معوقات الإبداع
الإبداع
لم يتّفق الباحثون على وَضْع مفهوم مُحدّد لمُصطلح الإبداع ، حيث تباينت وجهات النظر في ذلك؛ نظراً لتداخل الحاجات الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والسياسيّة، واختلاف المعايير التي تُصنِّف المُبدِع من غيره، وعلى الرغم من ذلك، فقد تمّ وضع بعض المفاهيم الشاملة التي تُوضِّح مفهوم الإبداع، ومن أشهر هذه التعريفات، تعريف الباحث (تورنس)، حيث عرّف الإبداع بأنّه: "عمليّة تشبه البحث العلميّ، وتساعد الفرد على الإحساس والوعي بالمُشكِلة، ومواطن الضعف والثغرات، والبحث عن الحلول، والتنبُّؤ، ووضع الفرضيّات، واختبار صحّتها، وإجراء تعديل على النتائج؛ حتى يتمّ الوصول إلى سلوك الإنتاج الإبداعيّ"، كما عرَّفه الباحث (جيلفورد) بأنّه: "سمات استعداديّة تضمّ الطلاقة، والمرونة، والإسهاب، والحساسيّة للمشكلات، وإعادة تعريف المُشكِلة، وإيضاحها)، ويُمكِن تعريف الإبداع باعتباره أسلوباً للحياة، بأنّه: قدرة الأفراد على تحقيق الذات، وقدرتهم على التعامل مع الآخرين، وعدم خوفهم من سخريتهم، إضافة إلى تمكُّنهم من الاستجابة للتحدِّيات والعقبات التي تُواجههم في الحياة، فالإبداع عبارة عن عمليّة ترتكز بشكل أساسيّ على عمل العقل البشريّ، مع وجود بيئة مناسبة، ومُشجِّعة، وسمات شخصيّة مُعَيَّنة؛ لإيجاد ناتج إبداعيّ مُستنِد إلى قدرات عقليّة مُحدَّدة.
وقد وضع "ديفيز" نوعين من الإبداع، وفرّق بينهما، وهما:
- الإنتاج الإبداعيّ: وهو الإبداع في المجالات المُختلِفة، كالآداب، والفنون، والاختراعات .
- الإبداع الكامن: أي أن يكون الفرد المُبدِع قادراً على إنتاج وابتكار أفكار جديدة ومفيدة.
مُعوِّقات الإبداع
تُوجَد العديد من المُعوِّقات التي قد تُؤثِّر في إبداع الفرد في المجالات المُختلِفة، وقد يكون الشخص نفسه هو المُسبِّب لهذه المُعوِّقات، أو قد يُسبِّبها الآخرون له، وفيما يلي نذكر أهمّ مُعوِّقات الإبداع:
- الخوف من الخطأ والفشل: قد يقع الفرد المُبدِع والمُبتكِر في الخطأ، أو الفشل ، وهذا ليس بعيب أو نقص؛ فالوقوع في الخطأ يُعتبَر بمثابة درس قد يُعلِّم الإنسان الكثير، ويُجنِّبه الوقوع فيه مرّة أخرى؛ لذا يجب ألّا يكون الوقوع في الخطأ عائقاً أمام المُبدِع، بل يجب أن يكون ذلك دافعاً له لمزيد من الإبداع، والابتكار.
- التقيُّد بالعادات: إنّ التقيُّد بالعادات والسَّير على نمط السابقين دون تفكير أو ابتكار ما هو جديد، يقتل أنواع التفكير الإبداعيّ جميعها؛ فالعادة تُمثِّل استجابة نَمَطيّة ومُتكرِّرة لأفعال سابقة؛ لذا لا بُدّ من تقدُّم الشخص دائماً نحو الأمام، والنظر إلى جوانب الضعف، والقوّة؛ لتقرير الخيار الأنسب، ولتقديم الإبداعات، والابتكارات، مع التنبيه إلى أنّ هناك العديد من العادات والتقاليد التي لا تقبل الاجتهاد والإبداع بما يُخالفها، كالعادات التي توافقُ ديننا القويم، والمنصوص عليها في القرآن الكريم، أو السنّة النبويّة المُطهَّرة، إذ لا بُدّ من احترامها، وتعظيمها كما هي.
- عدم الثقة بالنفس: قد يتعرّض الشخص المُبدِع للإحباط أو التثبيط من الآخرين؛ بهدف قتل روح الإبداع والابتكار فيه، فالمثبِّطون يُعبِّرون عمّا يناسب أفكارهم، ورغباتهم، وليس عمّا يناسب الآخرين؛ لذا يجب الاستماع إلى الأشخاص المُحفِّزين ، والمُبدِعين، والاستفادة منهم.
- الخوف والخجل من الرؤساء: إنّ من مُعوِّقات الإبداع: الخوف، والخجل من المدير، أو المسؤول، وعلى الشخص المُبدِع تجنُّب الخوف، مع الحرص على إطلاق العنان لتفكيره، وقدراته، وإبداعاته.
- الاعتماد على الآخرين والتبعيّة لهم: فلا يجب على الشخص المُبدِع اتّباع نَهْج الآخرين، بل يجب عليه تَبنّي نهجه الخاصّ القائم على الأدلّة، والاجتهادات المَبنيّة على أُسُس صحيحة وسليمة.
- عدم تنظيم الوقت: قد يقضي الشخص المُبدِع الكثير من الوقت في أداء الأعمال والأنشطة غير المفيدة، بحيث يرى أنّ الوقت لا يُغطّي جوانب الحياة الأساسيّة جميعها، ويجد أنّه لا وقت للإبداع، والابتكار، والتفكير؛ لذا ينبغي على الشخص المُبدِع تنظيم وقته، ووَضْع برنامجه الخاصّ، بالإضافة إلى التقليل من الأنشطة غير المفيدة.
- التسويف والتأجيل: إنّ من مُعوِّقات الإبداع تأجيل الأعمال والمَهامّ المُقرَّرة إلى وقت لاحق، وعدم المُبادرة، والمُسارعة لإنجازها في أماكن العمل ؛ لذا لا بُدّ على الشخص المُبدِع من المُبادرة في عمله، والتخطيط للمهمّة المعروضة؛ بهدف تنفيذها بأسرع وقت مُمكِن.
مُعوِّقات الإبداع على المستوى المُؤسَّسي
إنّ الإبداع على المستوى المُؤسَّسي قد تعتريه بعض المُعوِّقات التي قد تُؤثِّر في الجانب الإبداعيّ لأفراد المُؤسّسة ، ونذكر فيما يلي أهمّ هذه المُعوِّقات:
- الاهتمام بالجانب الشكليّ، والنظاميّ، وإهمال العمليّة الإنتاجيّة، والجوانب الإبداعيّة في المُؤسَّسة .
- عدم الفصل بين الإدارة، والسياسة في القطاع العامّ (الحكوميّ) من جهة، وعدم الفصل بين الإدارة، والمُلكيّة في القطاع الخاصّ من جهة أخرى، حيث يُؤدّي ذلك إلى تولية المناصب الإداريّة، والقياديّة لأشخاص غير مُؤهَّلين، وتنقصهم المهارة الإداريّة.
- الشكّ بالجانب الإبداعيّ، والنظرة السلبيّة إلى الإبداع، والابتكار، مقارنة مع القِيَم الاجتماعيّة السائدة.
- التركيز على الربح من خلال تقليل التكاليف، والنظرة التقليديّة للعمليّة الإنتاجيّة، وتحقيق الأرباح.
- قلّة الموارد، ومحدوديّتها، وضعف الدعم المادِّي، ممّا يُؤثِّر في إمكانيّة أداء التجارب الإبداعيّة، وتطبيق الأفكار على أرض الواقع.
أهمِّية الإبداع
يلعب الإبداع دوراً مُهمّاً وفعّالاً في حياة الأفراد، والمُجتمَعات؛ فهو يمنح الأفراد المقدرة على تحسين الإنتاج وتطويره، واستخدام قدراتهم وتوظيفها في مُختلَف المجالات؛ للمساهمة في إنتاج كلّ ما هو جديد، ومفيد؛ فالإبداع يُمثّل نَمَط حياة، وسِمة شخصيّة، وأسلوباً مُنظَّماً يُمكِّننا من فَهْم وإدراك العالَم، ويَكمُنُ دور الإبداع، وأهمِّيته في المجالات الآتية:
- تطوير مقدرة الفرد على خَلْق أفكار، وحلول جديدة.
- تنمية روح الشعور بالآخرين، وتطوير الأساليب، والطرق لحلّ مُشكِلاتهم .
- مساعدة الفرد؛ لإيجاد حلول فعّالة لمُشكِلة ما، بطريقة مثاليّة.
- جعل الإبداع مهارة حياتيّة تُمارَس يوميّاً، بحيث يتمّ تطويرها وتنميتها من خلال التدريب، والتعلُّم .
- المساهمة في تطوير المُنتَجات الإبداعيّة، وتحقيق الذات الإبداعيّة.