مظاهر التجديد في شعر مسلم بن الوليد
أبرز مظاهر التجديد في موضوعات شعر مسلم بن الوليد
تعددت الموضوعات الشعرية التي كتب فيها مسلم بن الوليد، فكتب في المدح، و الغزل ، والخمر، إضافةً إلى موضوعات أخرى كالهجاء، والوصف، والرثاء، ومن خلال هذه الموضوعات نستطيع أن نلمح مظاهر التجديد في شعره، وفيما يأتي توضيح لذلك:
التجديد في المدح
اتّخذ صريع الغواني (مسلم بن الوليد) من المدح مصدر رزق له، فكان يمدح الخلفاء، والقواد، وأعيان الدولة، وكان له طريقة خاصة اتبعها في كل أقسام مدحه، حيث كانت معانيه معاني عامة يوفرها في كل قصيدة مدح له، ومعاني خاصة يأتي بها لتناسب مقام كل فئة من الفئات الممدوحة، ثم معاني ذاتية تصف طبيعة علاقته بكل فئة وغايتها.
حافظ مسلم في مدائحه على معانٍ تقليدية وأخرى جديدة من مظاهر الرقي والتمدّن، أما المعاني التقليدية فهي التي تمثّل قيمًا ثابتة وماجدة وفضائل أخلاقية، وأهم هذه المعاني: الكرم، والشجاعة، والمروة، تردد في مدحه للبعض بين معانٍ قديمة ومعانٍ جديدة أو مبتكرة، أما القديمة ظلَّ يركز فيها على القيم الأخلاقية، أما معانيه الذاتية فقد صور مدحه وما يكتنفها من مشاعرالرضا، والغضب، أو الفرح والحزن.
أما المعاني الجديدة التي أضافها مسلم بن الوليد على ممدوحيه فهي: العزم، والسياسة بالسيف والرأي، كما زاد عليها معاني شخصية أخرى تعبّر عن مفهوم العصر العباسي الجديد.
التجديد في الغزل
اتّسم غزل صريع الغواني غزل بالواقعية؛ لأنه يمثّل واقعه وواقع مجتمعه وعصره، وجاء شعره الغزلي في شكلين شعريين كالآتي:- الأول، قصائد تامة صاغها في الغزل فقط.
- الثاني، في مطالع قصائده الأخرى التي صاغها في أغراض أخرى كالمدح، والفخر، وغيرهما.
هو في هذين الشكلين يمزح الغزل بالخمرة شأنه في ذلك شأن بعض شعراء عصره، وتضمن شعره الغزلي بكاءً ملتاعًا على فراق محبوبته وانقطاع علاقتهما، فقد شفه الوجد وأحرقه البعاد، مما جعله للغرق في اللذة، واللهو، و المجون ؛ خلاصًا من عذاب الهجر والفقد، فزاد الشراب، والجلوس إلى الغواني.
جدّد مسلم في عصره قصص عمر بن أبي ربيعة في عصره الأموي، فقد اقتربا في غزليهما اقتراب عصريهما، واختلفا فيه أيضا اختلاف عصريهما، وما أحاط بكل منهما في حياته الخاصة والعامة، فسار مسلم على طريقة عمر فاتّبع أسلوب المراسلة بينه وبين أصحابه، وكان يلجأ إلى ذلك عمليّا.
التجديد في الخمريّات
اهتم مسلم بالخمر، ولم يأتِ وصف الخمر عنده على شكل قصائد خاصة به، بل جاء ممزوجًا بالغزل حينًا ومقدمة لبعض قصائد الفخر والمدح حينًا آخر، وهذا لا يعني عدم اهتمامه بقصائد الخمريات اهتمام الأقدمين، فعدد أبيات الخمريات في أشعاره دلالة واضحة على شدة اهتمامه بها، وتعلّقه بأوصافها.
ورد في أشعار مسلم أسماء كثيرة للخمر منها: الصهباء، السلافة، الصبوح، الراح، الشمول، وأسماء أخرى تدل على هوىً نفسي لديه كالرِّيق، ولم يكن تناوله لصور الخمر تناولا تقليديّا ولكنه تناول قادر على الإبداع والتطور والواقعية، ونلحظ مدى التغير والتطور الذي أصابه بإعجابه بتغير ألوان الخمر قبل وبعد مزجها، فمزج الخمر مع الماء لم يعد احتكاكاً بين جمادين، إنما هو احتكاك بين حبيبين مليئين بالحركة والحيوية.
التجديد في الوصف
تعدّى مسلم في أوصافه حدود القدماء وحاول أن يكون له تجديد وابتكار مستنبطًا معانيه من عصره حتى يكون ابن عصره، فنجده يصف الناقة كما كان قديمًا لكنه يُلِح على صفة السرعة عند الناقة، وذلك لأن في السرعة حيوية ونشاط، وهي معانٍ يتطلبها عصره الحضري الراقي.
ظهر تجديده أيضًا في اهتمامه بدواخل النوق، وتصوير نفسية الناقة التي تهرب في الأرض الواسعة، كما اهتمّ بأنسنة الناقة فجعلها كمن تحمل هم صاحبها، كما ظهر التجديد في وصفه للأرض فلم يكتفِ بوصف الصحراء القاحلة المخيفة كما كان قديمًا، بل وصف الأرض الخضراء المليئة بالرياض، والتي تنبعث منها الروائح العطرة.
سمات في شعر مسلم بن الوليد
عُرِف مسلم بن الوليد "صريع الغواني" بفنِّه المتقن الجميل، فكان مدّاحًا محسِنًا، وهو أول من لطّف المعاني، ورقَّق في القول، فأجاد في التصوير الفني ، وتقديم المعنى الواضح الجلِيّ، وقد دلّنا شعرُه على أنه كان مقبلًا كغيره من شعراء عصره على اللهو واللذة والطرب، إلا أنه كان معتدلًا في ذلك، حريصًا على أن يظهر وقورًا للناس.
تمثَّل مسلم بن الوليد نماذج الشعر القديم، وأفاد من الشعر المُحْدِث، فجمع القديم والحديث في نفسه وفي حياته الفنية، حتى أنه لم يعرف في القرن الثاني للهجرة شاعرًا أجهد نفسه في صنع الشعر كما فعل مسلم بن الوليد، فإذا كان الجميل في شعر أبي نواس أنه أقرب إلى المطبوع، فإنَّ شعر مسلم أقرب إلى المصنوع.
اتّسم شعر صريع الغواني بقوة الإحكام، وضخامة البناء، ومتانة السَّبْك، وروعة الحَبْك، والميل إلى البديع، وخاصةً المحسنات البديعية ، كما بدا في مديحه وخمريّاته، وفيهما يحاول استنباط المعاني النادرة، والأخيلة المبتكرة، منافسًا في ذلك شاعر الخمريّات أبا نواس، أما غزله ووصفه وهجاؤه فقد لوّنها بألوان البديع، وهو ولم يقل الشعر ارتجالًا أو عفوًا، فقد اتّخذ من شعره وخاصة المديح وسيلة للعيش.
يلاحظ القارئ في شعره عمق الأفكار التي تتضمنها أشعاره، وثقافته الواسعة في الشعر القديم -الجاهلي وصدر الإسلام والأموي- وقد انعكس ذلك بصورة واضحة على شعره بالمعاني التي تضمنتها أشعاره والصور التي جسّدها في شعره والخصائص الموسيقية.
نبذة عن حياة مسلم بن الوليد الأدبية
يُعدّ مسلم بن الوليد أول من قال الشعر المعروف بالبديع، ثم تبعه فيه جماعة أشهرهم أبو تمام الطائيّ، وهو شاعر الصنعة الغزلي، كما اتّهم بأنه أول من أفسد الشعر؛ لمجيئه بالبديع وتفننه فيه، لقّبه الرشيد ب صريع الغواني ، وكان كارهًا لهذا اللقب.