مظاهر الجمال في الإسلام
مظاهر الجمال في الإسلام
مظاهر الجمال في الإسلام أوسع بكثيرٍ من حدود الصور والمشاهدات الماثلة أمام الإنسان في محيطه وبيئته، وهي أرحب من تقيدها بالمناظر الخلابة التي أودعها الله في الكون؛ إذ إنّ الجمال يكون في الخِلقة، وهذا تقضيه المشاهدة الحسّية، ويكون الجمال أيضاً في الخُلق ، وهذا الجانب تقضيه المعايشة للأخلاق الحسنة، أمّا المظهر الآخر فهو جمال الأفعال المكنونة في القلب والمعاملة.
جمال الخِلقة
عدّ الإسلام جمال الخِلقة من معاني الجمال، ويظهر ذلك في:
- عدّ الإسلام جمال الإنسان من مظاهر الجمال، ومثاله جمال الأنبياء، ففي شأن جمال يوسف -عليه السلام- قال -تعالى- عن النّسوة: (وَقُلنَ حاشَ لِلَّـهِ ما هـذا بَشَرًا إِن هـذا إِلّا مَلَكٌ كَريمٌ)، وما جاء من الرّوايات التي تصف جمال النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ وجهه كان يتلألأ مثل القمر ليلة البدر.
- من جمال الخِلقة التي ذكرها القرآن الكريم على أنّها نوعٌ من الزينة ومظهرٌ جماليٌ يريح النّفس جمال الحيوان؛ حيث قال تعالى: (وَلَكُم فيها جَمالٌ حينَ تُريحونَ وَحينَ تَسرَحونَ).
جمال الخُلق
جعل الإسلام الأخلاق الحسنة جزءً لا يتجزّأُ من التدين، وتمثل الأخلاق في الإسلام قيم الجمال، والالتزام بها نوع من التزّين بأنوار الإسلام؛ فلا يصدر عن مسلمٍ سلوك قبيح في أقواله أو أفعاله، وقد وصف المولى سبحانه صبر أيوب بالجميل؛ فقال: (فَصَبرٌ جَميلٌ وَاللَّـهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ)، وأوصى الحقّ -سبحانه- نبيّه -عليه السلام- بذلك؛ فقال: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا)، والصبر يكون جميلاً عندما لا يظهر صاحبه جزعاً أو شكايةً لغير الله، ومن الأخلاق التي يتزّين بها المسلم الصفح الجميل عن المسيء، وقد أمر به المولى -سبحانه- فقال: (فَاصفَحِ الصَّفحَ الجَميلَ)، وكذلك فإنّ من صفات الهجر المشروع في الإسلام أنْ يكون جميلاً؛ فلا يكون فيه معاتبةً، قال تعالى: (وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا).
الله جميلٌ يحب الجمال
روى الإمام مسلم في صحيحه: (إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ)، هذا جزءٌ من حديثٍ صحيحٍ يؤكّد على أنّ الجمال في الإسلام قيمةٌ لها صلةٌ وثيقةٌ بالعقيدة ، ويعتقد المسلم أنّ مظاهر الجمال في الكون منبثقةً عن جمال الخالق -سبحانه-، وأنّ ما بثّه الله في السماء والأرض ما هو إلّا تأصيلٌ لقيم الذوق الرّفيع التي يطالب المسلم بالتّعاطي معها في كلّ مفردات الحياة، ولقد ربط الإسلام مظاهر الجمال بالمنهج التّعبدي؛ فأمر بالنّظافة العامة، وجعل الطّهارة شطر الإيمان، وأمر بالزينة عند المجيء إلى المساجد ، بل ذهب بعض المحقّقين إلى أنّ المظاهر الجمالية تندرج في باب الضروريات وليس التحسينيات.
فلسفة الجمال في الإسلام
تقوم الرؤية الشرعية لمظاهر الجمال التي أودعها الله وبثّها في الكون على أنّ هذا الجمال والإبداع في الخلق آيةٌ من آيات الله -تعالى- تستحقّ النّظر، وتوجب التّأمل والتّفكر، وهذا النّظر هو بحدّ ذاته عبادةٌ؛ لأنّه امتثالٌ لأمر الله -سبحانه- إذ يقول: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا)، وهو كذلك طريقٌ للاستدلال على وجود الخالق -سبحانه- وعلى كمال قدرته وبديع صنعته، ومن ثمرات هذا النّظر بآيات الجمال الإلهي في الكون أنّه تنميةٌ للحسّ الجمالي لدى المؤمن التي تقود إلى الاستمتاع بما خلق الله -عزّ وجلّ- في هذا الكون من آيات الجمال.