ما هي مجالات صدقة التطوع
مجالات صدقة التطوّع
مجالات صدقة التطوّع العامّة
تتعدّد وتتنوّع مجالات صدقة التطوّع التي تختصّ في المجال العام، ومنها ما يأتي:
- سُقيا الماء: وهي من أفضل الصدقات ؛ فهي تتضمّن الإحسان بأكثر ما يحتاجه النّاس ولا يستغنون عنه؛ وهو الماء، ويكون ذلك ببذله لهم وتمكينهم من الوصول إليه، ويدلّ على ذلك ما ورد عن سعيد بن المسيّب -رضي الله عنه- قال: (أنَّ سعدًا أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فقالَ: أيُّ الصَّدقةِ أعجَبُ إليكَ ؟ قالَ: الماءُ).
- إطعام الطعام: أي بذْله للنّاس من الفقراء والمحتاجين والضيوف، ورجاء الثواب من الله في ذلك، سواء كان على شكل صدقةٍ أو وليمةٍ ونحوه، ويدلّ على ذلك ما جاء عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- قال: (أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الإسْلَامِ خَيْرٌ؟ قالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ).
- بناء المساجد: يأتي فضل وشرف بناء المساجد من فضل المساجد ومكانتها في الإسلام، وقد ورد في فضل بناء المساجد قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (من بَنَى مَسْجِدًا - قالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أنَّه قالَ: يَبْتَغِي به وجْهَ اللَّهِ - بَنَى اللَّهُ له مِثْلَهُ في الجَنَّةِ).
- الصدقة الجارية بعد الموت: كالعِلم المنشور، والأولاد الصالحين الذين يدْعون لوالديهم بعد وفاتهم، والمصاحف الموزّعة والمنشورة، وبناء بيتٍ للمساكين وأبناء السبيل، لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ مِمَّا يلحقُ المُؤْمِنَ من عملِهِ وحسَناتِهِ بعدَ موتِهِ علمًا علَّمَهُ ونشرَهُ أو ولدًا صالِحًا تركَهُ أو مُصحَفًا ورَّثَهُ أو مَسجِدًا بَناهُ أو بيتًا لابنِ السَّبيلِ بَناهُ أو نَهْرًا أجراهُ أو صَدقةً أخرجَها مِن مالِهِ في صِحَّتِهِ وحياتِهِ تلحَقهُ من بعدِ موتِهِ).
- زراعة الشجر: ويكون ذلك بزراعة الشجر المثمر ووقْف حصاده للناس، أو توزيع الثمر على الناس صدقةً لله، أو شراء أرض ووقف محصولها للفقراء والمساكين، ومن أمثلة الشجر المثمر؛ العنب، والنخيل، والرمان.
مجالات صدقة التطوع من جهة المُعطى إليه
إنّ أوْلى النّاس ببرّ المسلم وإحسانه هم أهله وأقاربه ثم الأبعد فالأبعد، وفي تصدّق الإنسان على القريب أجرْين؛ أجر الصّدقة وأجر صلة الرّحم، ومن كان له جارٌ من أقاربه فإنه مقدّمٌ على غيره في العطاء والصدقة، وهو أولى من الجار غير قريب الصّلة والرّحم من الشخص، قال -تعالى- في تقديم الإحسان للقريب على غيره: (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ)، وذلك دلالة على أنّ اليتيم القريب أولى من غيره في الإنفاق إن تساوت حاجته وحاجة غيره، وقد أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- المسلم أن يبدأ صدقته بمن عليه حقّ النفقة عليهم؛ فقال: (اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وابْدَأْ بمَن تَعُولُ، وخَيْرُ الصَّدَقَةِ عن ظَهْرِ غِنًى، ومَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ)، والمقصود باليد العليا في الحديث أهل الأرحام من الأقارب، ومن الأحاديث أيضاً قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وإنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا في الأقْرَبِينَ فَقَالَ أبو طَلْحَةَ: أفْعَلُ يا رَسولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أبو طَلْحَةَ في أقَارِبِهِ وبَنِي عَمِّهِ).
وقد جعل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنفاق الرّجل على أهل بيته؛ أي زوجته وأولاده، صدقةٌ إن احتسب أجر تلك النفقه لوجه الله -تعالى-، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أنْفَقَ الرَّجُلُ علَى أهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهو له صَدَقَةٌ)، والمماثلة هنا في الثواب لا في الحقيقة، ومن الجهات الأخرى التي حثّ الشرع على الإنفاق عليهم بإخراج الصدقة لهم الفقراء والمساكين، وهي من أعظم القربات إلى الله، فإن كانت صدقةً جاريةً فذلك أفضل، ومن أحبّ الصدقات إلى الله -تعالى- أيضاً؛ الصدقة على المدْيون، ففي ذلك تفريجٌ له من ضِيقه، وتتأكّد إن كان مُعسراً ذا حاجةٍ وقد أهمّه دينه وجعله في غمٍّ، ويكون ذلك بمسامحته بالدَّين الذي عليه وإسقاطه عنه لوجه الله -سبحانه وتعالى-.
فضل صدقة التطوع
أثنى الله -تعالى- على المتصدّقين في كتابه الكريم، وجعل أجرهم عظيماً وضاعَفه لهم، ولم يضاعف أجر عملٍ كما ضاعف أجر الصدقة، قال الله -تعالى-: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، ومن هذا الثناء أيضاً أن الله وصف المؤمنين بصفاتٍ عديدة، منها قوله -سبحانه-: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)، وقد فسّر قتادة ذلك بأنّ هؤلاء أهل الجنّة، وإن كانت صدقة المُسلم طيّبةً؛ فإن الله يُربيها له حتى تُصبح مثل جبلٍ كبيرٍ؛ للخبر الوارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما تَصَدَّقَ أحَدٌ بصَدَقَةٍ مِن طَيِّبٍ، ولا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، إلَّا أخَذَها الرَّحْمَنُ بيَمِينِهِ وإنْ كانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو في كَفِّ الرَّحْمَنِ حتَّى تَكُونَ أعْظَمَ مِنَ الجَبَلِ كما يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، أوْ فَصِيلَهُ).
ويُبارك الله -تعالى- للعبد إن تصدّق في نفسه وماله، لحديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا)، فقد وعَد الله -سبحانه- عبده المُنفِق في سبيل الله بالعِوض والإخلاف بالخير، وهو الغنيّ القادر -سبحانه- وله خزائن السماوات والأرض، فإن أنفق المسلم ولم يُمْسك يَده؛ رزَقه الله من واسع أبوابه من الخير والأجر، ودعاء الملائكة مستجابٌ، فهم يدعون للمُنفق بالخير ويستجيب لهم الله -سبحانه- ويفتحها على عبده بالرزق والبركة، وذلك فضلٌ عظيمٌ من فضائل الصدقة ، وللصدقة العديد من الفضائل العظيمة في الدنيا والآخرة، وفيما يأتي ذكر بعضها:
- صدقة التطوّع تجبر ما في زكاة الفريضة التي يقدّمها المسلم من نقصٍ وتكمّلها؛ لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (أوَّلُ ما يُحاسَبُ بِهِ العبْدُ يومَ القيامَةِ صلاتُهُ، فإِنْ كان أتَمَّها، كُتِبَتْ له تامَّةً، وإِنْ لم يكن أتَمَّها، قال اللهُ لملائِكَتِه: انظروا هل تجدونَ لعبدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فتُكْمِلونَ بها فريضتَهُ؟ ثُمَّ الزكاةُ كذلِكَ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأعمالُ علَى حَسَبِ ذلكَ).
- صدقة التطوّع تكفّر الخطايا ، لحديث النبي -عليه الصلاة الوسلام-: (فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أهْلِهِ، ووَلَدِهِ، وجارِهِ، تُكَفِّرُها الصَّلاةُ، والصَّدَقَةُ والمَعْرُوفُ -قالَ سُلَيْمانُ: قدْ كانَ يقولُ: الصَّلاةُ والصَّدَقَةُ، والأمْرُ بالمَعروفِ- والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ).
- صدقة التطوع سببٌ في دخول الجنّة وإن تصدّق المرء بجزءٍ من تمْرة، وسببٌ للنجاة من النار وحرّ يوم القيامة ، لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فأطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فأعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ منهما تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إلى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ، الَّتي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بيْنَهُمَا، فأعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الذي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ أَوْجَبَ لَهَا بهَا الجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بهَا مِنَ النَّارِ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ البَنَاتِ بشيءٍ، فأحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ)، وحديث: (كلُّ امرئٍ في ظلِّ صدقتِه، حتى يُقضَى بين الناسِ).
== حكمة مشروعيّة صدقة التطوّع ==
شرع الله -سبحانه- صدقة التطوّع لعدّة حِكمٍ؛ منها أن يزكّي الإنسان نفسه من الأنانيّة والشحّ والبخل، وأن يعتاد البذل والإنفاق في سبيل الله -تعالى-، ويهتمّ بالضعفاء والمساكين ويواسيهم بماله، وأن تتآلف قلوب العباد وينال المتصدّق محبّتهم، وفي ذلك كلّه ينال المتصدّق الأجر والثواب المُضاعف من الله -تعالى-، وينال أجر الاقتداء بالأنبياء -صلوات الله تعالى عليهم-، وفي إعطاء صدقة التطوّع تأنيسٌ للنفس لأداء صدقة الفرض؛ حيث إن الإنسان في انشغاله بكسب رزقه وأمور حياته في الدنيا؛ قد يفقد الخشوع والحضور، والصدقة تُعيد له هذه الحالة من الأُنس في العبادة والتقرّب والخشوع.