ما هي مراتب الدين
مراتب الدين
مراتب الدين ثلاثة؛ أوّلها الإسلام: وهو ظواهر الأعمال ويظهر على الجوارح، وثانيها الإيمان: وهو بواطن الأعمال ومحلّه القلب، وآخرها الإحسان: وهو أعلى المراتب.
وقد وردت مراتب الدين فيما رواه أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فأتَاهُ جِبْرِيلُ فَقالَ: ما الإيمَانُ؟ قالَ: الإيمَانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ ومَلَائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، وبِلِقَائِهِ، ورُسُلِهِ وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ. قالَ: ما الإسْلَامُ؟ قالَ: الإسْلَامُ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، ولَا تُشْرِكَ به شيئًا، وتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وتَصُومَ رَمَضَانَ. قالَ: ما الإحْسَانُ؟ قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ).
الإسلام
الإسلام لغة: هو الاستسلام والانقياد والإذعان، أمّا اصطلاحاً: هو توحيد الله -تعالى- والاستسلام له والخضوع والانقياد له وحده، وفيما يأتي بيان وتفصيل معناه:
- إنْ جاء لفظ الإسلام بالمطلق دون اقترانه بكلمةٍ أخرى فهو الدين كلّه ظاهره وباطنه من أقوالٍ، وأفعالٍ، وإعتقاداتٍ، والإيمان جزء منه استناداً لقوله -تعالى-: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، وقوله: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ).
- إن جاء لفظ الإسلام مقروناً بالإيمان فيُراد به حينئذٍ كُلّ فعلٍ أو قولٍ ظاهرٍ يقوم به العبد استناداً لقوله -تعالى-: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
- وما أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه حينما وصف سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- رجلاً بالمؤمن والرسول -عليه السلام- يَردُّه ويَصفه بالمسلم لأنّه لا يعلم ما في قلبه، فقد روى سعد: (فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما لكَ عن فُلانٍ؟ فَواللَّهِ إنِّي لأَراهُ مُؤْمِنًا، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أوْ مُسْلِمًا).
أمّا عن المعنى الخاصّ للإسلام فإنّه يشتمل على أركانه الخمس، وبيانها ما يأتي:
- الشهادتان
وهي الإقرار بأنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، قال -تعالى-: (فَآمِنوا بِاللَّـهِ وَرَسولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذي يُؤمِنُ بِاللَّـهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعوهُ لَعَلَّكُم تَهتَدونَ).
- إقامة الصلاة
بأداء الصلوت الخمس، وهي فرض عَين على كلِّ مسلم ومسلمة، قال -تعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا).
- إيتاء الزكاة
وهي بإنفاق الواجب من المال إذا بلغ النصاب، قال -تعالى-: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها وَصَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم وَاللَّـهُ سَميعٌ عَليمٌ).
- صوم رمضان
وهو بصوم شهر رمضان كاملاً من كلِّ عام، قال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).
- حج البيت
وهو بأداء فريضة الحجّ لمن استطاع اليه سبيلاًـ قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).
الإيمان
الإيمان لغةً هو التصديق استناداً لقوله -تعالى-: (قالوا يا أَبانا إِنّا ذَهَبنا نَستَبِقُ وَتَرَكنا يوسُفَ عِندَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئبُ وَما أَنتَ بِمُؤمِنٍ لَّنا وَلَو كُنّا صادِقينَ)، ويُعرّف الإيمان اصطلاحاً بما يأتي:
- إن جاء لفظ الإيمان مفرداً غير مقترن بالإسلام فيُراد به التصديق والانقياد لكُل ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم، ويشمل ما يفعله المسلم من أعمال وأقوال قلبيّة وأخرى عملية.
- وقد وردت العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدلّ على هذا المعنى، كقوله -تعالى-: (هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)، وما أخرجه الترمذي -رحمه الله- في سُننه عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ولا يَدْخُلُ الجنةَ إلا نفسٌ مؤمنةٌ).
- إن جاء مقترناً بلفظ الإسلام فهو بمعنى التصديق؛ أي التصديق واليقين بالمعتقدات والأركان الستّة التي وردت بالحديث.
إنَ مَرتبةَ الإيمانِ أصلها وأساسها الإيمان بالله -تعالى-، فلا يتحقَّق إيمان المسلم إلا بإيمانه بالله وشهادة أنْ لا اله الا الله والإقرار بها وتصديقها، فكُلُّ من يُؤمن بالله سيؤمن بباقي أركان الإيمان؛ لأنَّها كلَّها تابعة للإيمان به -تبارك وتعالى-.
الإحسان
الإحسان لغةً: هو إتقان العمل وإتمامه على أكمل وجه والإخلاص فيه، والإحسان هو أعلى مستوى في مراتب الدين؛ لأنَّه يجمع بين الإسلام والإيمان، فيُحسّن أفعال العباد العملية والقلبية، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الَّذينَ اتَّقَوا وَالَّذينَ هُم مُحسِنونَ).
والإحسان يتمثّل بمقامين، الأول: أن تعبد الله كأنَّك تراه، والثاني: إن لم تكن تراه فإنه يراك. ويُراد بالإحسان استشعار العبد وجود الله -تعالى- ورقابته ورعايته، واليقين برؤية الله -تعالى- للعباد، قال -تعالى-: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ* إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ).
فالمسلم الذي يَتعبَّد الله -تعالى- وهو يشاهد أفعال الله -تعالى- بقلبه يُثمر ذلك خشيةً وخوفاً وتعظيماً لله، إذ لا يتحقَّق الإحسان إلّا بالامتثال لأحكام الإسلام ودرجات الإيمان، فالإحسان تتمَّةٌ لمراتب الدين، ويدخل بمرتبة الإحسان أفعال العباد كلِّها ظاهرها وباطنها، هو مقام الإخلاص، لأنَّ الله -تعالى- مُطَّلع على خفايا النفوس وحال العباد.
العلاقة بين مراتب الدين
تتمثَّل العلاقة بين مراتب الدين بما يأتي:
- يدخل في أحكام الإسلام كُلُّ من كان ظاهره الإقرار بالدين، بحيث يُورّث، ويغسل، ويُصلى عليه، مؤمناً كان أو غير مؤمن، ومُحسناً كان أو غير مُحسن، فالإسلام يتمثَّل بظاهر الأمر وخارجه فقط.
- لفظ الإسلام والإيمان إذا ورد كُلٍّ منهما بنصٍّ منفرد دون اقتران أحدهما بالآخر، فإنَّهما يُمثلان نفس المعنى المُراد؛ وهو الدين كلُّه، وإذا اجتمعا مع بعضهما فيُمثّل الإسلام أعمال الجوارح الظاهرة، والإيمان أعمال القلوب الباطنة.
- الامتثال للإيمان والإسلام يُحقّق الإحسان، فالإحسان أعلى مراتب الدين، وهو أعمُّ من الإيمان، والإيمان أعمُّ من الإسلام، فمن كان مُحسناً فهو مؤمنٌ مسلمٌ، ومن كان مسلماً فقط فلا يُطلق عليه لفظُ مؤمن.