ما هي مظاهر الصحة النفسية
الصحة النفسية
الصحة النفسية هي من أهمّ المجالات التي اهتمّت بها الدراسات النفسية وعلم النفس، كما إنّها المفهوم الأكثر إثارة لاهتمام الناس عامة وعلماء النفس والعلوم الانسانية خاصة، فالإنسان بفطرته يحاول الوصول إلى القدر المطلوب من الصحة النفسية السليمة، كما إنّه في أظهر العصر الحالي التقدم الفكري والتطور المعرفي والتكنولوجي، وأدّى ارتفاع مستوى طموحات الأفراد إلى ازدياد مجالات التنافس، والتفوُّق، وظهور النزاعات، والسعي للتقدم، وإثبات الذات في ظل التحديات التي يتعرض لها الأفراد، بالإضافة إلى ظهور الصراعات بأنواعها واختلاف الثقافات والحضارات، وكلّ ما يزيد من ثِقل العبء النفسي على الذات، فكان ذلك مؤشّراً هامّاً للسعي للوصول للصحة النفسية السليمة والمحافظة على ديمومتها في ظلّ مختلف الظروف والأحداث.
مظاهر الصحة النفسية
عند تحلّي الفرد بالصحة النفسية السليمة؛ فإنّ ذلك ينعكس بشكل واضح على جميع تفاعلاته واستجاباته للمثيرات المختلفة، وطريقة تعامله مع الظروف والحوادث غير المرغوب بها، ومن أبرز دلالات ومظاهر الصحة النفسية كالتالي:
التوافق الذاتي
هو حالة من الاستقرار النفسي التي يكون فيها الفرد متوافقاً مع ذاته ومتكيّفاً مع مستواه وإمكاناته وقدراته وكفاءاته الذاتية، وإدراكه لمواطن القوة ومواطن الضعف التي يتمتع بها، وإمكانيّة استثمارها والاستفادة منها بأكبر قدر ممكن، وبالتالي تحقيق مبدأ الأمان الداخلي والرضى عن الذات ومحبّتها، بالإضافة إلى توجيه وضبط الانفعالات والاستجابات في المواقف المختلفة، والتقدير الذاتي المتوازن من دون مبالغة ولا تحقير.
التوافق الاجتماعي
وهو قدرة القرد على التكيُّف الجيّد مع البيئة الخارجية في جميع المواقف الاجتماعية المبنيّة على طرق التفاعل مع الآخرين لإقامة العلاقات المختلفة في كافة البيئات الاجتماعية كالأسرة والمدرسة والعمل والجامعة وغيرها، فتكون استجابة الفرد الاجتماعية متكيّفة وذات مستوى عالٍ من التآلُف والإيجابية، وبذلك يكون راضياً عن أدائه الاجتماعي، ويكون الآخرون من حوله راضين عن التعامل معه من خلال التعاون وتبادل الاحترام والثقة والتسامح والمرونة.
الاتّزان والنضج في الانفعالات
يتميّز الأفراد المتمتّعين بالصحة النفسية بالاتزان الانفعالي، والثبوت العاطفي والوجداني، والاستقرار في الميول والاتجاهات الذاتية والاجتماعية، والنضج في آلية الاستجابة للمثيرات المختلفة؛ فيكون هناك حالة من التوازن بين شدّة المثير وشدة الاستجابة المترتّبة عليه، بالإضافة إلى القدرة على مواجهة الظروف الحياتية والضغوط المختلفة، وحل المشكلات ومعالجتها بشكل إيجابي وبَنَّاء، ومواجهة الإحباط والأزَمات الحادة بأقلّ قدر من الآثار النفسية السلبية، والقدرة على تحمل المسؤوليات الاجتماعية وتحمل مسؤولية النتائج المترتبة عن السلوكيات الذاتية المختلفة.
النجاح في العمل
يكون النجاح في التفوق في في المجالات المهنية والعملية والنجاح في أداء المهام بشكل كامل، كما أنّ تقدير الفرد للمستوى العامّ له في القدرات والكفاءات الشخصية يُساعده في توظيف مهاراته في مكانها المناسب لتكون أكثر كفاءة وفاعليَّة، بالإضافة إلى السّعي الدائم للارتقاء بالمستوى الوظيفي واختيار الفرد لنفسه المكان والمهنة المناسبة. كما يُضاف إلى ذلك عدم مقابلة حالات الفشل في جميع المجالات العملية والحياتية بالإحباط والانسحاب، واختيار الأنماط السلوكية والاستجابة المناسبة في مواقف العمل والتعايش مع المجتمع العملي.
الإقبال على الحياة وحسن الخلق
يكون الفرد مُقبلاً على الحياة مُحبّاً لها مستمتعاً بوسائل الراحة والسعادة المتاحة لديه، ويكون إيجابياً في أغلب أحيانه متوقعاً للخير ومتفائلاً به، كما يكون راضياً بكلّ ما هو متاح من قدرات مادية وذاتية واجتماعية، والقدرة على التّأقلم والتكيف في مختلف الظروف والمواقف التي من الممكن أن يتعرّض لها الفرد، والترحيب بالخبرات والتجارب الجديدة وحبّ الإقدام عليها، بالإضافة إلى تميُّزه بالقدر العالي من حُسن الخلق، والتحلّي بالصفات الحميدة، والبعد عن الآثام والفواحش، ومحبّة كلّ من حوله.
تعريف الصحة النفسية
اختلفت تعريفات الصحة النفسية باختلاف مدارس علم النفس وعلمائها، أمّا التعريف الأشمل كان لمنظمة الصحة العالمية ؛ حيثُ عرّفت الصحة النفسية على أنّها حالة من التعايش الصحي السليم في جميع النواحي الجسمية والنفسية والاجتماعية والخلو من العجز والمرض النفسي والجسمي، ومن الممكن تعريفها أيضا بأنّها التفاعل الإيجابي السليم مع الذات الداخلية ومع البيئة الخارجية، إذن فهي الحالة السائدة والمستمرّة نسبياً عند أغلب الأفراد في أغلب الأحيان، فيسود شعور السعادة الداخلية والخارجية، ويرتفع معدل الإنجاز والطموح ، فيكون فرداً سويّاً حسن الخلق.
العوامل المؤثرة في الصحة النفسية
تتأثّر الصحة النفسية عند الأفراد منذُ بداية نموّهم الجسمي والنفسي والاجتماعي بالعديد من العوامل البيئيّة الخارجية أو النفسية الداخلية، ومن أهمّ هذه العوامل التالي:
- الأسرة: تُعتبر الأسرة البيئة الأوليَّة للطفل وأكثرها تأثيراً عليه في المستقبل؛ حيثُ اتّفق العلماء على أنّ السنوات الخمسة الأولى من حياة الطفل هي الأساس المُكوّن لشخصيته واتجاهاته وأنماطه السلوكية والتي ستستمرّ معه في مراحله العمرية المتقدمة، فالتنشئة الأسريّة السويّة تُخرج أطفالاً وأفراداً أسوياء وسليمين متوافقين مع أنفسهم ومع من حولهم، أمّا التنشئة الأسريّة غير السليمة قد ينتج عنها أفراد غير أسوياء، ويعانون من بعض السلوكيات غير التوافقيّة؛ نتيجة لاكتساب بعض القواعد والأنماط غير المرغوب فيها من الأسرة؛ كالأنانية المفرطة، وعدم تحمل المسؤولية، وغيرها.
- المدرسة: فالمدرسة هي الهيئة أو المؤسسة التعليمية الرسمية التي ينتقل إليها الطفل في عمر محدد، ويذهب الطفل إلى المدرسة وهو مزوّد بالقيم والمعايير والاتجاهات النفسية والاجتماعية الأساسية؛ حيثُ تعمل المدرسة على توسيع دائرة ما اكتسبه الطفل في المنزل بطريقة مُنظّمة ومدروسة، وفي المدرسة يتفاعل الطفل مع أصدقائه ومعلميه في البيئة الصفّيّة التي تؤثّر بدورها سلباً وإيجاباً على الصحة النفسية له؛ فالبيئة المدرسية التي تتّسم بالانضباط والنظام مع الحرية والديمقراطية تُنشئ فرداً مدعّماً بالصحة النفسية السليمة أكثر من الفرد الذي ينشأ في بيئة مدرسية تتّسم بالفوضى وعدم الانضباط والاحترام.