مظاهر التجديد في الشعر الجاهلي
العصر الجاهلي
الجاهلية اسم أطلقه القرآن الكريم على العصر الذي سبق الإسلام، واستمرّ قرابة قرن ونصف من الزمان، وهي فترة شهدت تكامل العربية ونضج فيها الشعر واستوى على سوقه، وحدّدها الجاحظ بقوله: "فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له، إلى أن جاء بالإسلام خمسين ومائة عام"، وسُميَّ بالعصر الجاهلي لما شاع فيه من الجهل، بمعنى السَّفه والغضب، في مقابل كلمة الإسلام التي تدلّ على الخضوع لله وحده، وهي إذاً ليست مشتقة من الجهل الذي هو ضد العلم، ذلك أن العرب عرفوا بعض العلوم كالفلك والطب واقتفاء الأثر.
الشعر الجاهلي
هو الشعر الذي قيل قبل الإسلام ، ومن أشهر شعرائه أصحاب المعلّقات، وجمع العلماء والرواة مادّة الشعر الجاهلي، التي توزّعت في مصادر متعدّدة ومنها المنتخبات العامّة التي تبدأ بالمعلقات وهي سبع: لأمرئ القيس، وزهير، ولبيد، وطرفة، وعمرو بن كلثوم، والحارث بن حلزة، وعنترة، والمفضّليات نسبة إلى جامعها المفضل الضبّي، والأصمعيات وتُنسب إلى الأصمعي وتبلغ اثنتين وتسعين قصيدة ومقطوعة، أما المصدر الثاني دوادين الشعر الجاهلي، وهي نوعان المفردة والقبائل، ومن الدواوين المفردة زهير، وطرفة، وعلقمة، والقبائل التي جمع منها الشيباني نيفاً وثمانين، ولم يبق منها إلا قطع من ديوان هُذيل نشرت في خمس مجموعات.
مظاهر التجديد في الشعر الجاهلي
كان الشعر في الجاهلية هو الفن الذي اجتمعت فيه ثقافة العرب وإليه تنامت عبقريتهم، وهو وسيلة الإعلام الوحيدة في القبائل، ينشر أمجادها ويُشيد بأحسابها ويسجّل للأجيال مفاخرها، فموضوعاته كانت مرآة لهذه الحياة البدوية، فكانت تقليديّة يتناولها جميع الشعراء على نفس النسق والأسلوب وهي: الهجاء، ومدح الملوك والسلاطين، والغزل الصريح، والفخر بالنسب والقبائل، إلا أنّه في أواخر العهد الجاهلي بدأت مظاهر جديدة تدخل إلى الشعر الجاهلي نتيجة الاحتكاك بالحضارات والأمم الأخرى ومن أهمّها:
- اتسمت القصيدة باليسر والسهولة والبعد عن التعقيد، بعدما كانت صعبة تتميّز بالجزالة والألفاظ الغريبة الوحشية، ومثال ذلك قول عنترة:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
- مني وبيض الهند تقطر من دمي
- الاقتصار على موضوع واحد من بداية القصيدة حتى نهايتها، بعدما كانت مقسّمة إلى أجزاء كلّ جزء يتحدّث عن موضوع مُستقل بذاته، بذلك اتسمت القصيدة بالوحدة الموضوعية.
- دخول موضوعات جديدة إلى الشعر الجاهليّ، كالمنطق والفلسفة.
- ارتقت لغة القصيدة من حيث ألفاظها وتراكيبها، فكانوا الشعراء يغرقون بالألفاظ الخشنة الفخمة، أصحبت تميل إلى الرقّة.
- غنى القصائد الجاهلية بالمحسنات البديعيّة، كالطباق والجناس والتقسيم، وجاءت وليدة الطبع والموهبة، كقول طرفة بن العبد:
وتبسمُ عن ألمى، كأن منوراً
:تخلَّل حُرَّ الرَّملِ دِعصِ له، ندي