مبادئ مدرسة براغ
مبادئ مدرسة براغ
تعتمد مدرسة براغ على العديد من المبادئ، وفي الآتي توضيح كل منها:
التركيز على الجانب الوظيفي
المعنى والوظيفة هما جوهر اهتمامات مدرسة براغ، فالباحث يسعى للكشف عن القطع الصوتية التي تؤدي وظيفة داخل التركيب فهو يبحث عن الوحدات التي يمكنها تغيير المعنى كلما استبدلت بأخرى. فتغير معنى الوحدات اللغوية دليل على أن لها وظيفة، بالتالي وفي التحليل الوظيفي، يحصي الباحث مجموعة من الوحدات اللغوية، ثم يرتبها من حيث الشبه والاختلاف، وعندئذ تتضح الفوارق التي تعكس قيمتها الذاتية أي وظيفتها، كالآتي:
قال.......... الرجل.
سافر......... الرجل.
ذهب.......... الرجل.
هنا في هذا المثال يظهر وجود ثلاث وحدات لسانية مختلفة من حيث البناء، وهذا التقابل الحادث يعكس الفوارق الدلالية بينها، ويكشف وظيفتها، كما ينطبق المنهج ذاته على المستوى الصوتي، من مثل الكلمات "قاد" و"عاد" و"ساد" التي إن تم تقطيعها إلى أصغر الوحدات لاتضحت الفوارق والتشابه سواء على مستوى المخرج (موقع النطق) أو الصفة على النحو الآتي:
- ق: لهوي، مجهور، شديد.
- ع: حلقي، مجهور.
- س: أسناني، مهموس، صفيري.
التقطيع المزدوج
ينص التقطيع المزدوج على أن تحليل الوحدات اللغوية يتم على مستويين كالآتي:
- التقطيع الأولي
وهو يتكون من الكلمات الدالة، من مثل: أحضر الولد الكتاب: أحضر، أل، ولد، أل، كتاب.
- التقطيع الثانوي
وهو المرحلة التالية من التقطيع الأولي، والذي يقوم بتحليل تلك الوحدات المستقلة ذات المحتوى الصوتي والدلالي إلى أصغر الوحدات الصوتية.
هذا المبدأ يمنح اللغة قيمة لسانية هي القدرة على التعبير عن اللامتناهي من الأفكار والمعاني المجردة بواسطة هذا العدد المحصور من الوحدات اللغوية الصغيرة أي الحروف، وهو ما يؤسس لمفهوم الاقتصاد اللغوي في اللسانيات .
المنهج الوصفي (الآني)
ترى مدرسة براغ أن الوسيلة الناجعة التي يمكن وفقها الإحاطة بجوهر اللغة وبخصائصها تكمن في التحليل الآني الوصفي للظواهر اللغوية الحالية، وهذا التحليل يعني وضع طريقة لدراسة اللغة ومختلف مكوناتها من خلال القيام بالوصف بطريقة علمية، ومن ثم الوصول إلى تفسيرات منطقية لها دلائل وبراهين تمنح الباحث القدرة على وضع أطر محددة لما يتم بحثه، ومن ثم تحديد نتائج البحث.
المنهج الوصفي أخذته مدرسة براغ من العالم اللغوي فردينان دي سوسير الذي هدف من خلاله إلى التعرف على الخصائص الواضحة للظواهر اللغوية، إلا أن جماعة براغ خالفوا سوسير في النظر إلى العلاقة بين الدراستين: الآنية والتاريخية، فبالنسبة إلى المدرسة ووفقا إلى الواقع اللغوي لا يتعارض المنهج الآني مع المنهج التاريخي ، والعكس صحيح كذلك.
المنهج المقارن في البحث اللساني
اعتمدت مدرسة براغ المنهج المقارن من خلال استعمال كل القضايا المتعلقة بالجانب التكويني للغات ومدى الصلات التي تربط بعضها ببعض، وقد ألحت المدرسة على استعمال المنهج بشكل أوسع، بهدف الكشف عن القوانين التي تحكم بنية اللغة في أنساقها المختلفة ومدى التطور الحاصل في هذه الأنساق في مراحلها المختلفة.
نشأة مدرسة براغ
عملت مدرسة براغ على تطوير النظرية البنيوية، وقد نشأت المدرسة بفضل مجموعة من العلماء والباحثين الأوروبيين الذين التفوا حول العالم التشيكي "فيلام ماثيزيوس"، وتم الإعلان الرسمي عنها عام 1928، وقد أُطلِقَ عليها اسم مدرسة براغ أو المدرسة الوظيفية، أو المدرسة الفونيمية الصوتية بسبب عنايتها الخاصة بالدراسات الصوتية، دون إهمال المستويات اللسانية الأخرى.
اعتمدت مدرسة براغ على مفهوم النسق والنظام، واتبعت النهج البنيوي في دراساتها، كما ركزت في أعمالها على الوظائف المختلفة التي تنجم عن المستويات اللغوية في المجتمع، إذ إنها ترى أن البنية النحوية والدلالية والصوتية للغات تحدد بالوظائف المختلفة التي تقوم بها في المجتمع، وهذا الأمر هو أعطى لدراساتهم اللغوية امتدادا اجتماعيا.
قامت كذلك المدرسة الوظيفية بدراسة نظام اللغة الكلي بمستوياته المختلفة دراسة وظيفية محضة، وقد شملت هذه الوظيفة الصوتيات الوظيفية الآنية الوصفية، والصوتيات الوظيفية التاريخية التعاقبية، والأسلوبية اللسانية الوظيفية، ودراسة الوظيفة الجمالية للغة ودورها في الأدب والمجتمع والفنون، ووفقا لذلك رأت المدرسة الوظيفية أن اللغة نظام من الوظائف، وكل وظيفة نظام من العلامات.
اتبعت المدرسة الوظيفية المنهج الوصفي الذي يهتم بتحليل الظواهر اللغوية تحليلا آنيا، أي في لحظة زمنية معينة، و المنهج التاريخي الذي يهتم بدراسة الظاهر اللغوية في مراحلها التطورية، وفي كل مرة يعتمد فيها على المنهج الوصفي، والمنهج المقارن الذي يهتم بتكوين اللغات والعلاقات التي تربطها مع بعضها بعضا.