معلومات عن دولة بوهيميا (المملكة البوهيمية)
أين تقع بوهيميا؟
تعدُّ مملكة بوهيميا إحدى الدول التاريخية القديمة التي انهارت في القرن العرشين، حيث كانت تقع وسط قارة أوروبا، وشكلَت فيما بعد الجزء الأكبر من دولة التشيك ، بلغت مساحتها نحو 52750 كيلو مترًا مربعًا، وعدد سكانها بلغ نحو 6 ملايين نسمة، ضمَّت مملكة بوهيميا الثلث الغربي والثلث الأوسط من جمهورية التشيك، تحيط بها كل من بولندا من الشمال الشرقي وألمانيا من الغرب والنمسا من الجنوب ومنطقة التشيك التاريخية في مورافيا من الشرق، وكانت تحيط بها أربعة سلاسل جبلية تشكل الحدود الطبيعية لها.
تاريخ دولة بوهيميا
سيتمُّ فيما يأتي الحديث عن تاريخ دولة بوهيميا بشكل مفصل:
تأسيس المملكة
تأسست مملكة بوهيميا بشكل رسمي في عام 1198م من قبل الملك أوتوكار الأول، واعترف الملك فيليب دوق شوابيا بالمملكة الجديدة فورًا لأنه كان منتخبًا للحصول على منصب ملك الرومان ، فاعترف بمملكة أوتوكار مقابل أن يقدم أوتوكار له الدعم المطلوب ضد الإمبراطور أوتو الرابع الذي ينافسه على المنصب، وفي سنة 1204م اعترف الملك أوتو الرابع نفسه بمملكة أوتوكار ومنحه اللقب الملكي الرفيع، كما اعترف البابا إنوسنت الثالث بذلك.
فيما بعد حصل على الشرعية المؤكدة بالحصول على المرسوم الصقلي الذهبي الذي منحه إياه الملك فريدرش الثاني سنة 1212م، وهذا ما عزز منطقة بوهيميا وثبت ركائزها للوصول إلى مملكة، وهذا ما يمنح الملك إعفاءً من جميع التزاماته تجاه الإمبراطورية الرومانية المقدسة في المستقبل ما عدا المشاركة في مجالس الإمبراطورية، وبقيت مملكة بوهيميا جزءًا من الإمبراطورية الرومانية المقدسة إلى أن تمَّ حلها في عام 1810م، وفي عام 1526م اتحدت مملكة بوهيميا مع مملكة هابسبورغ وبقيت كذلك حتى عام 1918م .
التاريخ القديم
ترجع أولى الإشارات المؤكدة عن ذكر منطقة بوهيميا إلى العصر الروماني القديم، وقد أطلق عليها الرومان القدماء أسماء عديدة مثل: "Boiohaemum" وتعني موطن البوي أو بلاد البوي أو شعب السلتيك، فقد كانت المنطقة تقع على مفترق طرق تمر فيه القبائل السلافية والجرمانية الرئيسية في مرحلة الهجرة القديمة، وقبل الميلاد بحوالي 100 سنة قامت الشعوب الجرمانية بتسوية المنطقة هناك بما فيها منطقة الماركوماني، وانتقلوا فيما بعد إلى المنطقة الجنوبية الغربية وتم استبدال سكان بوهيميا بالشعب السلافي أو السلافيين في حوالي سنة 600 للميلاد، وهم الذي يشكلون شعب جمهورية التشيك اليوم.
حركة الإحياء الوطنية التشيكية
أصبحت مملكة بوهيميا في عام 1749م أشد ارتباطًا بمملكة هابسبورغ بعد أن وافق البرلمان فيها على قانون الإصلاح الإداري الذي يتضمن عدم القبول بتجزئة هابسبورغ ومركزية الحكم فيها، وتمَّ دمج الملكية البوهيمية مع المستشارية في النمسا ، كانت اللغة الألمانية فيها اللغة الرسمية الثانية حتى عام 1627م، وكانت اللغة اللاتينية والألمانية يتم التحدث بهما بشكل واسع فيما بين الطبقات الحاكمة رغم هيمنة اللغة الألمانية بشكل أكبر، وكانت اللغة التشيكية شائعة أكثر في الأرياف، تقيدت اللغة التشيكية ومنعَت من التطور بين الفئات المتعلمة بعد خوض معركة الجبل الأيبض، وفي عصر التنوير تحسن الوضع قليلًا عندما راجع التشيكيون لغتهم وأعادوا بناءها.
كان جوزيف دوبروفسكي (1753م - 1829م) أول كاهن يسوعي وأول سلافي يؤلف كتبًا في القواعد والقواميس في اللغة التشيكية، وعمل جوزيف جوغمان (1773م - 1847م) على التركيز على جمع قاموس تشيكي ألماني، وقام بكتابة تاريخ بوهيميا باللغة التشيكية، ومن السلافيين البارزين بافيل جوزيف شافيك إذ يعدُّ من البارزين في حركة النهضة التشيكية، في نهاية القرن الثامن عشر أطلقت حركة النهضة التشيكية حملة بالتعاون مع بعض الأرستقراطية في بوهيميا لاستعادة حقوق المملكة التشيكية التاريخية، فكان يفترض أن تصبح اللغة التشيكية هي اللغة الرسمية في الإدارة بدل الألمانية، وقد أظهر حكم جوزيف الثاني وليوبولد الثاني تنازلات كثيرة في اللغة، وأعطى وعودًا كثيرة للحركة التشيكية.
ألغيَ الكثير من الإصلاحات لاحقًا في ثورات عام 1848م، ودعا كثير من التشيكيين القوميين إلى انفصال بوهيميا عن هابسبورغ، وفي مؤتمر براغ السلافي وجدَت محاولات حاسمة للانفصال عن ذلك النظام الملكي، واجتمع المندوبون عن الدول السلافية لوضع خطط ولمزيد من العمل على الصعيد الدولي والوطني، ولكن المؤتمر تخلله أعمال شغب وأحكام عرفية، ولكنه تمكن من إنجاز عريضة تطالب بالمساواة بين الدول.
بعد الحرب العالمية الأولى
بعد أن سقطت المجر والنمسا في الحرب العالمية الأولى ، أجبِرَ ملك بوهيميا كارل الأول الإمبراطور النمساوي أن يتخلى عن الحكم من دون تنحي ونفي إلى سويسرا، ثمَّ تمَّ عزل مجلس النواب الوطني في مدينة براغ من أسرة هابسبورغ ولورين، وأعلن عن استقلال مملكة بوهيميا في 28 من شهر أكتوبر عام 1918م، وأصبحت عندها النواة التي ستشكل الجمهورية الحديثة تشيكو سلوفاكيا، حيثُ اجتمعت بوهيميا ومورافيا والنمسا وسيليزيا وسلوفاكيا ، وشكلت جمهورية تشيكو سلوفاكيا وهي جمهورية ديمقراطية ليبرالية بزعامة أول رئيس لها وهو توماش غاريغ ماساريك، وفي عام 1938م وبعد اتفاقية ميونخ ضمَّت ألمانيا النازية المناطق الحدودية مع بوهيميا والتي يسكنها ألمان في الغالب وهي منطقة سوديتنلاد، وكانت هذه أول مرة يتسم فيها أراضي بوهيميا، وفي عام 1939م ضمَّت ألمانيا بقية أراضي بوهيميا ومورافيا وشكلت كلها محمية بوهيميا ومورافيا الألمانية حتى عام 1945م، وشكَّل الجزء المتبقي سلوفاكيا، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية طردَت غالبية الألمان من بوهيميا حسب مرسوم بينيس.
الجمهورية التشيكية
انتصرت الحركة الشيوعية على تشيكوسلوفاكيا في عام 1948م، ووضعت البلاد تحت الحكم الديكتاتوري لأكثر من 40 عامًا، وتمَّ تقسيم البلاد لمقاطعات ولم تعد بوهيميا وحدة إدارية كما كانت في سابق عهدها من تشيكوسلوفاكيا، وفي عام 1989م أعلن البابا يوحنا بولس الثاني قداسة القديسة أغنيس من بوهيميا لتصبح أول قديسة في أوروبا الوسطى، وفي شهر نوفمبر من العام نفسه اندلعت الثورة المخملية التي أنهت عصر الديكتاتورية وهيمنة الحزب الواحد، وتمَّ حل تشيكوسلوفاكيا بشكل ودي في عام 1993م، وتم الإعلان عن قيام جمهورية التشيك وأصبحت بوهيميا جزءًا منها، وقد تم تقسيمها إلى مناطق عديدة أهمها: براغ عاصمة التشيك ووسط بوهيميا وبلزيك وكارلوفي فاري وأستي ناد لابيم وليبيرتش وغيرها.
اقتصاد مملكة بوهيميا
تعدُّ مملكة بوهيميا من الدول الأوربية الأولى التي انتشرت فيها الصناعات منذ أوائل القرن الثاني عشر للميلاد، حيثُ بدأ تعدين الفضة والقصدير في جبال ركاز التي كانت تقع بينها وبين ألمانيا، كما أسهمت بالنهضة الصناعية في أوروبا في العصور الوسطى بشكل كبير، واعتمد معظم الناس فيها على الزراعة مثل بقية دول أوروبا الشرقية، ومنذ القرن التاسع عشر بدأت تتطور الحياة الاقتصادية، وقد كان في براغ العاصمة صناعات لإنتاج المنسوجات والآلات وإنتاج المواد الغذائية، وكانت الصناعة أكبر مجال للعمل فيها.
التركيبة السكانية في بوهيميا
يعود أصل كلمة بوهيمي إلى اللغة التشيكية، حيث لا يوجد فرق بين كلمة تشيكي وبوهيمي في اللغة التشيكية، وهما كلمتان مترادفتان، وكان شعب السلاف يشكل معظم سكان بوهيميا، إضافة إلى عدد كبير من الألمان، أما البقية فكانوا من الموراف والبولنديين والسيليزيين والسلوفاك والرومان.
الديانات في مملكة بوهيميا
انتشرت في مملكة بوهيميا الديانات المسيحية مثل بقية أوروبا، وقد سادت فيها ثلاثة ديانات وفيما يأتي تفصيل ذلك:
- الكاثوليكية الرومانية: كانت أكبر مؤسسة اجتماعية وسيساسية كنيسة في أوروبا منذ عام 476م بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية، يرأسها البابا أسقف روما والذي يعدُّ خليفة بطرس تلميذ يسوع.
- هوسيون: يتبع أصحاب هذا الدين التشيكي اللوثري يان هوس (1369م - 1415م)، فقد حاول إصلاح الكنيسة في القرن الثالث عشر من الشرور والفساد، وذلك بالرجوع إلى الأخلاق الأولى والكتاب المقدس ووصايا يسوع المسيح، لكنَّه تعرض للاضطهاد من قبل رجال الكنيسة، وحكم عليه بالإعدام حرقًا عام 1415م في مجمع كونستانس، وما يزال الهوسيون وتقاليدهم موجودة من قبل الكنيسة الهوسية التشيكوسلوفاكية والكنيسة المورافية.
- اللوثرية: من أكبر فروع الكنيسة البروتستانتية وتنسب إلى مارتن لوثر الألماني الذي حاول أن يجدد الكنيسة في بداية القرن السادس عشر، من خلال تجديد اللاهوت ونظام الكنيسة، وانقسمت ردود الأفعال على مذهب مارتن لوثر وكتاباته، إلى أن تحولت اللوثرية إلى دين الدولة في العديد من دول أوروبا الشمالية، وأصبح رجال الدين اللوثريين موظفيين وصارت الكنيسة اللوثرية جزءًا من دين الدولة.
معالم مملكة بوهيميا
تكثر في بوهيميا المعالم التي تعود إلى ما قبل العصور الوسطى والعصور الوسطى، منها القرى والبلدات والقلاع، بالإضافة إلى المعالم الطبيعية، وفيما يأتي أهم المعالم في بوهيميا:
- هولاشوفيتسي: تعد هذه القرية من القرى التاريخية النادرة التي ما زالت تحافظ على طرازها كما كان في منتصف القرن التاسع عشر، وهي مثال بارز للقرية الزراعية في بوهيميا من عصر الباروك، قرية نموذجية ومحافظة جيدًا، اختيرت من قبل منظمة اليونسكو موقعَ تراثٍ عالمي ثقافي محمي عام 1998م، ويعود وجود الإنسان فيها إلى أكثر من 7000 سنة، وهي من أفضل الأمثلة القرى على الطراز القديم المعماري.
- قلعة براغ: قلعة براغ التشيكية الشهيرة، هي عبارة عن تجمع لعدد كبير من القصور والكنائس والتحصينات والمكاتب والحدائق والساحات، وتبلغ مساحتها أكثر من 45 هكتارًا أي ما يساوي 450 ألف متر مربعًا، وكانت القلعة قديمًا تستخدم مقرًا لملوك مملكة بوهيميا، وتستخدم في الوقت الحالي مقرًا رسميًا لرئيس جمهورية التشيك، وهي أحد مواقع تراث اليونسكو العالمي.
- تشيكي كروملوف: تعدّ من المناطق المميزة والفريدة في بوهيميا رغم أنَّها ليست الأقدم، ولكنَّها بقيت محافظةً على طرازها بشكل رائع، وحيث تكثر المناظر الساحرة في كل مكان فيها.
- كاتدرائية القديس فيتوس: تعدُّ أهم كاتدرائية وأهم معبد في التشيك وتقع داخل قلعة براغ الشهيرة، بدأ بناؤها عام 925م، وبقيت مقر رئيس أساقفة براغ حتى عام 1997م، وتعد مثالًا ممتازًا عن العمارة القوطية، وتحتوي على قبور عدد من ملوك بوهيميا والأباطرة الرومانيين.
- قلعة كروملوف: تقع في تشيكي كروملوف بنيت عام 1250م وطوِّرت على مر العصور لتصبح من أهم مجمعات القلاع في منطقة أوربا الوسطى وتأتي بعد قلعة براغ، تتألف من 40 مبنى وعدد كبير من الحدائق والساحات وغيرها، وقد ساعد حكم عائلة رومبيرك على الازدهار المبكر في القرن الرابع عشر حتى القرن السابع عشر.
- غابة بوهيميا: تتكون غابة بوهيميا من أشجار صنوبر ومستنقعات كبيرة، وتشكل جزءًا من أكبر غابة برية مستمرة في قارة أوروبا، تقع على الحدود النمساوية وغابات بافاريا، وغالبًا تمثل آخر برية حقيقية في أوروبا الوسطى، حكمها سابقًا أمراء كروملوف بشكل شبه إقطاعي وذلك في أوائل القرن العشرين، ويدين الجزء الأكبر من الغابة بسلامته للحرب الباردة عندما طرَد الألمان منها، فأصبحت قليلة السكان إضافة إلى الطرق السيئة التي حافظت على بيئتها الطبيعية بشكل أفضل.