه على العديد من الدراسات والمراجع، وبعد تفاعله ضمن ميدان عمله، وتلك الخبرة تزيد من قدرته على اختيار مشكلة للبحث بعد شعوره بها واقتناعه بأهميّتها، ويجدر بالذكر أنّه لا يجب على الباحث أن يعتمد على خبرته الشخصية فقط في تحديد مشكلته البحثية لأنّ ذلك سيدفع به نحو الذاتيّة والتحيّز والبعد عن الموضوعية، وإنما يجب عليه أن يختار مشكلة بحثه اعتماداً على المصادر المختلفة.
- حلقات البحث: يساهم حضور حلقات البحث المتعلّقة بمناقشة متطلّبات التخرّج المتنوعة والأبحاث على زيادة قدرة الباحث على اختيار المواضيع التي تحتاج لدراسة، واختيار المواضيع التي تناسب ظروفه والتي تكون ضمن إمكانيّاته، وخاصّة أنّ تلك المناقشات تناقش عادةً مواضيع علمية وعملية قيّمة من قبل الخبراء والأساتذة المشرفين، والذين قد يستفيد الباحث منهم في توجيهه نحو عددٍ من المشاكل التي لا يدركها الباحث في بداية بحثة، وتوجيهه نحو المصادر والمراجع ذات العلاقة بالبحث.
- وسائل الإعلام: تُعدُّ وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة مصدراً أوليّاً يساعد الباحث في بلورة مشكلةٍ ما وتحديد حدودها المبدئية.
- المؤتمرات والندوات: يتوجب على الباحث حضور المؤتمرات والندوات العلمية والاستماع للمناقشات التي تُطرح من قِبل المختصين من مناطق مختلفة، والاحتكاك مع أولئك الخبراء، والاستفادة من المداخلات العلمية التي تتعلّق بموضوع المؤتمر، لأنّ تلك الأمور تساعده على اختيار أبعادٍ أخرى لبحثه.
- شبكة الانترنت: توفر شبكة الانترنت العديد من الأبحاث والدراسات الحديثة وفي مختلف التخصصات التي يستطيع الباحث الاطّلاع عليها والاستفادة منها كمصدرٍ مهمٍّ في تحديد إشكالية بحثه.
- الصدفة: يمكن أن يتعرّض الباحث لمواقف معيّنة تساهم في إلهامه لمشكلة بحثٍ غير مخططٍ لها، ومثال ذلك أن يعمل الباحث ضمن فريقٍ بحثي؛ إذ قد تلهمه الدراسات الميدانية التي يقوم بها بأفكارٍ لمشكلةٍ بحثية معينة.
- الزيارات الميدانية: تساعد الزيارات الميدانية في مجتمع الباحث على تقديم عددٍ من المؤشرات حول بعض المواضيع التي تحتاج إلى دراسة، وتحديد مشكلة بحثيّة.