معنى (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا)
آية "واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا"
تأتي هذه الآية في سياق يخاطب الله عز وجل فيه النبي صلى الله عليه وسلم بأن يدع المشركين حتى يلاقوا ما ينتظرهم من العذاب يوم القيامة ، ثم أخبر سبحانه وتعالى أن لهم عذاباً قبله في الحياة الدنيا من القتل وإخراجهم من ديارهم، وغير ذلك من المصائب والابتلاءات لعلهم يرجعون ويتوبون، لكنهم يستمرون على ما يوجب العقاب لأن أكثرهم لا يعلمون؛ أي لا يفهمون ما يراد بهم، ثم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على حكم ربه، وأن يستعين على الصبر بالذكر والتسبيح والعبادة، قال تعالى: (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ، يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ، وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ)، ومعنى إدبار النجوم: آخر الليل، وتدخل بذلك صلاة الفجر.
معنى آية "واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا"
يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بالصبر ؛ وذلك تسلية له بعد ما ساقت السورة أخبار المشركين وضلالهم وبُعدهم عما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والآيات الواضحات.
أما قوله تعالى: (لِحُكْمِ رَبِّكَ) فقد جاءت في تفسيره أقوال، منها:
- اصبر لقضاء ربك الذي جعلك نبياً وحمّلك الرسالة.
- اصبر على ما ابتليت به من بلاء وأذى في قومك، ولا تبال بهم.
- اصبر على حكم ربك القدري والشرعي، والمقصود بالحكم القدري هو: ما قدره الله سبحانه وتعالى من الإحياء والإماتة، والمرض والفقر، والمصائب والضعف والرزق، وغير ذلك من الأمور التي يقدرها الله سبحانه وتعالى والتي تحتاج من العبد صبراً، لأنها قد تكون بخلاف ما يهوى ويحب، وأما الحكم الشرعي فالمقصود به الأحكام التي جاءت بها الشريعة من وجوبٍ ونهيٍّ، وتحليلٍ وتحريمٍ، وغير ذلك من الأحكام التي يجب الصبر عليها والقبول بها وعدم الاعتراض عليها فهي أمر الله عز وجل وشرعه.
- وهذا القول يشمل القولين السابقين؛ فالله سبحانه وتعالى قدر لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يكون نبياً وكلّفه بحمل الرسالة فيجب عليه تبليغ هذه الرسالة وأن يصبر على ما يصيبه في سبيل ذلك وهذا الحكم الشرعي، أما الحكم القدري فهو ما ابتُلي به صلى الله عليه وسلم وتعرض له من الأذى والظلم والسخرية من هؤلاء القوم في سبيل تبليغ هذه الرسالة.
ثم علل سبحانه وتعالى أمره لنبيه بالصبر بقوله تعالى: (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) أي: اصبر لأنك بأعيننا، فإنا نراك ونرى عملك، فنحن نحفظك ونحميك، فلا يصيبك أذى المشركين ، وهذه الآية الكريمة تشبه قول القائل لمن يحبه ويشفق عليه: أنت في عيني، أي: أنت في حمايتي ورقابتي، فليس المقصود أن الشخص حال أو موجود في عينه بل هو أسلوب من أساليب الكلام.
دلالة جمع العين في قوله تعالى: "فإنك بأعيننا"
جاء في تفسير جمع العين في قوله تعالى: (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) تعليلان، هما:
- جمعت لأنها أضيفت إلى ضمير الجماعة (نا)، أما لما كان الضمير مفردًا أفرد العين وذلك في قوله تعالى: (وَلِتُصنَعَ عَلى عَيني).
- جمعت للمبالغة بالحفظ حتى كأن معه جماعة حفظة يحفظونه بأعينهم.