متى كانت غزوة ذات الرقاع
الرؤية الشّرعية للجهاد
ينظر الإسلام إلى الجهاد على أنّه وسيلةً وليس غايةً مقصودةً بذاتها، وهو وسيلةً لرفع الظلم والدّفاع عن النّفس ودفع الباطل وردّ العدوان، والإسلام دين لا يقبل المذلّة لأتباعه فهو يأمر بإعداد القوّة العسكريّة والمعنويّة لتظلّ حِماه مُهابة الجانب، ولمْ يُؤذن للمسلمين باستخدام القوّة إلّا ضمن ضوابط شرعيّة مُحكمة، وفي ساحات القتال يحتم الشّرع على أتباعه أحكاماً خاصّة يَظهرُ من خلالها أنّ شعار الرّحمة في الإسلام له أهميّة قويّة ساعة النّزال ومواجهة الأعداء، فلا قتال لغير المقاتلين، ولا اعتداء على غير المعتدين، ولا يجوز التّمثيل بجثث المقتولين، وغير ذلك من الأحكام، وبعد الهجّرة النبويّة أذِن الله -تعالى- للمسلمين بردّ الأذى ودفع الباطل، بعد وقتٍ طويلٍ من الصّبر على المعاناة في مواجهة صنوف الأذى من قريش في المرحلة المكيّة؛ فشُرِع الجهاد في سبيل الله تعالى، وكانت غزوة ذات الرِّقاع من الغزوات التي كانت وجهتها قِبَل نجد، فمتى وقعت غزوة ذات الرِّقاع، وما هي أهمّ أحداثها ونتائجها؟
تاريخ غزوة ذات الرِّقاع
غزوة ذات الرِّقاع هي واحدة من الغزوات التي خاضها رسول الله محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وكانت هذه الغزوة في العام السابع من الهجّرة في شهر ربيع الأوّل، وهذا يعني أنّها تبعتْ فتح خيبر مباشرة، وبعض المصنّفين في السيرة ومغازي النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يجعلون غزوة ذات الرِّقاع من الأحداث التي وقعت في العام الرّابع من الهجّرة، وهذا التاريخ لا تسنده الأدلّة الثّابتة التي تؤكّد أنّ سير جيش المسلمين في ذات الرِّقاع كان في السّابع من الهجّرة ، ومن هذه الأدلّة أنّ غزوة خيبر التي كانت في السنة السّابعة للهجّرة اشترك فيها أبو موسى الأشعريّ -رضي الله عنه- مع من حضرها من الصّحابة الكرام، وورد ذلك فيما صحّ من أحاديث الإمام البخاريّ، وهو لمْ يأتِ إلى المدينة المنوّرة إلّا مع قدوم جعفر -رضي الله عنه- من الحبشة في السّابع من الهجّرة، ولو كانت غزوة ذات الرِّقاع في السّنة الرّابعة من الهجّرة لما حضرها أبو موسى الأشعريّ رضي الله عنه.
أهمّ أحداث غزوة ذات الرِّقاع
كان لغزوة ذات الرِّقاع أهميّة خاصّة من عدّة وجوه، ويظهرُ ذلك من استعراض أحداثها ومجرايتها كما في الآتي:
- خاض رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مع جماعة من المسلمين غزوة ذات الرِّقاع ضدّ كلٍّ من بني محارب وبني ثعلبة، وكلاهما من قبيلة غطفان، حيث كانوا قد أعدّوا العدّة لمهاجمة المسلمين في المدينة المنوّرة .
- كان عدد جيش المسلمين الذين خرجوا لكبح أطماع العدوّ من غطفان فيما قيل أربعمئة أو سبعمئة مقاتل من المسلمين.
- واجه المسلمون في طريقهم إلى غطفان صعوبات بالغة، كان من أهمّها قلّة عدد الرّواحل التي تنقلهم، حتى كان السّتة أو السّبعة يشتركون في التّناوب على راحلة واحدة، كما أنّ وعورة الطّريق وكثرة حجارته الحادّة ضاعفت من المشقّة، حتى أُدْميَتْ أقدام صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من المشي عليها؛ فلفّوا أقدامهم بالخِرَق.
- واصل جيش المسلمين تقدّمه إلى أنْ بلغ مكاناً لبني غطفان اسمه نخل، وفي هذا المكان وصل الخبر للأعراب القُساة من بني غطفان فأُشربتْ قلوبهم خوفاً وهلعاً، وأدركوا أنفسهم بالهروب إلى أعالي الجبال، ولمْ يأبهوا بمن خلفهم من نسائهم وأبنائهم وأموالهم.
- خشي النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على جيش المسلمين من هجوم الأعراب من على رؤوس الجبال مع حلول وقت الصّلاة ؛ فجاء الأمر الإلهيّ بتشريع صلاة الخوف ، حيث قال الله عزّ وجلّ: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)، فأدّى جيش المسلمين الصّلاة بإمامة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على النحو الذي جاءت به الآية الكريمة السّابقة.
- تحقّق مقصود المسلمين من تأديب الأعراب القُساة في نجد؛ عندما رأى الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أن يرجع بالجيش إلى المدينة المنوّرة.
- كان عبّاد بن بشر وعمّار بن ياسر -رضي الله عنهما- عند عودة جيش المسلمين ليلاً استعدّا لحراسة الجيش حتى يبيت ليلته بأمان، وتقاسما مهمّة الحراسة بينهما، وبينما عبّاد -رضي الله عنه- قائم يصلّي في نوبته الأولى للحِراسة أُصيب بأكثر من سهم من أحد المشركين الذين تعقّبوا مسير جيش المسلمين في طريق عودته، وظلّ قائم يصلّي إلى أنْ أتمّ قراءة السّورة التي غلب حبّها على حبّ سلامته من السّهام، وبعد ذلك أيقظ عمّار بن ياسر -رضي الله عنه- ليعالج له جراحه.
- واصل المسلمون رحلة العودة إلى المدينة المنوّرة في صبيحة اليوم التالي، وعندما حان وقت القيلولة تشعّب أفراد الجيش تحت الشّجر، وتكفّل الله -تعالى- بحماية النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من أعرابيّ استيقظ عليه وهو مستلّ لسيف النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يريد قتله؛ فتمكّن منه الرّسول -عليه السّلام- ودعاه إلى الإسلام ولكنّه أبى الإسلام ووعد بأنْ لا يُقاتل المسلمين بعد ذلك أبداً؛ فعفى عنه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
- انتهت أحداث غزوة ذات الرِّقاع بتحقيق أهدافها دون قتالٍ ومواجهةٍ؛ حيث ألقى الله -عزّ وجلّ- في قلوب الأعراب الرّعب من المسلمين؛ فلم يتجرّأ أحد من المشّركين بعد ذلك على أذيّة المسلمين لا بالسّلب ولا بالنّهب في صحارى نَجْد التي يقطنون بها، بل إنّ الله -تعالى- كتب لهم الهداية؛ فأسلمت قبائل غطفان وكان لها نصيب في المشّاركة في فتح مكّة المكرّمة، والقتال مع رسول الله في غزوة حُنين.