معنى حديث: دعاة على أبواب جهنم
نص الحديث
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (كانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّا كُنَّا في جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بهذا الخَيْرِ، فَهلْ بَعْدَ هذا الخَيْرِ شَرٌّ؟ قالَ: نَعَمْ، فَقُلتُ: هلْ بَعْدَ ذلكَ الشَّرِّ مِن خَيْرٍ؟ قالَ: نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ، قُلتُ: وَما دَخَنُهُ؟ قالَ: قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بغيرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بغيرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ منهمْ وَتُنْكِرُ، فَقُلتُ: هلْ بَعْدَ ذلكَ الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ علَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قالَ: نَعَمْ، قَوْمٌ مِن جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، فَما تَرَى إنْ أَدْرَكَنِي ذلكَ؟ قالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ، فَقُلتُ: فإنْ لَمْ تَكُنْ لهمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إمَامٌ؟ قالَ: فَاعْتَزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، ولو أَنْ تَعَضَّ علَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ علَى ذلكَ).
المعنى الإجمالي للحديث
يرشد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إلى اجتناب مواضع الفتن والشبهات في أحاديث كثيرةٍ، وحذّر من سوء عاقبتها على الفرد ومجتمعه، وُكر في الحديث السابق أنّ حذيفة بن اليمان سأل النبيّ -عليه السلام- عن الشرّ؛ ويُقصد به الفتن من البدع والضلالات وغيرها ممّا ينتشر؛ وذلك خشية الوقوع فيها، وليتمكّن من اجتنابها والإكثار من فعل الخير، وما ذلك إلّا حرصاً منه كما كان عليه جلّ الصحابة -رضي الله عنهم-، فأراد حذيفة أن يسأل النبيّ -عليه السلام- عن حقيقة وقوع شرٍّ بعد الخير الذي كان ببعثته -عليه الصلاة والسلام-، وذلك بعدما كانوا يعيشون في الجاهلية في شرٍّ، فأخبره النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ ذلك الخير سيعقبه شرٌّ ثمّ خيرٌ ليس خالصاً وإنّما يخالطه بعض من الأمور المكروهة وهو المقصود بالدَخن، فلمّا سأله حذيفة عن تلك الأمور المكروهة قال النبيّ -عليه السلام- أنّه سيكون هناك أناسٌ لا يهتدون بهَدْيه وتصدر منهم أمورٌ موافقة للشرع وأمورٌ مخالفةٌ له، فالخير الذي منهم أُثني عليه والشرّ يُنكر عليهم، ثمّ أخبر النبيّ -عليه السلام- أنّه سيكون بعد ذلك في آخر الزمان دعاةٌ يدعون الناس إلى الضلال، ويصدّونهم عن الهدى، فكان تشبيه النبيّ لهم وكأنّهم على أبواب جهنم يقذفون فيها مَن أجابهم واتّبعهم، وأخبر -عليه السلام- بصفاتهم؛ فهم يتكلّمون بالشَّرع؛ أي بما قاله الله -تعالى- ورسوله -عليه الصلاة والسلام-، إضافةً إلى المواعظ التي تلامس قلوب الخلق إلّا أنّه ليس في قلبهم شيءٌ من الخير فيقولون ما لا يفعلون، وأمر النبيّ -عليه السلام- بعد ذلك ما على المسلم فعله إذا ما أدرك تلك الفتنة؛ فعليه لزوم جماعة المسلمين والتمسّك بما هو صحيحٌ في الدِّين بالتزام أوامره واجتناب نواهيه، فإن لم يكن هناك جماعةٌ يتمسّك بها فعليه اعتزال كلّ الفرق حتى يدركه الموت.
ما يُستفاد من الحديث
دلّ الحديث على جملةٍ من الفوائد، منها:
- أهمية لزوم جماعة المسلمين، واتّباع أوامر الرسول -عليه الصلاة والسلام- والاهتداء بهديه.
- حرص الصحابة على تعلّم أمور دينهم واجتناب الفتن ما أمكن.
- الدعاة صنفان؛ دعاةٌ على أبواب الجنة ودعاةٌ على أبواب جهنم.