متى توفي سلمان الفارسي
سلمان الفارسيّ
كان من بين مَن آمن بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- واتّبعه وجاهد معه العديد من الصّحابة الذين لهم أصول غير عربيّة، ممّا يدلّ على أنّ الدّين الإسلاميّ دين فيه عدّة أقليّات، وقد كان من بين هؤلاء الصّحابة سلمان الفارسيّ رضي الله عنه، الذي كانت له عدّة مواقف في حياة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وسيرته العَطِرة، وقد جعل له النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قَدراً عظيماً لمواقفه النبيلة في سبيل رسالة الإسلام، فمن هو سلمان الفارسيّ، وما هي قصّة إسلامه، وما أبرز المواقف في حياته بعد الإسلام، ومتى كانت وفاته؟
نَسَب سلمان الفارسيّ
هو سلمان الفارسيّ من بلاد فارس؛ ولذلك يُقال له: سلمان الفارسيّ ، أمّا كُنيته فهي: أبو عبد الله، وقد أُطلِق عليه بعد إسلامه: سلمان الخير، وقد كان سلمان الفارسيّ -رضي الله عنه- ممّن عذّبتهم قريش لإيمانه بالله -تعالى- وتركه لعبادة الأصنام، وقد كان مجوسيّاً؛ أي يعبد النّار، ثمّ انتقل بعد ذلك إلى الإسلام بعد أن هداه الله -تعالى- إلى الحقّ والرّشاد، وقد كان سلمان الفارسيّ إذا سُئِل عن نسبه يقول: (أنا ابن الإسلام)؛ كنايةً عن افتخاره بالدّين الإسلاميّ.
نَشَأ سلمان الفارسيّ -رضي الله عنه- في بلد يُسمّى: رام هرمز؛ وهو من قُرى فارس، وقيل: بل هو من بلدة جي؛ إحدى ضواحي أصبهان، ولم يكن يُطلَق على سلمان الفارسيّ هذا الاسم قبل إسلامه؛ فقد كان اسمه: مابه بن بوذخشان، وعندما أسلم أصبح يُنادى بسلمان الفارسيّ.
وفاة سلمان الفارسيّ
كان سلمان الفارسيّ -رضي الله عنه- من أفضل الصّحابة وأكثرهم فهماً، فكان لبيباً حاذِقاً حازماً نبيلاً عابداً، وكان من أعقل الرّجال في تلك الفترة، وقد خدم الإسلام وأهله، وصَحِب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فترةً لا بأس بها، وعاش حتّى خلافة عثمان بن عفّان رضي الله عنه، فعاصر خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وتوفّي قبل وفاة عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- وفي خلافته، وكانت وفاته عام 36هـ، وقيل: بل في سنة 37هـ؛ حيث توفّي في المدائن، وقيل: توفّي سنة 33هـ.
وتُرجّح الروايات أنّ عُمر سلمان الفارسيّ حين وفاته قد بلغ حدود الثمانين من العُمُر، وقيل: عمره بضع وسبعون سنةً، وقد وردت رواية غريبة تشير إلى أنّه عاش 350 سنةً، أو 250 سنةً، وهي رواية ضعيفة، وقد ذكر الإمام الذهبيّ ما يُفنِّد تلك الروايات ويُرجِّح أنّه مات في الثمانين أو ما حولها.
سلمان الفارسيّ قبل الإسلام
كان سلمان الفارسيّ -رضي الله عنه- على دين قومه؛ أي كان مجوسيّاً يعبد النّار، بل اجتهد في ديانته حتّى أصبح خادم النّار فيوقدها ويتعهّدها حتّى لا تنطفئ، وقد كانت لوالد سلمان الفارسيّ حديقة كبيرة، وذات مرّةٍ أرسله والده إلى تلك الحديقة لأمرٍ ما، وبينما هو في طريقه مرَّ بكنيسةٍ من كنائس النّصارى، وسمع صوت الصّلاة فيها، فأعجبته ديانتهم ، ووجدها أفضل من ديانته، فدخل إلى الكنيسة وسأل من فيها عن أصل الديانة النّصرانيّة، فأخبروه أنّ موئِلها إلى الشّام، فمكث في الكنيسة حتّى المغرب ، ولمّا رَجِع إلى والده أخبره بما سَمِع، وقال بأنّ النّصرانيّة أفضل من المجوسيّة، فخَشِيَ والده عليه وحَبَسه وقيّد رجلَيْه، فأرسل سلمان الفارسيّ إلى النّصارى الذين رآهم ليخبرهم بأنّه اتَّبع دينهم، وحطّم القيود التي في قدمَيْه، وخرج قاصداً الشّام.
ذهب سلمان الفارسيّ بعد ذلك إلى أسقُف الكنيسة، ومكث فيها مدّةً من الزمن ليتعلّم الديانة المسيحيّة ، إلا أنّ أسقف تلك الكنيسة التي كان فيها سلمان الفارسيّ -رضي الله عنه- كان من أسوأ النّاس على الإطلاق؛ لِما فيه من خِصال الشرّ؛ حيث كان يأخذ أموال الصّدقات لنفسه، ثمّ مات ذلك الأسقف وجاء بدلاً عنه رجل زاهد في الدنيا ومُقبل على العبادة، فأحبّه سلمان لخِصاله الشريفة، وقبل وفاة ذلك الأسقف طلب منه سلمان الفارسيّ اسم شخص يوصيه به، فأخبره بأنّه لا يعلم رجلاً زاهداً وعالماً ومنصرفاً إلى العبادة إلّا رجلاً في المُوصل، فانتقل سلمان الفارسيّ إلى المُوصل، وعاش مع ذلك الرّجل فترةً من الزمن حتّى حضرَته الوفاة ، وقبل وفاته كان قد أرشد سلمان الفارسيّ إلى عابدٍ آخر في منطقة تُسمّى نصيبين.
سافر سلمان في طلب ذلك العابد إلى نصيبين، وقبل وفاته دلَّ سلمان الفارسيّ على عابد آخر في منطقة عموريّة، فرحل إليه، ولمّا حضرته الوفاة، قال لسلمان: (أي بُنيّ، والله ما أعلم أصبح على ما كُنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكنّه قد أظلك زمان نبيّ مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب مُهاجراً إلى أرض بين حَرَّتَيْنِ بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهديّة ولا يأكل الصّدقة، بين كتفَيه خاتم النبوّة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فَافْعَلْ).
إسلام سلمان الفارسيّ
بعد أن عَلِم سلمان الفارسيّ -رضي الله عنه- أنّ النبيّ الذي يُريده سيظهر في جزيرة العرب عَزم على السفر ليلقاه ويؤمن به، وقد أقام في عموريّة بعد وفاة الراهب فترةً، وعندما لَقِي رَكباً مُتّجهين إلى جزيرة العرب أتاهم وعقد معهم اتفاقاً أن يحملوه في رواحلهم على أن يُعطيَهم ما يملك من أبقار وأغنام، فقَبِلوا بذلك وأخذوها منه، ثمّ غدروا به وباعوه ليهوديّ يُقيم في وادي القُرى، ثمّ باعه ذلك اليهوديّ ليهودي آخر من يهود بني قُرَيظة ، فنقله ذلك اليهوديّ إلى المدينة المنوّرة ، فلمّا وصلها أدرك أنّها المدينة التي وصفها له العابد، ومكث فيها حتى بُعِث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وقدِم إلى قُباء ، فلمّا سَمِع سلمان الفارسيّ بخبر قدوم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى قُباء ذهب إليه، ليتحقّق إن كان هو النبيّ أم لا.
وقد رُوِيت قصّة إسلام سلمان الفارسيّ -رضي الله عنه- في حديثٍ طويلٍ يرويه بنفسه، فبعد أن أخذ بنصائح الرّاهب جَمَع شيئاً بقصد اختبار النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فذهب إليه، وقال له: (هذا شيء عندي أريد أن أتصدّق به، وقد رأيت أنّكم أحقُّ به)، فدفعه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ليأكل منه أصحابه ولم يأكل هو منه، ثمّ رجع إليه مرّةً أخرى بعد أن جمع شيئاً من الطعام، فقال: (هذه هديّتي لكم)، فأكل منها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ حاول سلمان الفارسيّ أن يرى خاتم النبوّة في ظَهْر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ليتأكّد من نبوّته، فلاحظ عليه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك، فكشف له عن ظهره حتى رأى العلامة، فلمّا استيقن سلمان الفارسيّ من أمر نبوّة محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- آمن به.