معنى قيام الليل
معنى قيام الليل
يعرّف قيام الليل اصطلاحاً بقضاء الليل أو جزءٍ منه في عبادةٍ مشروعة؛ كالصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، وسماع الحديث، والصلاة على النبي، ونحوها من العبادات، ويبدأ اللّيل من غروب الشمس حتى طلوعها في اليوم التالي، ولا يُشترط أن يقوم العبد اللّيل كلّه، ويسمّى القيام من النوم للصّلاة تهجّداً كذلك، وتحتاج هذه العبادة مجاهدةً كبيرةً تستلزم التدرّب على القيام من النوم والصبر على ذلك، وسؤال الله -عز وجل- الإعانة.
ويعدّ قيام اللّيل من النوافل العظيمة في الأجر والثواب والقرب من الله -سبحانه-، حيث يُطلق في اللّغة على كل ما هو زائدٌ على الفرض والنّصاب نافلة، كما تُطلق أيضاً على الهبة والزيادة والتطوّع، أما في الاصطلاح الشرعي فالنافلة هي كلّ تطوّعٍ مشروعٍ زائدٍ عن الفرض والواجب والمسنون، وقد وردت مشروعية التطوّع في النافلة في السنة النبوية، فعن ربيعة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: (كُنْتُ أبِيتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأتَيْتُهُ بوَضُوئِهِ وحَاجَتِهِ، فَقالَ لِي: سَلْ، فَقُلتُ: أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ. قالَ: أوْ غيرَ ذلكَ قُلتُ: هو ذَاكَ. قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ)، ومن النوافل العظيمة؛ الصلاة، والأفضل أن يؤدّي المتطوّع صلاة النّفل في البيت، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرَ صَلَاةِ المَرْءِ في بَيْتِهِ إلَّا الصَّلَاةَ المَكْتُوبَةَ).
كيفيّة صلاة قيام الليل
يصلّي المسلم قيام الليل ركعتين ركعتين؛ فيسلّم بعد كل اثنتين، ويختم صلاته بالوتْر، أمّا عدد ركعات القيام فهي إحدى عشر ركعة كما فعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، فقد صحّ عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (ما كانَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً)، ويرى جماهير السلف والخلف جواز الزيادة على هذا العدد، وتخصيص النبيّ لهذا العدد لا يعني عدم جواز الزيادة عيله، فصلاة قيام الليل من النوافل التي يتقرّب بها العبد إلى الله -تعالى-، ويجوز أن يقوم العبد قليلاً ثم ينام، ثم يعود فيقوم مرّة أخرى ثم ينام، وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: (سَأَلَ رَجُلٌ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو علَى المِنْبَرِ: ما تَرَى في صَلَاةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى واحِدَةً، فأوْتَرَتْ له ما صَلَّى. وإنَّه كانَ يقولُ: اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا؛ فإنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَ بهِ)، وصلاة اللّيل مثنى مثنى هو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.
إنّ صلاة الليل من السنن المطلقة، قال الله -تعالى-: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)، ومن أدلّة ذلك أيضاً أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان يتركها أحياناً، لحديث جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (اشْتَكَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً -أوْ لَيْلَتَيْنِ-)، ويبدأ وقتها من بعد أداء فرض العشاء إلى قُبيل طلوع الفجر الصادق، وكان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يحرص على القيام حرصاً شديداً، لذا فهو سنّة مؤكدة.
ما يُعين على قيام الليل
ويمكن أن يستعين من أراد أن يقوم الليل بمجموعةٍ من الأسباب؛ أوّلها أن ينام مبكّراً، ولا يكثر خلال يومه من الأكل والشرب، ولا يستنفذ طاقته فيما لا طائل ولا فائدة منه من الأعمال خلال اليوم، وأن يحرص على القيلولة خلال النهار، ويكثر من ذكر الله ، ويُمسك نفسه عن المعاصي والسيئات التي قد تكون سبباً في حرمان العبد من لذّة الطاعة، وأعظم ما يدفع العبد إلى قيام الليل هو حبّه لله وإيمانه به، ورجاؤه بأن ينال الأجر العظيم من الله -تعالى-، وطمعه في إجابة الله لدعائه، ففي اللّيل ساعة إجابة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِن أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَذلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ).
فضائل قيام الليل
كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقوم اللّيل حتى تتشقّق قدماه، وما ذلك إلّا دليلٌ على حرص النبيّ على هذه العبادة، واهتمام النبيّ بعبادة ما دليلٌ على عِظم أمرها وعلوّ شأنها، وكان -عليه الصلاة والسلام- يعتبر ذلك شكلاً من أشكال شكر الله -تعالى-، لحديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: (قَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فقِيلَ له: غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، قالَ: أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا)، وهذه العبادة سببٌ من أسباب دخول الجنّة ، وعلوّ الدرجة فيها، وقد استحقّ القوّامون لليل رحمة الله -تعالى-، وثناءه عليهم -سبحانه-، فقال فيهم في القرآن الكريم: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا).
وقد شهد الله لعباده المحافظين على قيام الليل بالإيمان الكامل، فقال -تعالى-: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ* تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ُنفِقُونَ)، وقد رفع الله منزلتهم عن غيرهم من الناس، فقال -تعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الليل سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)، وقيام الليل سببٌ في غفران الذنوب وتكفير السيّئات، وهو أفضل صلاة العبد بعد الفريضة، لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ).
كما أنّ قيام الليل من العبادات التي يستحقّ المؤمن الغبطة عليها، ففيها يجمع المؤمن خيري الدنيا والآخرة، وفيها يجمع القائم بين الصلاة والقيام بين يدي الله وبين الإكثار من قراءة القرآن ، وبها يُستثنى المؤمن من الغافلين، ويكتب في القانتين، وقيام الليل سببٌ في عون المسلم على القيام بشؤون الدعوة والتكليف.