معنى إبراء الذمة في الإسلام
معنى إبراء الذمة
الذمّة هي المسؤولية والالتزام، وكل ما يتحمّله الإنسان من تبِعات اتجاه الله -تعالى- وخلقه، وبها يكون الإنسان أهلاً للأحكام الشرعية والمساءلة، وهي العهد الذي يلتزم به الإنسان مع الآخرين، ونقضها يوجب الذم، لذلك سميت ذمة،والإبراء هو التنزيه والتخليص؛ بأن يتخلص المسلم من العهد والمسؤولية،وفي هذا المقال سنوضّح معنى إبراء الذمة من جانبين.
أولاً: إبراء الذمة في العبادات
أوجب الله -تعالى- على المسلم أفعالاً وأقوالاً مخصوصة تُسمى العبادات، ويصبح المسلم مُلزماً بها بمجرد بلوغه؛ فقبل البلوغ ليس للمسلم ذمة فيما يتعلق بالعبادات التي فرضها الله -تعالى- على خلقه، وكذلك النائم والمجنون.
عن عليِّ بن أبي طالبٍ -رَضِيَ اللهُ عنه-، أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: (رُفِع القَلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلِمَ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ)، ولكن الصبي المميز لو أدى العبادات عاقلاً ما يفعل، كانت صحيحة.
والعبادات لها أوقات تجب بدخولها كالصلاة تجب بدخول الوقت، فإذا دخل وقت الصلاة تعلقت ذمة المسلم بفرض الصلاة، ولها شروط وأركان يجب تحققها حتى تبرأ ذمة المسلم من هذه العبادة، وكذلك الصوم والحج والعمرة والزكاة؛ لها أوقات وشروط وأركان، فإن أدى المسلم العبادة في وقتها وحقق شروطها وأركانها كانت ذمته بريئة أمام الله منها.
أما بالنسبة للثواب والعقاب؛ فقد تبرّأ ذمة المسلم من أداء عبادة ولا يُثاب عليها إذا حقّق أركانها وشروطها، كمن أدى الصلاة بجميع أركان وشروط الصلاة لكنه لم يعقل منها شيئاً، ولم يخشع فيها، وكمن صام يوماً من رمضان وحقق جميع أركانه وشروطه؛ لكنه نام طيلة الوقت متعمداً ولم يؤدي الصلاة المفروضة في ذلك اليوم.
هنا تبرأ ذمته من الصيام لكنه لا يثاب؛ وتبقى ذمته متعلقة بفرض الصلاة، وفي ذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامِه إلا الجوعُ، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامِه إلا السَّهرُ)،وإبراء الذمة في العبادات يُلخص بانتهاء تعلق المسلم من مسؤوليته تجاه عبادة فرضها الله -تعالى- عليه، بأن يؤديها محققاً شروطها وأركانها.
ثانياً: إبراء الذمة في المعاملات
تتعلّق في ذمة المسلم حقوقاً للآخرين، سواء كانت حقوقاً مالية؛ كالدَّين والنفقة وأثمان الأشياء، وتوزيع التَرِكة وغيرها، أو حقوقاً معنوية؛ كالحضانة، والتربية، و إتقان العمل ، وغيرها الكثير من الحقوق، وتبقى ذمة المسلم متعلقة بهذه الحقوق، ومسؤولاً أمام الله -تعالى-، وأمام خلقه عنها حتى يؤدّيها كاملة.
وإبراء الذمة في المعاملات يعني: إسقاط شخص حقا له في ذمة آخر، ويكون بذلك قد تملك ذلك الحق، وأعلن براءة ذمة الآخر منه، ويجوز للمسلم أن يُسقط حقه من ذمة الآخر ولو لم يحصل عليه إن كان ذلك برضاه، كمن سامح بدَين له.
أو كمن سامح بحقه في الميراث، أو سامح بثمن سلعة باعها فكانت هبة، فإن كان ذلك صدقة منه أو إعانة لمسلم كانت مندوبة، قال -تعالى-: (وإن كان ذو عُسْرَة فَنَظِرة إلى مَيْسرة وأن تَصدَّقُوا خير لكم إن كنتم تعلمون).
الحقوق المعنوية
ينبغي على المسلم أن يتقي ربه في أداء هذه الحقوق؛ فأداؤها يحتوي على الكثير من التفاصيل التي لا يطلع عليها إلا صاحب الذمة، فيجب أن يؤديها كما أمر الله -تعالى-؛ من غير انتقاص ولا تغيير، لتبرأ ذمته منها أمام الله -تعالى-.
ومن ذلك المسؤولية الاجتماعية والتربوية تجاه الآخرين، فعن ابن عمر رضي الله عنهماـ قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مسؤول عن رَعِيَّتِهِ، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مسؤول عن رَعِيَّتِهِ).