معلقة عمرو بن كلثوم
نبذة عن معلقة عمرو بن كلثوم
هي إحدى المُعلّقات المشهورة عند العرب ؛ لِما فيها من توافق في العبارات والألفاظ وانسجامها مع معاني الفخر، وبُعدها عن الحشو مع الحفاظ على جزالة الّلفظ وحُسن الإيقاع، وصاحبها هو ابن كلثوم الذي تناول في معلّقته مواضيع الحماسة و الهجاء ، والمدح والغزل، وغيرها، وكانت قد لاقت شُروحات من قِبل الزّورنيّ والتّبريزيّ، كما طُبعت لأوّل مرّة في عام 1819م، بالإضافة إلى ترجمتها إلى عدّة لغات كالّلاتينيّة، والإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة. ويجب التّنويه إلى أنّ القارئ للمعلقة سيعي أنّها تصبّ في معنى واحد ألّا وهو قبيلته "تغلب"، فكلّ الأمور التي تناولها تعود إلى رموز تتعلّق بقبيلته؛ كالغزل الذي استخدمه كناية عن شرف الذي يتغزّل به، حتّى ذِكره للخمر ما كان إلّا تأكيدًا منه على الفتوّة، وهذا ما يجعلها مُعلّقة مليئة بالتّفاخر بالقوّة، كحال الشِّعر الحماسيّ القديم الذي يكثر فيه الوصف، والتّعبيرات المُباشرة.
مواضيع معلّقة عمرو بن كلثوم
تناولت المُعلّقة مجموعة من المواضيع، وفيما يلي بيانها:
مطلع المعلّقة
تناولت مقدّمة المعلّقة التّغنّي بالأطلال والماضي كحال الشِّعر الجاهليّ القديم ، فقال فيها:
أَلَا هُبّي بصحنِكِ فاصبحينا
- وَلَا تُبْقِي خُمُورَ الأَنْدَرِينا
مُشَعْشَعَةً كَأَنّ الْحُصَّ فِيهَا
- إذَا مَا الْمَاُء خَالَطَهَا سَخِينَا
وصف المحبوبة
يتغزّل ابن كلثوم بمحبوبته، فيقول بأنّها عفيفة، ومتنعمّة في عيشها، وقد وصف شكلها قائلًا أنّها طويلة القامة وبيضاء، وأنّها شابّة، وممّا قاله فيها:
تُرِيكَ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى خَلَاءٍ
- وَقَدْ أَمِنَتْ عُيُونَ الْكَاشِحِينَا
ذِراعَيْ عَيطَلٍ أَدماءَ بِكرٍ
- هِجَانِ اللَّونِ لَم تَقرَأ جَنينًا
فراق المحبوبة
ذكَر الشّاعر أنّه كان يتذكّر محبوبته كلّما مرّت إبلها حاملة حملها أمامه، وقد وصف شعور الفراق في قوله:
تَذَكَّرْتُ الصِّبا وَاِشتَقتُ لَمّا
- رَأَيتُ حُمولَها أُصُلًا حُدينا
فَأَعرَضَتِ اليَمامَةُ وَاِشمَخَرَّت
- كَأَسيافٍ بِأَيدي مُصلِتينا
لوم عمرو بن هند
لام ابن كلثوم عمرو بن هند لِما كان يقوله عن قبيلته، ولِما أحدثه من موقفٍ شهير بين هند وأمّه ليلى الذي أدّى إلى قتل ابن هند في النّهاية، وقد قال فيها:
بِأيّ مَشِيئَةٍ عَمْرَو بن هِنْدٍ
- نَكُونُ لِقَيْلِكُمْ فِيهَا قَطِينًا
بِأيّ مَشِيئَةٍ عَمْرَو بن هِنْدٍ
- تُطِيعُ بِنَا الوُشَاةَ وَتَزْدَرِينَا
تَهَدَّدنَا وَأَوْعِدْنَا رُوَيْدًا
- مَتَى كُنّا لأُمّكَ مُقْتَوِينَا
فإنّ قَنَاتَنَا يا عَمْرُو أَعْيَتْ
- عَلَى الأَعْدَاءِ قَبْلَكَ أَنْ تَلِينَا
إِذَا عَضَّ الثِّقَافُ بِهَا اشْمَأَزَّتْ
- وَوَلَّتْهُ عَشَوْزَنَةً زَبُونَا
عَشَوْزَنَةً إِذَا انْقَلَبَتْ أَرَنَّتْ
- تَشُجُّ قَفَا الْمُثَقِّفِ وَالْجَبينا
تهديد بنو بكر
تناولت المعلّقة تهديد بني بكر والإنقاص من شأنهم، ومن هذه الأبيات قوله:
فَهَلْ حُدّثْتَ فِي جُشَمِ بنِ بَكْرٍ
- بِنَقْصٍ فِي خُطُوبِ الأَوَّلِينَا
وَرِثْنَا مَجْدَ عَلْقَمَة بنِ سَيْفٍ
- أَبَاحَ لَنَا حُصُونَ الْمَجْدِ دِينا
إِلَيْكُمْ يَا بَنِي بَكْرٍ إِلَيْكُمْ
- أَلَمّا تَعْرِفُوا مِنَّا اليَقِينَا
أَلَمَّا تَعْلَمُوا مِنَّا وَمِنْكُمْ
- كَتَائِبُ يَطَّعِنَّ وَيَرْتَمِينَا
عَلَيْنَا البَيْضُ وَاليَلَبُ اليَمَانِي
- وَأَسْيَافٍ يَقُمْنَ وَيَنْحَنِينَا
الفخر والحماسة
إنّ أغلب ما تحتويه المعلّقة هي مفاخرة ابن كلثوم بقبيلته بني تغلب رجالًا ونساءً، وأنّها دون العالمين كلّهم، وأنّهم الأفضل من بين القبائل، وكلّ ذلك يذكره دفاعًا عنها، عمّا تُلاقيه من الاستخفاف من قِبل القبائل الأخرى من أعدائهم، وقوله في قبيلته كالتّالي:
عَلَى آثَارِنا بِيضٌ حِسَانٌ
- نُحَاذِرُ أَنْ تُقَسَّمَ أَوْ تَهُونَا
أَخَذْنَ عَلَى بُعُولَتِهِنَّ عهدًا
- إِذَا لَاقَوا كَتَائِبَ مُعْلِمِينَا
كَأَنَّا والسُّيوفُ مُسَلَّلاتٌ
- وَلَدْنَا النَّاسَ طُرًّا أَجْمَعِينَا
وَقَدْ عَلِمَ القَبائِلُ مِنْ مَعَدٍّ
- إِذَا قُبَبٌ بِأَبْطَحِهَا بُنينَا
بِأَنَّا الْمُطْمِعُونَ إِذَا قَدَرْنَا
- وَأَنَّا الْمُهْلِكُونَ إِذَا ابْتُلِينَا
وَأَنَّا الْمَانِعُونَ لِمَا أَرَدْنَا
- وَأَنَّا النَّازِلُونَ بِحَيْثُ شِينَا
وَأَنَّا التَّارِكُونَ إِذَا سَخِطْنَا
- وَأَنَّا الآخِذُونَ إِذَا رَضِينَا
وَأَنَّا العَاصِمُونَ إِذَا أُطِعْنَا
- وَأَنَّا العَازِمُونَ إِذَا عُصِينَا
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا الْمَاءَ صَفْوًا
- وَيَشْرَبُ غَيْرُنَا كَدِرًا وَطِينَا
أَلَا أَبْلِغْ بَنِي الطّمّاحِ عَنّا
- وَدُعْمِيًّا فَكَيْفَ وَجَدْتُمُونَا
نبذة عن عمرو بن كلثوم
كاتب المعلقة هو الشّاعر أبو عبّاد عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتّاب، أحد أبناء بني تغلب، وهي أحد أقوى القبائل العربيّة المشهورة في العصر الجاهليّ ، وتمتدّ أصول ابن كلثوم إلى ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، وأمّه هي ليلى ابنة الشّاعر المشهور المُهلهل ، ووالده عديّ بن زيد الذي كان من سادات قومه، وكان ابن كلثوم قد وُلد في أوائل القرن السّادس للميلاد، وحصلت له السّيادة وهو ابن خمسة عشر سنة وقد اشتُهر بشجاعته وفروسيّته وإعجابه الشّديد بنفسه وبنسبه، وأيضًا بالخطابة، والشِّعر، والكرم، كما كان لا يُهمّه أحد من السّادة أو القادة وحتّى الملوك، ولا يسمح لأحد بإهانته أو إذلاله، كذلك برزت له العديد من الأحداث التي ارتبطت به؛ كحادثة هجائه للنّعمان بن المُنذر، وقتله لعمرو بن هند بعدما أرادت أمّه أن تذلّ ليلى أمّ ابن كلثوم، وأيضًا حادثة قتله في الخصام الحاصل بين بني بكر وبني تغلب.