ما هي وصايا لقمان لابنه
وصايا لقمان لابنه
أوصى لقمان الحكيم ابنه بوصايا جمعت بين أصول العقيدة، والشريعة، والأخلاق، وتعظيم قدرة الله -تعالى- ونفاذ إرادته في خلقه، وإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكر، والصبر على ما نزل به من مصائب، والاتِّصاف بلِين الجانب، والابتعاد عن التكبُّر، والتحدُّث إلى الناس بلُطف، مع خفض الصوت، والابتعاد عن الغلظة في الكلام.
الوصايا المُتعلِّقة بأصول العقيدة
أوصى لقمان ابنه بجملةٍ من الوصايا المتضمنة القيام بأعمالٍ صالحة عديدة، ومنها:
التوحيد
وذلك بقوله: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّـهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)؛ حيث أمرَ ابنَه أن يعبدَ الله -عزّ وجلّ- وحدَه، ونهاه أن يعبدَ غيره، وأخبره أنّ الشرك ظلم عظيم؛ فهو ظلمٌ لما فيه من وَضعٍ للشيء في غير مكانه، وعظيمٌ لما فيه من التسوية بين المُدبِّر لكلّ شيء ومن لا يملك نفعاً، ولا ضَرّاً من الأصنام.
التذكير بالحساب وعلم الله الواسع
وذلك بقول الله -تعالى-: (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، فإلى الله -عزّ وجلّ- المرجع، لا ملجأ منه -سبحانه- إلّا إليه، فينبّئ الإنسانَ بما غاب عنه من أمور في الدنيا؛ حيث إنّ الإنسان ينسى، والله لا يخفى عليه شيء، ولا ينسى ما اقترفه الإنسان من الذنوب، كما لا يخفى عنه ما أدّاه من العبادات.
الوصايا المُتعلّقة بالأعمال الصالحة
أوصى لقمان ابنه بجملةٍ من الوصايا التي فيها أعمالٌ صالحة، ومنها:
البِرّ بالوالدين
وذلك في قوله -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ*وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)؛ حيث حملت الآية إشارات عديدة للأسباب الدّافعة إلى برّ الوالدين، والجهد المبذول منهما تجاه أولادهما، وخاصّة الأم، وما تعانيه من جهد الحمل، وتعب الإرضاع، بالإضافة إلى طلب الشكر للوالدين؛ لأنّه من الشكر لله، وأمرٌ لمَن كان أبواه على الشرك بالإحسان إليهما، وعدم طاعتهما في شركهما.
إقامة الصلاة
وذلك بقوله: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ)؛ وكان ذلك انتقالاً منه إلى تعليم ابنه أصول الأعمال الصالحة بعد أن كان يُعلّمه أصول العقيدة؛ فبدأ بأهمّ الأعمال وهي الصلاة، والتي هي عمود الدين، وأمره بأن يبقى مُقيماً للصلاة، ومُحافظاً عليها؛ لأنّها من أعظم القُربات إلى الله -عزّ وجلّ-.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وذلك بقوله: (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ)؛ وهذه هي وظيفة الرّسل –عليهم السّلام- ومهمّتهم في الأرض؛ فالاقتداء بهم من أعظم القُربات عند الله -تعالى-، وتكمن أهمّية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر في حفظ مصالح العباد، وحقوقهم، فالضرورات الخمس المعروفة لا يتمّ الحفاظ عليها إلّا من خلال الأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكر، وهي سبيل صَون العقيدة، وحفظ الفضيلة، وفلاح الأمّة، ونَصرها.
الصبر
وذلك بقوله: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)؛ إذ أمر ابنَه بأن يتحمّل ما ينزل به من مصائب، وحوادث، وأوصاه بالصبر بعد الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لأنّه سوف يتعرّض للإيذاء؛ جرّاء هذين الأمرَين، فإن صبر فإنّ الله سيجزيه الأجر العظيم.
الوصايا المُتعلِّقة بالعلاقة مع الناس
وردت العديد من الوصايا في ما يتعلّق بالروابط مع الناس، ومنها:
التنفير من الكبر وازدراء الناس
وذلك بقوله: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ)؛ إذ نهاه عن احتقار الناس، وازدرائهم، وعدم الميل عنهم بوجهه، أو إظهار هيئة المُستخِفّ بهم.
تَرك الخيلاء والفخر
وذلك بقوله: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)؛ وفي هذا نهي صريح عن عموم التكبُّر؛ سواء كان في المشي، أو في غيره، ونهيٌ عن الفرح المُفرط الذي يَظهر فيه الكِبر، وبيانٌ أنّ الله -عزّ وجلّ- يبغض أهل التكبُّر والخيلاء.
الوقار والتوسُّط
وذلك بقوله: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ)؛ وفي هذا أمرٌ له بالاعتدال في المَشي، وذلك بالتوسُّط فيه؛ دون إسراع، أو إبطاء مُخِلَّين.
أدب الحديث
وذلك بقوله: (وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)؛ إذ أمره هنا بخفض الصوت أثناء الكلام؛ لما في ذلك من الوقار، وعدم إيذاء الناس، وضرب له مثلاً بعُلوّ الصوت، ألا وهو صوت الحمير؛ لما كان معروفاً بين العرب من قُبحه.
العِبر المُستفادة من وصايا لقمان
تُستفاد من قصّة لقمان الحكيم مع ابنه وموعظته له عدّة عِبر، منها:
- تفضُّل الله -عزّ وجلّ- على سائر خلقه، وإنعامه عليهم، فهو من أعطى الحكمة للقمان -عليه السلام-، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ).
- أهمّية شُكر الله -تعالى- على نِعمه التي لا تُعَدّ، ولا تُحصى.
- أهمّية عناية الوالد بولده، واختصاصه بالنصح له، كما فعل لقمان بابنه، وكما نصح نبيّ الله نوح عليه السلام ابنه بقوله: (يا بُنَيَّ اركَب مَعَنا وَلا تَكُن مَعَ الكافِرينَ)، بالإضافة إلى نُصح يعقوب عليه السلام لأبنائه بقوله: (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
- بيان عظيم خطر الشرك بالله -تعالى-، وما في ذلك من ظُلم.
- الحرص على بِرّ الوالدين، والاعتناء بهما،وشُكرهما، وتخصيص الأم بمزيد من العناية؛ لما بذلته من جهد في الحمل، والرضاعة، والتربية، والرعاية.
الحكمة في التربية: مفهومها وأساليبها
تناول أهل العلم مفهوم الحكمة، وتعدّدت تعريفاتهم بتعدّد اتّجاهاتهم، فضلاً عن تركيز بعضهم على جانب أكثر من غيره؛ فذهب المفسّرين إلى أنّ الحكمة هي: معرفة الحقّ بهدف تمييزه عن الباطل؛ لأجل العمل به، وهو يقع ضمن هذا الفهم من التّكاليف الشّرعية، في حين عرّفها الإمام النووي بأنها: العلم الذي يشتمل على معرفة الإنسان بالله، بحيث يُعطى نفاذ البصيرة، يتبعه تهذيبٌ للنفس؛ للوصول إلى الحقّ، والعمل به، واجتناب ما يُخالفه.
ويرى الإمام الرّازي أنها: الحكم الصادق المبرأ من الزيغ والخلل، ويرى أهل العلم أنّ الحكمة لا تُؤتى إلا بالاستيعاب الواعي لحقائق الإيمان، وفهم القرآن وشرائع الإسلام، ويمكن القول أنّ كلّ التعريفات تتّفق على أنّ الحكمة تعني: إجادة التّصرّف الذي ينبغي القيام به على الوجه الصحيح في الوقت.