مراحل النمو النفسي
مفهوم النمو
تتكون عملية النمو من مجموعة التغيرات المتتابعة والمترابطة التي تحدث للفرد بغرض الوصول إلى اكتمال عملية النضج، كما يُعبر النمو عن مدى استمراريته وتوقيت انحداره وانحساره، ومن الممكن تعريف النمو بأنه التفاعل الذي يحدث بين الجانب العضوي والبيولوجي للفرد من جهة، وبين بيئته المادية وعالمه الخارجي الاجتماعي والنفسي من جهة أخرى، ويُعدّ النمو عملية منظمة غير عشوائية تسير وفق نظام دقيق كماً وكيفاً.
مراحل النمو النفسي
اهتم العديد من علماء النفس بتفسير ودراسة النمو النفسي عند الإنسان، حيث قام البعض بوضع النظريات المتعددة والمختلفة التي عالجت النمو النفسي عند الأطفال، ومن أهم هذه النظريات نظرية أريكسون للنمو النفسي؛ الذي كان يرى أنّ الفرد يمتلك القدرة على تطوير مهاراته الشخصية أثناء مروره بمراحل نموه المتلاحقة، كما قام بتقسيم النمو النفسي إلى ثماني مراحل، وهي كالآتي:
تطوير الشعور بالثقة
تقع هذه المرحلة في فترة الرضاعة، ويعتمد الطفل في هذه السنة الأولى من حياته بشكل أكبر على الوالدين في تلبيه حاجاته من تغذية وملبس واهتمام، ويرى أريكسون أنّه إذا تم منح الطفل كل ما يحتاجه من رعاية وألفة ومحبة ودعم من قبل الوالدين؛ فإنّه سيتطور وينمو لديه الإحساس بالراحة والسكون النفسي والجسمي والشعور بالثقة ، أمّا إذا كان الطفل لا يتلقى الاهتمام المطلوب من والديه وممن هم حوله؛ فإنه سيعاني من عدم إشباع الحاجات الأساسية وتزعزع ثقته بنفسه وفيمن يحيطون به.
مرحلة تطوير الشعور بالاستقلال
تشمل هذه المرحلة الأطفال من عمر السنة و6 شهور إلى ثلاث وأربع سنوات؛ حيث يظهر على الطفل فيها التطور الكبير في عملية التحكم في أعضائه الجسمية وعضلاته، وتهتم هذه المرحلة بتحقيق مقدار معين من الاستقلالية، بينما يتم التغلب على الخجل والشك، وإذا استطاع الطفل التحرك بحريّة ونجح في التحكم بعضلاته وجسمه، فإنّ ذلك سيطور لديه الشعور بالاستقلال، أمّا إذا جاءت محاولاته بالفشل وتكرار تعثره أمام الاخرين، فإنّه من الممكن أن يولد الشعور العميق بالشك بقدراته الحركية، بالإضافة إلى الشعور بالخجل من ذاته، ولتزويد الطفل بالشعور العالي بالاستقلالية؛ يُنصح الوالدان بالسماح للطفل بإطلاق عنانه لطاقاته الاستكشافية وعدم إحباطه ليعيد حركته وخطواته.
تطوير الشعور بالمبادرة
تحتل هذه المرحلة من الرابعة وحتى السادسة من حياة الطفل ، حيث يبدأ التحكم بجسمه وتطويره لمهاراته الحركية بشكل كبير، ويقوم الطفل في هذه المرحلة بالانطلاق إلى العالم الخارجي الجديد واكتشاف واكتساب الخبرات الجديدة دون الاعتماد على الوالدين، فإذا كان الطفل قادراً على اللعب والمبادرة ؛ التي تعني الاستجابات الإيجابية التي يقوم بها الطفل لمواجهة التحديات الخارجية، وتحمل المسؤوليات وتعلم المهارات الجديدة، فسيكون أكثر ميولاً لتطوير شعوره بالمبادرة، أمّا إذا استمر والداه في تعليمه، أو لم يتلقَ منهما التوجيه والتشجيع المناسب فإنّ ذلك سيولّد الشعور العالي بالذنب لعدم قدرته على استقلاله عن مجتمعه.
تطوير شعور بالمثابرة
تستمر هذه المرحلة من 6 سنوات وحتى الثانية عشر من عمر الطفل، ويتعلم فيها المهارات الأساسية التي يتوجب عليه امتلاكها خلال تفاعله مع مجتمع الراشدين عند خروجه إلى المدرسة، وتظهر مشاعر المثابرة والمواظبة والعمل عند شعوره بالأنا بشكل أكثر عند تطبيق المهارات التي سبق أن تعلمها في المرحلة السابقة، وتوظيفها بشكل صحيح عند التفاعل مع المواقف الحياتية وحل مشكلاتها المختلفة، أمّا الطفل الذي قد لا يحظى ببيئة مدرسية مناسبة، والتي لا تدعم تطوير مهاراته بسبب قسوة المربين والمعلمين أو رفض الزملاء له من المدرسة؛ فإنّه قد يعاني من عدم القدرة على استخدام مهارات التعامل مع المشكلات والشعور بالدونية.
تطوير الشعور بالهوية
وتعبّر هذه المرحلة بشكل أساسي عن مرحلة المراهقة؛ وذلك عند سن البلوغ للفرد وحتى الثامنة عشر والعشرين من عمره، ويتعرّف الفرد حينها على هوية الأنا وكيفية التعبير عنها في المجتمع، ويتعرض في هذه المرحلة إلى الكثير من التغيرات الجسمية والعقلية، كما تُعدّ الفترة التي يتم فيها تكوين أساس أنماط التفكير خلال المراحل القادمة، بالإضافة إلى أنّ المراهق يسعى بشكل مستمر إلى إثبات ذاته والتمتع بقدرة على تحمل المسؤولية النفسية والأسرية والمجتمعية، ليأتي دور المجتمع والأسرة بمساعدة المراهق على تحقيق حاجاته في المجالات المختلفة ليصبح صاحب هوية ثابتة تتماشى مع المعايير الاجتماعية ، وما تحتويه من مفاهيم الأمانة والصدق والإخلاص والولاء، كما تحميه من الانضمام إلى التجمعات والتنظيمات التي تسعى للتطرف والإدمان والتهريب.
تطوير شعور المودة والانتماء
تبدأ هذه المرحلة عند سن الثامنة عشر وحتى الخامسة والعشرين، وقد يطلق عليها أيضاً مرحلة تطوير الهوية وتكوين الشخصية المتمردة، والتي غالباً ما تحتاج هذه الشخصية إلى مشاركة شخصية أو هوية أخرى، وغالباً ما يظهر ذلك في الزواج والاستقلال والتي تحقق من خلاله المستوى المطلوب من الألفة والمودة الذي ينمي ويطوّر الإحساس بالأنا، وبذلك فإنّ الأفراد القادرين على تحقيق العلاقات التشاركية مع الآخرين بشكل ناجح يملكون إحساساً عالياً بالانتماء والألفة، أمّا الأفراد الذين يعانون من الفشل في تكوين العلاقات التشاركية مع شخص آخر فإنهم يعانون من الشعور الدائم بالعزلة والوحدة.
الشعور بالإنتاجية
يُطلق عليها مرحلة الرشد الوسطى، وتبدأ من سن الخامسة والعشرين وحتى أواخر الخمسينات، ويكون فيها الفرد على مستوى عالٍ من الإنتاجية؛ والتي تعني المحبة والإنجاب والمشاركة والمساهمة في تنشئة الأجيال القادمة والجديدة للمستقبل، والذي يعتبر هو الحب الحقيقي ويكون متبادلاً مع الاخرين، بالإضافة إلى أنّ الإنتاجية تُعنى بتعلم وتعليم العلوم المختلفة والآداب والمساهمة في الأعمال الخيرية والاجتماعية، بينما تقابل هذه الحالة حالة الركود؛ وهي الانغماس في مواضيع كثيرة وغير فعالة بطريقة غير واقعية وغير عقلانية بهدف توكيد الذات، مما ينعكس على انخفاض الإنتاجية وغياب المشاركة الاجتماعية، وتعتبر بذلك رعاية الآخرين والاهتمام بالأطفال من أبرز مظاهر الإنتاجية، وتتبع الفرد لهذا الأسلوب يساهم في تعزيز مشاعر الإنتاج، بينما يؤدي العجز عن ذلك إلى الإحساس بالركود وعدم الإنتاجية.
الشعور بتكامل الأنا
تختم هذه المرحلة المراحل التي يمر بها الإنسان، ويتخذ فيها موقف المتأمل في أيام حياته السابقة، ومدى تحقيق الأهداف ، ويتميز الأفراد في هذه المرحلة بشكل عام بالفطنة والبصيرة وتكامل الأنا، ومن جهة أخرى يصارع فيها الفرد مشاعر اليأس وقلة الفائدة، وغالباً ما تتزامن هذه المرحلة مع التقاعد في نهاية المسيرة الوظيفية، بالإضافة إلى الخوف من التعرض للأمراض، فضلاً عن انحسار العلاقات الاجتماعية المختلفة، مثل الأصدقاء والزوجة وغيرها الكثير، ويميل الفرد للتفكير في مجالات الفشل والنجاح التي مرت عليه في حياته.