متى وقعت غزوة تبوك
متى وقعت غزوة تبوك
وقعت غزوة تبوك في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة، وكانت آخر غزوات النبي -عليه الصلاة والسلام-، ووقعت بعد فتح مكة الذي كان في شهر رمضان في السنة الثامنة للهجرة، وقبل حجة الوداع، وبعد الطائف بستة أشهر، وكانت في وقتٍ شديد الحر، ووقت نُضوج الثمار، فأمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالتجهُّز للمعركة وقِتال الرُّوم.
سبب تسمية الغزوة باسم تبوك
سُمّيت غزوة تبوك بهذا الاسم؛ لوجود عين ماءٍ فيها، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- عنها: (إنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا، إنْ شَاءَ اللَّهُ، عَيْنَ تَبُوكَ، وإنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ، فمَن جَاءَهَا مِنكُم فلا يَمَسَّ مِن مَائِهَا شيئًا حتَّى آتِيَ فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إلَيْهَا رَجُلَانِ، وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بشيءٍ مِن مَاءٍ، قالَ فَسَأَلَهُما رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ هلْ مَسَسْتُما مِن مَائِهَا شيئًا؟ قالَا: نَعَمْ، فَسَبَّهُما النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ)، فنهى النبيّ عن مسّها؛ لتبقى عيناً فائضة، ولكن كان رجُلان يُحرّكانها لتزداد، ثُمّ قام النبي -عليه الصلاة والسلام- بغسل يديه ووجهه من مائها، فتفجّرت العين، واستسقى الناس منها.
وقيل سُمّيت بذلك؛ لأنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى بعض الصحابة يُدخلون أوانيهم في مائها ويُحرّكونها؛ لاستخراج الماء منها، فسُمّيت تبوك، وهي من الفعل بَوك، ولم تكُن تُعرف تبوك بهذا الاسم إلا بعد غزوة تبوك، وقيلهي من البَوْك، وهو تثوير الماء بِعُودٍ؛ لإخراجه من الأرض.
أحداث غزوة تبوك
كان السبب المُباشر لغزوة تبوك عِلم النبي -عليه الصلاة والسلام- بتجمّع الرُّوم لغزو بلاد العرب الشماليّة، فقرّر الاستعداد لقتالهم، والقضاء على أي مُحاولةٍ للنيل من الإسلام والمُسلمين، فخرج النبي -عليه الصلاة والسلام- من المدينة، ومعه ثلاثون ألف مُقاتل ، واستخلف عليها محمَّد بن مسلمة، وأبقى عليّاً على أهله، وفي الطريق أصاب المسلمين الجوع، ولم يكن معهم الكثير من الزّاد، فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ببسط بساطٍ من الجلد، وأمر الجيش بأن يأتوا بزادهم، فدعا -صلى الله عليه وسلم- بالبركة في الطعام، فملأوا أوعيتهم منه، ورفع النبي -عليه الصلاة والسلام- يديه إلى السماء، فنزل المطر، فاستقى الجيش وملأوا أوعيتهم بالماء.
ولمّا وصل المسلمون إلى ديار ثمود، أمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن لا يدخلوا مساكنهم، وأن يمشوا منها مُسرعين، وعندما وصل جيش المسلمين إلى موقعة تبوك أخبرهم رسول الله بأنّ ريحاً شديدة ستهُبّ على المكان، وأمرهم أن يحتاطوا منها ولا يخرجوا حتّى لا تُؤذيهم، وهبّت الرّيح وحملت من قام فيها إلى مكانٍ بعيد، وأقام النبي -عليه الصلاة والسلام- بضع عشرة ليلةً في تبوك، ولم يلقَ الرُّوم؛ فقد ألقى الله -تعالى- في قُلوبهم الرُّعب مع كثرة عددهم وعدّتهم، فكانت غزوة تبوك شبيهةً بغزوة الأحزاب من حيث أنّهما لم يكُن فيهما قتال، وفي أوّلهما بلاءٌ وعُسرٌ وشدّةٌ، وعاد جيش المُسلمين من تبوك مُنتصراً، وفي طريق العودة حاول بعض المُنافقين قتل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وآذوه بألسنتهم، فنزل فيهم قوله -تعالى-: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)، وانتهت المعركة بانتصار المُسلمين، وتصالُحِهِم مع قبائل المنطقة، وانسحاب الرُّوم.
دروس وعبر من غزوة تبوك
توجد العديد من الدُّروس والعِبر المُستفادة من غزوة تبوك، ومنها ما يأتي:
- قذف الرُّعب في قُلوب الأعداء، وبيان حقيقة الإسلام عند بعض النّاس؛ فقد كان البعض منهم يعتقد أن الإسلام سيزول، اعتِقاداً منهم أنّه كسحابة صيفٍ عابرة ما أن تلبث ثُمّ ستزول.
- كشف حقيقة المُنافقين، وفضح أسرارهم ونفوسهم الخبيثة ضد الإسلام، وجرائِمهم بحق النبي -عليه الصلاة والسلام-.
- كشف النّفاق في وقت الشدّة بعد خوف المُنافقين من شدّة الحرّ، وتثبيطهم لمعنويّات المؤمنين، فنزل فيهم قول الله -تعالى-: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ* فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
- توبة الله -تعالى- على المُذنبين الذين اعترفوا بذنوبهم، وهم الذين تخلّفوا عن المعركة، فندموا وتابوا.
- تربية المؤمنين على التّضحية؛ لأنّ المعركة جاءت في وقت اقتراب جني الثمار، وكان الحرّ شديد، والمسافة بعيدة.
- إعطاء الهيبة للدولة الإسلاميّة، ومُقارنتها بأعظم قوّتين في ذلك الوقت؛ وهُما الفُرس والرُّوم.
- تأثير غزوة تبوك من الناحيّة الإعلاميّة، فقد كان لقوّتها الإعلاميّة أثرٌ كبيرٌ في مُسالمة قبائل نصارى العرب، وعقدهم الهُدنة مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، ممّا يؤكد على أهمية الإعلام في الإسلام ووجوب حمايته وحماية رجاله.