متى كانت غزوة بدر
أثر غزوة بدر
لمّا اشتدّ أذى المشركين على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه، أذن الله تعالى لهم بالهجرة إلى المدينة المنوّرة ؛ لتحقيق استقرارٍ لدولة الإسلام، وبداية غرس قواعدها، منتقلين بذلك إلى مرحلةٍ أخرى من الدّعوة والتاريخ الإسلاميّ، وحينها بدأت موجهاتٌ قتاليّة بين المشركين من طرف، ورسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وصحبه من طرفٍ آخر، فالمشركون يريدون أن يقضوا على هذه الفئة المؤمنة وقد كانت قليلةً في البداية، وينهوا وجودها؛ لتبقى سيادتهم وهيمنتهم، والمسلمون يريدون أن يردّوا هذا الكيد ويمضوا في دعوتهم ويحقّقوا شرائع دينهم.
كانت غزوة بدرٍ أولى المواجهات بين المسلمين والمشركين ، ولقد كانت معركةً حاسمةً في وجود المسلمين وهيبتهم في عيون أعدائهم حتّى أسماها الله تعالى في القرآن الكريم بغزوة الفرقان، قال تعالى :(وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وكانت نتائجها جليّةً واضحةً بنصر المسلمين وعلوّ كلمتهم يومها، ولقد كانت غزوة بدرٍ فارقةً فعلاً في كثيرٍ من الأمور، فلقد كانت فارقةً بين مرحلتين؛ أولاهما قد امتدّت لخمس عشرة سنةً تقريباً من الصّبر وتحمّل أذى المشركين دون مقاومةٍ، ثمّ جاءت المرحلة الثانية وهي قتال المشركين ومواجهتهم بالسّيف والعتاد، ولقد كانت المرحلة الأولى مرحلة بناءٍ للشخصيّة المسلمة، وللفرد المؤمن العابد لله تعالى، ثمّ جاءت المرحلة الثّانية وهي مرحلة المؤمن الدّاعي إلى الله تعالى، مزيلاً العقبات التي قد تواجهه في سبيل ذلك، كذلك كانت غزوة بدرٍ فارقاً بين منهج الصّبر والّلين كسبيلٍ للدّعوة، ومنهج القوّة والدّفاع كسبيلٍ آخر.
وقت وقوع غزوة بدر
وقعت غزوة بدرٍ في السّابع عشر من شهر رمضان ، منَ السّنة الثانية للهجرة، وقد بدأت أحداثها عندما كانت قافلةٌ لقريشٍ على رأسها: أبو سفيان خارجةً إلى الشّام وقد كانت حينها محمّلة بالبضائع للتجارة، حين أرسل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عدداً من أصحابه ؛ لمحاولة قطع الطريق عليها، لكنّ القافلة أفلتت من بين يديه، ولمّا كان موعد عودتها، جهّز رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- نفسه ومن انتدبه من أصحابه؛ ليهاجموها هذه المرّة في موعدٍ قد رتّبوه ورصدوه جيّداً، لكنّ أبا سفيان كان قد علم أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد حاول مهاجمته أوّل مرّةٍ، فخشي أن يعيد الكَرّة، فغيّر طريق عودته، وقد نجح بالفرار فعلاً مرّةً ثانيةً.
ومع علم قريش بنجاة القافلة، إلا أنّ أبا جهلٍ أصرّ على ملاقاة المُسلمين؛ راغباً في أذيّتهم وقطع دابرهم في مواجهةٍ واحدة، في المقابل كان من خرج من المسلمين لملاقاة قافلة أبي سفيان بضع مئاتٍ بغير عدّةٍ ولا عتادٍ كافٍ، إذ كانوا قد خرجوا لملاقاة قافلةٍ لا لحربٍ حقيقيّةٍ مع عدوّهم؛ لذلك تردّد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في ملاقاة عدوّه، حيث رأى أنّ النّقص في العدد والعدّة كان ظاهراً، لكنّ صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- شدوا على يده ووعدوه بالعون والنّصرة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فحينئذٍ حزم أمره واستعدّ للّقاء، وقد كان الّلقاء غير مرتّب له، كما قال تعالى في ذلك: (إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا)، فحين تأكّد الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- من رغبة أصحابه في ملاقاة عدوّهم، عزم على الارتحال بهم، فمشى ومشوا جميعاً حتّى وصلوا ماء بدرٍ لينزلوا أدناها، فأشار عليهم الحباب بن المنذر أن يجعلوا الآبار خلفهم فيشربون ولا يشرب عدوّهم، فأخذ رسول الله بمشورته، فتوقّفوا أمام الآبار.
وأمّا المُشركون فقد اقتربوا حتّى بلغوا ماء بدر ، فصعدوا الكثيّب الفاصل ونزلوه، فإذا هم أمام صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحينئذٍ بدأ الّلقاء المنتظر بين الفريقين، وقد توجّه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالدّعاء والتضرّع إلى الله تعالى أن يؤيّد عباده بالنّصر والفتح؛ لما كان لتلك المواجهة من أهمّيّةٍ في نفوس المسلمين، ثمّ افتُتح القتال بالمبارزة كما جرت العادة في المعارك، فقتل المسلمون معظم المبارزين المشركين، ثمّ بدأ التحام الصّفوف، وقد أبلى المسلمون بلاءً عظيماً وأصابوا من المشركين وأوقعوا منهم القتيل والجريح، حتّى طال القتل كِبار المشركين كأبي جهل ، وقد أنزل الله تعالى ملائكةً من السّماء تعين عباده وتدفع عنهم الضّرّ بإذنه، قال تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ). فكان النّصر حليف المسلمين يوم بدرٍ بإذن الله تعالى.
فضائل غزوة بدر
كان لغزوة بدرٍ فضائل كثيرةٌ على المسلمين، وقد ورد ذكر شيءٍ منها في القرآن الكريم والسنّة النبويّة، ومن هذه الفضائل ما يأتي:
- نصر الله تعالى لنبيّه بالرّعب، قال تعالى في ذلك: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ).
- فوز من شهد غزوة بدرٍ من أصحاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بمراتب عاليةٍ عند الله تعالى، فقد جاء جبريل -عليه السّلام- إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قائلاً: (ما تعُدُّون أهلَ بدرٍ فيكم؟ قال: من أفضلِ المسلمين أو كلمةً نحوَها).
- إخبار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه لولا غزوة بدرٍ ما وصل الإسلام إلى المسلمين بعد ذلك، فكان من الممكن أن يُقضى على الفئة المؤمنة يومها وأن تنتهي دعوة الإسلام، وبتحقيق النّصر في يوم بدرٍ قويت شوكة المسلمين، وزادت هيبتهم في قلوب أعدائهم، فاستطاعوا تحقيق النّصر تلو النّصر بإذنه تعالى.
- أحلّ الله تعالى لأمّته الغنائم يوم بدر، قال تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).