متى كانت حجة الوداع
تاريخ حجّة الوداع هجريّاً
متى كانت حجة الوداع بالهجري؟
نُقِل عن علماء الأمّة إجماعُهم دون خِلافٍ بينهم على أنّ حجّة الوداع كانت في السنة العاشرة للهجرة، فقد ذهب إلى ذلك ابن كثير -رحمه الله-، وذلك في كتابه البداية والنهاية؛ إذ قال إنّ حجّة الوداع التي تُعرَف بحجّة الإسلام أو حجّة البلاغ كانت في السنة العاشرة للهجرة، وقال الإمام القرطبيّ في تفسير قَوْل الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، إنّها نزلت على النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وهو واقفٌ بعرفة في السنة العاشرة للهجرة، وتحديداً بعد صلاة العصر من يوم الجُمعة.
وقد ورد ذلك أيضاً في كتاب (القول المُبين في سيرة سيّد المُرسَلين) لمحمّد الطيّب النجّار؛ بالتأكيد على وقوع تلك الحجّة في السنة العاشرة للهجرة؛ حيث تجهّز رَكْب النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قاصداً بيت الله الحرام؛ لأداء مناسك الحجّ، وكان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قد اصطحب في تلك الرحلة نساءه جميعهنّ، على الرغم من أنّه كان يقرع بينهنّ في رحلاته؛ وذلك لشعوره وإحساسه أنّها ستكون آخر رحلةٍ له، ولِئلّا تضيع فضيلة أداء المناسك على أيّة واحدةٍ مِنهنّ.
وتجدر الإشارة إلى أهميّة بيان أقوال أهل العلم في تحديد اليوم الذي خرج فيه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى مكّة المُكرَّمة؛ ل أداء مناسك الحجّ ؛ فقد ذكرَ ابن حزم -رحمه الله- أنّ خروج النبيّ كان نهارَ يوم الخميس لسِتّة أيّامٍ من شهر ذي القِعدة، وقال ابن كثير -رحمه الله- إنّ خروج النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من المدينة المُنوَّرة إلى مكّة المُكرَّمة؛ لأداء مناسك الحجّ كان لخمسة أيّامٍ من شهر ذي القِعدة.
وأورد محمد بن شُبهة في كتاب (السيرة النبويّة على ضوء الكتاب والسنّة) قَوْلاً يُفيد خروجَ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من مكّة يوم السبت الموافق للخامس والعشرين من ذي القِعدة، أمّا وصوله إلى مكّة، فكان يوم الأحد الموافق للرابع من ذي الحِجّة.
تاريخ حجّة الوداع ميلاديّاً
متى كانت حجة الوداع بالميلادي؟
وردت عدّة أقوالٍ للعلماء في بيان وتحديد التاريخ الميلاديّ لحجّة الوداع؛ فقد ذُكر في كتاب موجز التاريخ الإسلامي أنّ حجّة الوداع كانت سنة ستّمئةٍ وإحدى وثلاثين للميلاد، أمّا اليوم الذي صادف وقوع حجّة الوداع، فكان يوم السبت من شهر كانون الثاني/ يناير، وذكر محمد رضا في كتابٍ له اسمه "محمّد صلى الله عليه وسلم" أنّ حجّة الوداع كانت في شهر آذار/ مارس، من سنة ستّمئةٍ واثنين وثلاثين للميلاد.
أسماء حجّة الوادع
سُمِّيت حجّة الوداع بأسماءٍ أخرى، منها: حجة البلاغ والتمام؛ لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بَيَّن فيها اكتمال مَهمّة تبيلغ شَريعة الله، وآذنَ فيها المسلمين بكمال الدِّيْن، وتمامه، كما أنّه علّمَ المسلمين فيها مناسكَ الحجّ، وما شُرِع فيها من الأقوال والأعمال، كما أنّها سُمِّيت حجّة البلاغ؛ لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بلَّغ فيها المسلمين عدداً من الوصايا التي تتعلّق بأصول الشريعة، ومبادئها، ومنها:
- حِفْظ المسلم أخاه المسلم في ماله، وعِرضه، ونَفسه.
- حِفْظ حقوق الله -تعالى- على العباد.
- الوصيّة بالنساء، والتذكير بضرورة حِفْظ حقوقهنّ، وحُسْن معاشرتهنّ.
- الوصيّة بالمملوك.
وقد سُمِّيت حجّة الإسلام أيضاً؛ لأنّها الحجّة الوحيدة التي أُدِّيت فيها الفريضة بعد هجرة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة المُنوَّرة، بالإضافة إلى أنّها حجّة الفرض الوحيدة التي أدّاها الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-. وقد ودّع النبيّ -عليه الصلاة والسلام- المسلمين في حجّته، وفي ذلك حَثٌّ للمسلمين على مُلازمَته والتعلُّم منه، وفي ذلك قال الإمام النوويّ -رحمه الله-: "فيه إشارةٌ إلى توديعهم وإعلامهم بقُرب وفاته -صلّى الله عليه وسلّم- ، وحثّهم على الاعتناء بالأخذ عنه، وانتهاز الفرصة من ملازمته، وتعلّم أمور الدين، وبهذا سُميّت حجّة الوداع".
وقد ورد عن الصحابيّ جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنّه قال: (أفاضَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في حجَّةِ الوداعِ، وعلَيهِ السَّكينةُ، وأمرَهُم بالسَّكينةِ، وأمرَهُم أن يرموا، بمثلِ حَصى الخذَفِ، وأوضعَ في وادي مُحسِّرٍ، وقالَ: لتَأخُذْ أمَّتي نسُكَها، فإنِّي لا أدري لعلِّي، لا ألقاهم بعدَ عامي هذا)، وفي روايةٍ للإمام مُسلم في صحيحه: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه).
حجّة الوداع
أَذِنَ الله -تعالى- لنبيّه محمّدٍ -عليه الصلاة والسلام- بالحجّ إلى البيت الحرام بعد استقرار أمر الإسلام؛ بتطهير الأرض من مظاهر الجاهليّة، وعلامات الوثنيّة، وحين غَدَت نفوس المسلمين مُشتاقةً إلى شَدّ الرِّحال إلى بيت الله، وقد كانت تلك الحجّة علامةً على قُرب انتقال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إلى جِوار رَبّه، ومُفارقته أمّتَه وصَحْبَه، مع إظهار الحُبّ، والأُلفة، والطُّهر، والرَّحمة.
وقد شَدّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الرِّحال إلى بيت الله الحرام في مكّة المُكرَّمة؛ لأداء مناسك الحجّ، وكانت تلك الرحلة مُناسَبةً مُهمّةً؛ لتعليم المسلمين مناسك فريضة الحجّ، وإقامة شعائر الدِّيْن، فقد بلَّغ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في حجّته مَقاصد رسالته، وبراهين أداء أمانته، كما أوصى أمّتَه فيها بوصايا مهمّةٍ، آخذاً عليهم عهدَ الله وميثاقَه، مُؤكِّداً زوال إِرث الجاهليّة، وواضعاً عاداتها الباطلة؛ ولذلك كانت تلك الحجّة من أعظم المَحطّات في تاريخ الإسلام؛ إذ تضمَّنت خُطبة حجّة الوداع التي رسَّخت عدّة مَعانٍ وقِيَمٍ عظيمةٍ، فكانت مدرسةً ربّانيةً أحيَت في نفوس الأمّة الهِمّة، كما بعثت كلمات النبيّ النشاط والقوّة في النفوس، وغرست معاني الرَّحمة، والعَطف، والمَحبّة.