مدارس اللسانيات
مدارس اللسانيات
مدارس اللسانيات فيما يأتي:
مدرسة دي سوسير
يُعد دي سوسير رائد هذه المدرسة وأبا اللسانيات الحديثة ، إذ ظهرت أفكار ودراسات مهدت لظهور هذه المدرسة، وأهم الأعلام الذين مهدوا لظهورها: كورتناي، ووايتني، وبيرس، ودور كايم، لكن دي سوسير كان علامةً فارقةً من خلال أفكاره وفلسفته بمحاضراته التي ألقاها بين عامي 1906 و1911، والتي جمعها بعد وفاته تلميذاه: سيشهاي، وبالي، ونشراها عام 1916.
في آرائه ميّز بين اللغة باعتبارها ظاهرة إنسانية، واللسان باعتباره لغة شعب ما، والكلام باعتباره جهداً فردياً، كما فرق بين خصائص اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة، ودرس العلاقة بين الدال والمدلول أيّ: بين اللفظ وبين ما يدل عليه ذلك اللفظ، إضافةً إلى أفكار أخرى جعلت من دي سوسير، ومن اعتمد أفكاره مدرسة لسانية قائمة بذاتها.
المدرسة الوظيفية أو مدرسة براغ الوظيفية
يُنسب تأسيس هذه المدرسة التي ظهرت في عام 1926م إلى العالم اللساني التشيكي ماثيسيوس، ومن أهم أعلامها: ترنكا، وهافرانك، وفاشيك، وهؤلاء تشيكيون، وتروبتسكوي، ورومان ياكبسون، وهُما من روسيا، ويهتم أتباع هذه المدرسة بتتبع الوظيفة التي يُؤديها العنصر اللغوي داخل التركيب في صنع المعنى.
يسعون باعتمادهم لنظرية التواصل، إلى دراسة عناصر التواصل : المرسل، والمتلقي، والرسالة، وقناة الاتصال، وهي تحمل الرسالة كالهواء وغيره، واللغة باعتبارها أداة الاتصال، والمرجع وهو المجال الذي تدور فلكه الرسالة، ووجد أتباع هذه المدرسة أنّ كل عنصر من عناصر التواصل السابقة يُولِّد وظيفةً لسانيةً خاصةً، وحددوا تلك الوظائف بما يأتي:
- الوظيفة التعبيرية
يُنتجها المرسل، وتُعبّر عن شخصيته في الكلام.
- الوظيفة الندائية
تتعلق بالمرسل إليه، الذي يُطلب إليه بها القيام بعمل معين، وهذه الوظيفة تُقابل في العربية الأسلوب الإنشائي .
- الوظيفة المرجعية
تدور هذه الوظيفة حول السياق، وتُعبّر عن الغرض الذي من أجله صيغت الرسالة، وهي ذات طبيعة إخبارية؛ لأنّها تُحيلنا على أفكار ومواقف نتحدث عنها، كالأمور الدينية والاجتماعية والفلسفية والتاريخية وغير ذلك.
- الوظيفة الانتباهية
وهي تُركز على استمرار التواصل وجودته بين المرسل والمرسل إليه في أثناء التخاطب.
- وظيفة تعدّي الخطاب (ضمان الفهم)
وهي تتعلق بكل ما يُساعد على فهم اللغة المستعملة ذاتها، وكل ما يُساعد على توضيحها، ليتأكد لطرفي الخطاب أنّ التفاهم حاصل.
- الوظيفة الشعرية
والمقصود بها ما يحمله الخطاب من عناصر التأثير في وجدان المرسل إليه، وتُسمى الإنشائية.
المدرسة الغلوسيماتيكية
أسس المدرسة اللسانية الدنماركية عام 1934م اللسانيان فيكو بروندال ولويس يلمسليف، ويسير منهج البحث في دراسة اللغة عند أصحاب المدرسة الدنماركية على نهج البنيوية بصفة عامة، وإن كان لعلماء المدرسة نظرتهم الخاصة في تناول الظواهر اللغوية وفي تحديدهم لبعض المفاهيم، التي قد تحيد أحيانًا عن المدارس البنيوية الأخرى.
احتذى كثير من اللغويين النظام البنائي الذي وضعه يلمسليف، هذا على الرغم من عدم تطبيقه هذا النظام على لغة ما، وذلك بسبب دقة المنهج وتنظيمه الفائق، وتبدأ دراسات يلمسليف وبروندال اللغوية بتحديد الأسس التي جعلت اللسانيات علمًا مستقلًا بجانب العلوم الإنسانية الأخرى.
المدرسة التحويلية التوليدية
نشأت هذه المدرسة في الولايات المتحدة على يد اللساني الشهير نعوم تشومسكي الذي تأثر كغيره من اللسانيين بدي سوسير، وهذه المدرسة سبقتها مدرسة بلومفيلد التي ترى أنّ اللغة قائمة على الدوافع وردود الأفعال، أيّ إنّ اللغة سلوك بشري محكوم بالعلاقة السلوكية المشهورة (منبه …يُؤدي إلى …..ردّ فعل).
أما تشومسكي فيرى أنّ المادة اللسانية وسيلة لمعرفة كيفية عمل العقل البشري، وأداة لدراسة الفكر الإنساني، لذلك دعا إلى دراسة القضايا اللسانية باعتبارها المسؤولة عن تغذية العقل البشري بالمعلومات.
أهم ما تميز به تشومسكي أنّه سعى إلى بناء نظريته عامة للغة، وهذه النظرية تقوم على مبدأ (لا نهائية اللغة) أيّ مبدأ: كيف تنتج اللغة جملًا لا حد لها من عناصر لغوية محدودة؟ وأهم عناصر نظريته: الكفاية اللغوية، والأداء الكلامي، والبنية السطحية والبنية العميقة.
مدرسة لندن
إنجلترا بلد شهدت فيه بعض جوانب اللسانيات تاريخًا طويلًا بشكل غير عادي، ويكتسب الوصف اللساني قدرًا من الأهمية عند أمة من الأمم عندما يُطوّر لغة (رسمية) أو قياسية خاصة به من مزيج من استعمالات متضاربة ومتنوعة، مما يُلاحظ عادةً في أيّة منطقة نعمت بالاستقرار مدة طويلة من الزمن، وكان التركيز على علم الصوتيات من نتائج تقاليد علم اللسانيات الخالص الذي ظهر في بريطانيا.
كان هنري سويت في طليعة المهتمين بالدراسات الصوتية، وهو من علماء اللسانيات التاريخية القلائل الذين أنجبتهم بريطانيا في القرن التاسع عشر لمنافسة اللسانيات التاريخية التي كانت تنمو في ألمانيا.
أمّا فيرث فكان أول من جعل من اللسانيات الحقيقية دراسة علمية متميزة ومعترفًا بها في بريطانيا، حيث قام فيرث بالإشراف على تدريب معظم مدرسي اللسانيات في بريطانيا، وهذا ما جعل اسم (مدرسة لندن) ملائمًا جدًا للمنهج البريطاني المتميز في هذا الموضوع، بالرغم من أنّ اللسانيات قد بدأت تزدهر في عدة أماكن أخرى.