ما هي عدة الطلاق
ما هي عدة الطلاق
تعريف عدة الطلاق
العدّة في اللغة مشتقةٌ من الفعل عدَّ، أي أحصى أو حَسَبَ، وعدّة الطّلاق في الاصطلاح هي مدّة معيّنة حدّدها الشّرع للمرأة بعد طلاق زوجها لها، ويَحرُم عليها الزواج فيها، وعرّفها بعض الفقهاء بعدِّ الحيضات، وبعضهم بعدِّ الأطهار.
حكم العدة
العدّة واجبةٌ على المرأة المسلمة التي فارقها زوجها بعد الدّخول بها بسبب الطّلاق أو الفسخ أو الخلع، وقد ثبتت مشروعيتها في كتاب الله -تعالى-، إذ قال: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)، وفي السُّنّة النّبويّة أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أمر فاطمة بنت قيس أن تمضيَ عدّتها في بيت ابن أمّ مكتوم بعد أن طلّقها زوجها، وأجمع علماء الأمّة على وجوبها من عصر النبيّ -عليه الصلاة السلام- إلى يومنا هذا، أمّا المرأة التي لم يدخل بها زوجها وطلّقها قبل الدّخول والخلوة فليس عليها عدّة، لقول الله -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا).
أمّا الرّجل الذي طلّق زوجته فيجوز له أن يتزوّج بأخرى دون انتظار عدّة كالمرأة إلّا في حالاتٍ معيّنة منها: كمن كان يريد الزّواج من إحدى محارم مطلّقته؛ كأختها أو عمّتها أو خالتها، فإنّه ينتظر انقضاء عدّة زوجته ثمّ يتزوّج؛ لأنّ الجمع بين المرأة وإحدى محارمها في آنٍ واحد من الأمور التي حرّمها الله -تعالى-، وكذلك من طلّق زوجته الرّابعة ثمّ أراد الزّواج بأخرى، فعليه أن ينتظر حتّى تنقضيَ عدّتها، ثمّ يتزوج؛ لأنّه لا يجوز للرّجل أن يجمع في عصمته أكثر من أربع نساءٍ معاً، وهذا لا يُسمّى عدّة بالمعنى الاصطلاحي، ولكنّه انتظار يُشبه معنى العدّة بسبب قيام حكم شرعي عليه كما بيّنا في الأمثلة.
الحكمة من تشريع العدة
شرع الله -تعالى- العدّة للمرأة المطلّقة لحِكم عظيمة، وهي:
- المحافظة على الأنساب من الاختلاط، وذلك بالتأكّد من خلوّ رحم المرأة وبراءته، وكي لا يجتمع ماء الزّوجين، فتنتظر المرأة انقضاء العدّة ثمّ تتزوّج؛ كي لا تفسد الأنساب.
- إعطاء فرصةٍ أكبر للمطلّقَيْن للرّجوع، علّهما يراجعان نفسيهما في فترة العدّة ويندمان ويعدلان عن الطّلاق، وهذا يكون في الطّلاق الرّجعي فقط.
- تعظيمٌ لأمر الزّواج ورفعٌ لقدره، فكما أنّ الزواج لا يتمّ إلا بشروطٍ وعقد معيّنٍ، فهو كذلك لا ينتهي مباشرة، بل يجب التأنّي والانتظار في ذلك.
- وفاء الزوجة لزوجها، وحفظ الودّ الذي كان بينهما، فلا تنتقل إلى زوجٍ آخر مباشرة، بل تنتظر مدّةً لتُراعي حقّ زوجها وأقاربه.
- حفظ حقّ الحمل وصيانته إنْ كانت المطلّقة حاملاً.
- مراعاة الحقوق الأربعة المترتّبة على العدّة والاحتياط لها، وهي: حقّ الزّوج، وحقّ الولد، ومصلحة الزّوجة، والقيام بحقّ الله -تعالى- الذي أوجبه على المطلّقة.
مدة عدة الطلاق
عدة المرأة المطلقة التي تحيض
المرأة المطلّقة التي تحيض قد تكون طُلِّقت قبل الدخول أو بعده، وتفصيل عدّتها في الحالتين فيما يأتي:
- عدّة المطلّقة المدخول بها: اتّفق الفقهاء على أنّ المرأة الحرّة التي دخل بها زوجها، تكون عدّتها ثلاثة قروءٍ؛ لقول الله -تعالى-: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ)، وتعدّدت آراء الفقهاء في تعريف القُرء؛ فعند الحنفيّة والصحيح من مذهب الحنابلة وجمعٌ من الصّحابة القُرء هو الحيض ، بينما عرّفه المالكيّة والشافعيّة على أنّه الطُّهر، أي بأن تَحسب المرأة ثلاثة أطهار بعد طلاقها، ويُحسب أوّل طهرٍ لها بعد وقوع الطّلاق مباشرة ولو كان الطّهر لحظة، فتنتهي عدّتها عندما تبدأ بالحيضة الثّالثة، وإن طلّقها وهي حائض فتنتهي عدّتها عند ابتداء الحيضة الرّابعة، وعليه فإنّ من قال إنّ العدة تكون بعدد الحيضات فالعدّة عندهم أطول.
- عدّة المطلّقة غير المدخول بها: إذا طلّق الرجل زوجته قبل الدّخول عليها والخلوة بها فليس عليها عدّة، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا)، ويرجع السّبب في ذلك أنّ العدّة إنّما شُرعت للتّأكّد من خلوّ الرّحم وبراءته، كي لا تختلط الأنساب، وغير المدخول بها ليست بحاجة لوقت لتتأكد من براءة رحمها.
عدة المرأة المطلقة التي لا تحيض
المرأة التّي لا تحيض بسبب صغر سنّها، أو التّي لا تحيض أبداً، أو التّي انقطع عنها الحيض بسبب كبر سنّها؛ فهؤلاء عدّتهن تكون ثلاثة أشهر؛ لورود الدّليل الصّريح في القرآن الكريم على ذلك، قال الله -تعالى-: (وَاَللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ)، فجعل الله عدّتهنّ بالأشهر بدلاً من الأقراء.
عدة المرأة المطلقة الحامل
يجب على المرأة المطلّقة إن كانت حاملاً أن تعتدّ وتنتظر إلى أن تضعَ حملها، قال الله -تعالى-: (وَأُولاَتُ الأَْحْمَال أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)، أي تنتهي عدّة الحامل بعد أن تلد سواء ولدته حيّاً أو ميّتاً، أو كان المولود تامّ الخِلقة أو لا، حتّى وإن كانت حاملاً بتوأمٍ فلا تنتهي عدّتها إلا بولادتهم جميعاً، وبعد خلوّ رحمها من الأجنّة.
وبمجرد ولادة المرأة المطلقة تنقضي عدّتها، حتّى لو بعد الطّلاق بمدّة يسيرة؛ لأنّ المراد من العدّة التأكّد من براءة الرحم، وعندما تلد المرأة تتحقّق البراءة، وتصلُح للزواج من آخر، فقد صحّ عن المسور بن مخرمة: (أنَّ سُبَيْعَةَ الأسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وفاةِ زَوْجِها بلَيالٍ، فَجاءَتِ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فاسْتَأْذَنَتْهُ أنْ تَنْكِحَ، فأذِنَ لها فَنَكَحَتْ)، وقيل إنّها ولدت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلة، فأذِن لها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالزّواج، وعدّة المرأة الحامل واحدة سواء كانت بسبب الطّلاق أو وفاة الزّوج.