معلومات عن أبي سعيد الخدري
التعريف بأبي سعيد الخدريّ
المشهور عند المؤرّخين أنّ أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- اسمه سعد، بن مالكٍ بن سنان بن ثعلبةٍ بن عبيدٍ بن الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج، وذهب ابن هشام إلى أنّ اسمه سنان، وأياً كان اسمه؛ فقد كان إماماً، ومجاهداً، ومُفتِياً للمدينة المُنوَّرة ، وأحد الفقهاء المُجتهدين، وكان ممّن شَهِد غزوة الخندق، وبيعة الرضوان .
والد أبي سعيد الخدريّ هو الصحابيّ الجليل مالك بن سِنان، ويُذكَر في الروايات أنّه كان ممّن شَهِد غزوة أُحُد ، واستُشهِد فيها، أمّا والدته فهي أنيسة بنت أبي حارثة، ويعود نسبها إلى بني النجّار، ولا يُذكَر عن أمّ أبي سعيدٍ إلّا أنّها كانت فيمَن بايع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وتذكرُ كُتب التراجم أخاً واحداً لأبي سعيدٍ -رضي الله عنه- من أمّه، وهو قتادة بن النعمان، وله أُختَيْن، هما: فريعة بنت مالك، وزينب، وفي ما يتعلّق بزوجته، فهي زينب بنت كعب بن عَجرة، وقد رَوت عن زوجها أبي سعيد، وعن أخته فريعة، كما ذُكِر أنّ له خمسة من الأولاد، وهم: عبد الرحمن، وعبدالله، وحمزة، وسعيد، وبشير.
صفات أبي سعيد الخدري
صفات أبي سعيد الخدريّ الخَلقيّة
يُذكَر من صفات أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- الخَلقيّة أنّه لم يكن يخضبُ؛ أي أنّ لحيته كانت بيضاء، ورُوِي أيضاً عن حفيده رُبَيح عن أبيه عبد الرحمن أنّ أبا سعيد الخدريّ كان عَبْلَ العِظام؛ أي ضخماً عريض الذراعَين.
صفات أبي سعيد الخدريّ الخُلقيّة ومناقبه
تتجلّى أخلاق أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-، ومناقبه، وتبرز بجمالٍ فريدٍ لا مثيل له، وتلك بحقٍّ هي منابع الإيمان التي تثمر في قلوب المؤمنين؛ إذ تمثّل حلاوة القُرب من الله -تعالى-، وابتغاء مرضاته، ومَحبّته، ومن أجلّ أخلاقه السَّمحة -رضي الله عنه-:
- الصبر: بَرزَ الصبر في شخصيّة أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- بشكلٍ لافتٍ، وهذا الخُلق من جميل أخلاق العبد المؤمن، وقد وصفه بذلك كُلّ من رآه؛ لتأصُّل هذا الخلق العظيم في شخصيّته.
- الشجاعة والجرأة: تميّز الصحابيّ الجليل أبو سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-، بمواقفه الجريئة التي وقفها مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فهو رجلٌ بحقٍّ، لا يخاف في الله لومة لائمٍ، وقد تعدّدت شجاعته في شذراتٍ، يُذكَر منها:
- شدّته وحرصه على الجهاد مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- منذ صِغره.
- صلابته في وجه الخطأ والباطل، وعدم التنحّي عن الصواب والحقّ، وأيّاً كان صاحبه، ويظهر ذلك في قصّته الجريئة: (أَوَّلُ مَن بَدَأَ بالخُطْبَةِ يَومَ العِيدِ قَبْلَ الصَّلاةِ مَرْوانُ. فَقامَ إلَيْهِ رَجُلٌ، فقالَ: الصَّلاةُ قَبْلَ الخُطْبَةِ، فقالَ: قدْ تُرِكَ ما هُنالِكَ، فقالَ أبو سَعِيدٍ: أمَّا هذا فقَدْ قَضَى ما عليه سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ).
- الإيثار: تألّق أبو سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- كما تألّق رِفاقه من الصحابة الأُوَل؛ بشدّة المَحبّة للفقراء والمساكين، والإنفاق عليهم، وذلك من عظيم أخلاقهم مع المحتاج والضعيف؛ فكان شديد الإيثار يُؤثر الفقراء على نفسه، كما قال -تعالى- في الصحابة: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ).
- العفّة والحياء: كان أبو سعيد -رضي الله عنه- عفيفاً ذا شِيَمٍ، وعزّة نفسٍ، وعِفّةٍ، تأبى روحه الطاهرة إلّا العفاف، فقد روى عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أنَّ أُنَاسًا مِنَ الأنْصَارِ سَأَلُوا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمْ يَسْأَلْهُ أحَدٌ منهمْ إلَّا أعْطَاهُ حتَّى نَفِدَ ما عِنْدَهُ، فَقالَ لهمْ حِينَ نَفِدَ كُلُّ شيءٍ أنْفَقَ بيَدَيْهِ: ما يَكُنْ عِندِي مِن خَيْرٍ لا أدَّخِرْهُ عَنْكُمْ، وإنَّه مَن يَسْتَعِفَّ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، ولَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)، فحَرِص على أن يتمثّله، ويُطبّقه، ويكون على أهليّةٍ من التعفُّف والاستغناء بالله، وذلك إن دلّ إنّما يدلّ على سرعة امتثاله لأوامر الله -تعالى-، واجتنابه نواهيه على أتمّ وجهٍ.
- النُّصرة: حاز الصحابيّ أبو سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- على مكانةٍ مرموقةٍ؛ فهو أنصاريّ، وقد ورد ثناء النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ومدحه للأنصار في كثيرٍ من الأحاديث النبويّة الشريفة، وهو بذاته يروي عن المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- أحاديث في فضل الأنصار؛ إذ قال: (لا يُبْغِضُ الأنْصارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ).
- العلم والفقه: عُرِف عن أبي سعيد -رضي الله عنه- بزوغه في جانب الفقه ، حتى أنّ مُترجِميه وصفوه بذلك الوصف قائلين بفقهه الواسع من عِدّة جوانبٍ، كالإفتاء، وهذا الجانب في شخصيّته العلميّة المُتميّزة طغى على أكثر جوانب شخصيّته العلميّة، فقد تميّز بفقهه ونُبله، وعظيم منزلته في العلم عامّةً، وفي الفقه خاصّةً.
اهتمام أبي سعيد الخدريّ بالحديث الشريف
اعتنى أبو سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- بالحديث الشريف عنايةً فائقةً برزت في عهد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حتى غدا من أكثر الصحابة روايةٍ عن النبيّ، فأقبل إليه الناس يستزيدون من حديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ لعلمهم بمكانته الحديثيّة العظيمة، وقُربه من الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، واهتمامه بالراوية عنه، والأخذ منه، وحرصه على ذلك، وقد كَثُر المُحدّثون عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- من الصحابة، والتابعين، يُذكَر من أبرزهم:
- عبدالله بن عمر.
- أنس بن مالك.
- عامر بن سعد.
- عمرو بن سُليم.
- سعيد بن المُسيِّب .
- عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدريّ.
- عطاء بن يسار.
- سعيد بن جُبير.
- الحسن البصريّ.
- أبو سلمة بن عبد الرحمن.
وقد تميّز أبو سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- بكثرة شيوخه الذين روى عنهم؛ فأوّلهم الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، وعددٌ من الصحابة الكرام على رأسهم الخلفاء الأربعة : أبو بكرٍ، وعُمر، وعثمان، وعليّ، وغيرهم من أمثال: ابن عباس، ومعاوية، وجابر بن عبد الله، ومن الأنصار أخوه لِأمّه قتادة بن النعمان، وزيد بن ثابت، وأُسيد بن حُضير، وهكذا فقد روى أبو سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- عن العديد من الشيوخ من مكّة والمدينة؛ أنصاراً، ومهاجرين.
من مواقف أبي سعيد الخدري
مُبايعة أبي سعيد الخدريّ للنبيّ
كانت بيعة أبي سعيدٍ الخدريّ -رضي الله عنه- بيعةَ رجلٍ صادق الوعد، قويّ الإيمان، مُرابط العزيمة؛ فقد بايع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مع ستّة نفرٍ آخرين؛ على ألّا يخافوا في الله لومة لائمٍ، وألّا يخافوا شيئاً في سبيل الحقّ، وأن لا يميلوا ولا يحيدوا أبداً، فكانت مبايعةً شديدةً، إلّا أنّ سادسهم استقال منها، وبقي خمسة، كما ورد في الرواية التي يرويها الصحابيّ الجليل سهل بن سعد الساعديّ -رضي الله عنه-، وقد وفّى بها أبو سعيد الخدريّ طوال حياته.
جهاد أبي سعيد الخدريّ
برزت عزيمة أبي سعيدٍ الخدريّ -رضي الله عنه-، وشجاعته منذ صِغره؛ فقد عَرض نفسه على الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- راغباً في الجهاد مع المجاهدين، وهو ابن ثلاث عشرة سنةً، فلم تمنعه حداثة سِنّه، ونعومة ظِفره من أن يكون رِدءاً للرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، وناصراً لدين الإسلام، وتلك هي التربية الإيمانيّة التي رُبِّيَ عليها الصحابة -رضي الله عنهم- منذ بداية عهدهم بالإسلام، إلّا أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- رَدّه؛ لصِغَر سِنّه، ويكشف هذا الموقف حُسن تربية الأنصار لأبنائهم على الوفاء بالبيعة للنبي عليه السلام بأنْ ينصروه، ويبذلوا في سبيل ذلك أنفسهم وأموالهم، كما يؤكّد على عمق الإيمان الذي سكن قلوبهم؛ فظهرت آثاره على مسارعتهم لإجابة منادي الجهاد، دون أنْ يفكّر أحدهم بالتّراخي أو التّخلف عن جماعة المسلمين.
خاض أبو سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- الغزوات كلّها منذ أن قوِيَ عُوده في أحضان الإسلام، وغدا رجلاً كباقي الرجال؛ قويّاً، وشجاعاً، ورابطَ الجأش، ومُتحلِّياً بالصبر والأناة، حيث ورد ذلك في الحديث: (سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ، وَقَدْ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً)، وفيما يأتي موجزٌ عن جهاده -رضي الله عنه- في الغزوات:
- غزوة بني المصطلق: شَهِدَها أبو سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-، وكانت سنة خمسٍ للهجرة.
- غزوة الخندق: شَهِدَها أبو سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-، وقد روى بعض مشاهدها، حيث النبيَّ -صلّى الله عليه وسلّم- يحفر الخندق مع أصحابه -رضي الله عنهم-، والتراب على صدره الشريف، وصلّوا يومئذٍ صلاة الظُّهر، ثمّ أقام بلال للعصر، ثمّ للمغرب، ثمّ للعشاء، وكان ذلك قبل نزول صلاة الخوف.
- غزوة بني قريظة: شَهِدَها أبو سعيد -رضي الله عنه-، وحدّث عمّا جرى في نهايتها؛ من استشهاد سعد بن معاذ -رضي الله عنه-.
- غزوة الحديبية: شَهِدَها أبو سعيد -رضي الله عنه-، وروى شهودَه فيها.
- غزوة مؤتة: شَهِدَها أبو سعيد -رضي الله عنه-، وروى عن عودة جيش خالد بن الوليد -رضي الله عنه-.
- فتح مكّة: روى أبو سعيد -رضي الله عنه- ما كان فيها من أمر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- للناس بالفِطْر: (إنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ، فأفْطِرُوا)..
- غزوة حُنين: شَهِدَها أبو سعيد -رضي الله عنه-، وذكرعِدّة مواقف، منها حديث ذي خويصرة الذي اعترض النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في قِسمة الغنائم بعد الغزو.
- غزوة تبوك: حضرها أبو سعيد -رضي الله عنه-، وحدّث عن مواقف شهدها، منها: المرور بالحِجر، وحديث السحابة، وعدد النفر الذين غدروا بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
مواقف أخرى لأبي سعيد الخدريّ
وردت مواقف لأبي سعيد -رضي الله عنه- في الدعوة إلى الله -تعالى-، ووصيّته للناس باتِّباع طريق الهدى كما جاء في الآثار عنه، ومن تلك الوصايا:
- الوصيّة بالخير: كان أبو سعيد -رضي الله عنه- يُوصي جموع المسلمين بالخير، والحرص عليه، ومن ذلك وصيّته لرجلٍ أتاه سائلاً الوصيّة منه، فأوصاه بالتقوى ، والجهاد، وحَثّه على كثرة ذِكر الله -تعالى-، وتلاوة كتابه القرآن الكريم، وألّا يمتنع عن قولِ الحقّ في أيّ أمرٍ.
- العلم: كان أبو سعيد فيما يُروى عنه أعلم الصحابة -رضي الله عنهم- في الرواية عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
- تعليم القرآن الكريم: اهتمّ أبو سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- بالقرآن الكريم اهتماماً عظيماً، كما كان نهج جميع الصحابة -رضوان الله عنهم-؛ فقد اعتنوا به أشدّ الاعتناء؛ فهو شفاءٌ للصدور، ونورٌ للقلوبِ، ومنهج للحياة، واطمئنان للأرواحِ، والحصن الدائم الذي لا ينتهي ولا يزول، فمكثوا عليه حِفْظاً، وتعلُّماً، وتطبيقاً، وتعليماً، وتفسيراً، وكان لأبي سعيد -رضي الله عنه- جانبَان في اهتمامِه بالقرآن الكريم، وهما:
- تعليم القرآن: إذ كان أبو سعيد -رضي الله عنه- من مُعلِّمي القرآن للأجيال؛ فكان له منهج خاصّ في تعليمه يعتمد على التدرُّج في تدريسه لتلاميذه، فذكر أحد تلاميذه -وهو أبو نضرة- أسلوبَه المُتألِّق في تعليم القرآن الكريم ؛ فقد كان يُعلّمهم خمس آياتٍ في أوّل النهار، وخمس آياتٍ بالعَشيّ؛ مراعاةً لقدراتهم، وتحبيباً لهم في كتاب الله العزيز.
- تفسير القرآن: كان لأبي سعيد -رضي الله عنه- باعٌ في التفسير؛ فقد أخذ العلم عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وعن كِبار الصحابة -رضي الله عنهم-، وتتلمذ على يدَيه الأئمّة العُظماء من كبار التابعين ، كابن جُبير، والحسن البصريّ، والمُسيِّب، وغيرهم، ممّا يُؤكّد عنايته بالقرآن الكريم.
آخر حياة أبي سعيد الخدريّ ووفاته
أوصى أبو سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- ابنه عبد الرحمن قبل وفاته أن يدفنَه في مكانٍ يقع أقصى البقيع، وحين تُوفِّي يوم الجمعة أنفذَ ابنُه عبد الرحمن وصيَّته، وكانت وفاته في المدينة ، إلّا أنّه اختُلِف في سنة وفاته -رحمه الله-؛ فقال الواقديّ وجماعةٌ إنّه تُوفِّي سنة أربعٍ وسبعين، وذُكِر عن ابن المدينيّ قولَان في وفاته؛ الأوّل: إنّه تُوفِّي سنة ثلاثٍ وستّين، والثاني: إنّه تُوفِّي بعد حادثة الحَرّة بسَنةٍ، وقِيل إنّه مات سنة أربعٍ وسبعين، وقِيل أيضاً إنّه تُوفِّي سنة أربعٍ وستّين، وقال المدائني إنّه مات سنة ثلاثٍ وستّين، وذكر العسكري أنّه مات سنةَ خمسٍ وستّين.