ما هي سدانة الكعبة
الكعبة المشرفة
تُعتبر الكعبة المشرفة أول بناء أُسِّس في الأرض لعبادة الله تعالى، حيث رفع إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل -عليهما السلام- قواعده على أُسُس كانت موجودة من قبل، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وقوله تعالى: (إِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)، ومن الجدير بالذكر أن مكان الكعبة لم يتغير، ولم يندثر، ولم يتخذ المؤمنون غيرها، ولم يختلفوا عليها، مع أن بناءها كان منذ قديم التاريخ، وبالرغم من كل المؤامرات لهدمها وتحويل الناس عنها، فقد رُوِي أنها هُدِمت في قديم الزمان فأعاد بناءها العمالقة، وهُدمت مرة أخرى فبنتها قبيلة جَرْهم، وقد كان العرب يعظِّمون الكعبة المشرفة ويقدسونها منذ القدم، وكانوا يحافظون على كسوتها، مصداقاً لما رُوِي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (كانوا يَصومونَ عاشوراءَ قبلَ أن يُفْرَضَ رمضانُ، وكان يومًا تُسْتَرُ فيهِ الكعبةُ).
وقد حفظ الله -تعالى- بيته من مكر الماكرين عبر العصور، حيث رُوِي أن أبرهة الأشرم بنى كنيسة وأحسن بناءها، وأراد تحويل العرب عن حج البيت إلى كنيسته، ولكن تعظيم الكعبة في قلوبهم كان أكبر من محاولاته فرفضوا أمره، بل ورُوِي أن بعضهم ذهب إلى كنيسته وأحدث فيها، فخرج أبرهة الأشرم على رأس جيش جرار وتوجه إلى الكعبة يريد هدمها، فعجزت العرب عن التصدي له، وفرَّت قريش إلى الجبال، ولكن الله -تعالى- حفظ بيته وأهلك أبرهة وجنوده، كما ورد في الفيل، ورُوِي أيضاً أن تُبَّع اليماني توجه إلى الكعبة يريد هدمها، فأرسل الله عليه رياحاً عاصفةً ردَّته إلى رشده، فتاب ورجع عن هدمها.
سدانة الكعبة المشرفة
تُعرّف سدانة الكعبة على أنها القيام بشؤون الكعبة المشرفة والعناية بها من حيث فتحها، وإغلاقها، واستقبال زوارها، وغسلها، وتنظيفها، وكسوتها، وإصلاح الكسوة في حال تمزقها، وغيرها من الأمور التي تتعلق بخدمتها، ومن الجدير بالذكر أن سدانة الكعبة عُرِفت منذ قديم الزمان، وبالتحديد من عصر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، ثم توارثتها الأجيال من بعده، حيث تَوكّل بها نابت بن إسماعيل عليه السلام بعد وفاة أبيه، وبقي يتوكّل أمر السدانة إلى أن انتزعها منه أخواله الجراهمة، وبقيت في قبيلة جرهم إلى أن انتزعتها منهم قبيلة خزاعة، ثم بقيت في خزاعة عدة قرون إلى أن تولى أمر مكة المكرمة قصي بن كلاب القرشي جد النبي عليه الصلاة والسلام الخامس، فأخذ السدانة من خزاعة، وكلف بها ولده الأكبر عبد الدار، وبقيت السدانة في الجاهلية في بني عبد الدار يتوارثونها كابراََ عن كابر، وينظرون إلى هذه الوظيفة على أنها شرف عظيم، إلى أن استقرت في يد آل الشيبي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقيت سدانة الكعبة في أيديهم إلى يومنا هذا.
وفي الحقيقة أن بقاء مفتاح الكعبة والسدانة في أيديهم معجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أعطى النبي -عليه الصلاة والسلام- مفتاح الكعبة لشيبة بن عثمان بن أبي طلحة، وابن عمه عثمان بن طلحة رضي الله عنهما، وكلَّفهم بالسدانة وأخبرهم أنها خالدة في يد بني طلحة، ولا ينزعها منهم إلا ظالم، وبفضل توجيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يجرؤ أي سلطان أو ملك أو حاكم على نزع مفتاح الكعبة من آل الشيبي، أو تكليف غيرهم بالسدانة، واستمر توارث المفتاح بينهم إلى زماننا الحالي، ولا بُد من الإشارة إلى أن انتقال السدانة من شخص إلى آخر داخل آل الشيبي يتم بالتوارث، ولا يُشترط الانتقال من الأب إلى الابن، بل قد تنتقل من الأخ إلى أخيه، أو من الشخص إلى ابن عمه بالاعتماد على السن، ويُشترط في آل الشيبي الذكورة لتولي أمر السدانة، ولكن يتم تثقيف الفتيات بإرث العائلة التاريخي، وفي الحقيقة أن لعائلة الشيبي مكانة مرموقة في المجتمع المكي، حيث تُعتبر من أهم العائلات فيه.
وفي الوقت الحاضر يتولى الشيخ عبد القادر الشيبي أمر السدانة، بعدما انتقلت إليه بسبب وفاة الشيخ عبد العزيز الشيبي، ولِكبير السدنة مهمات عديدة، فعلى سبيل المثال لا يتم تغيير كسوة الكعبة إلا بحضوره، وكذلك الأمر عند غسل الكعبة المشرفة وفتح بابها، فلا بُد من أخذ إذنه وحضوره لفتح الباب، ومن الجدير بالذكر أن آل الشيبي يُشرفون على فتح باب الكعبة المشرفة مرتين في العام، وذلك لغسلها من الداخل، حيث يُشرِف كبير السدنة على إدخال ماء زمزم وخلطه بأجود أنواع العطور والورد والعود، وغسل أرضية الكعبة وجدرانها الأربعة على ارتفاع مترين، وبعدها إخراج المياه إلى الخارج وتنشيف الأرضية وتطييبها، مما يكسبها رائحة عطرة تدوم حتى موعد الغسل الثاني، وقد خصصت الحكومة السعودية مبلغ 60 ألف ريال تدفعها سنوياً لآل الشيبي؛ لشراء اللازم من العطور والمواد قبل موعد فتح الكعبة.
تاريخ بناء الكعبة المشرفة بالترتيب
لا شك إن للكعبة المشرفة مكانة عظيمة في قلوب المسلمين ، فهي قبلة الإسلام، ومنار التوحيد، وقد مرعلى الكعبة المشرفة عبر التاريخ الكثير من الأحداث، حيث تم إعادة بنائها خمس مرات، وفيما يأتي بيان ذلك:
- البناء الأول: وكان البناء الأول للكعبة المشرفة على يد آدم عليه السلام وابنه شيث والملائكة عليهم السلام.
- البناء الثاني: وكان البناء الثاني بأمر من الله -تعالى- إلى إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وكانت الكعبة كما وصفها الأندقي حيث قال: (لمَّا بنى إبراهيم عليـه السـلام الكعبـة جعل ارتفاع بنائها في السـماء تسـعة أذرع وطولهـا في الأرض ثلاثين ذراعًـا، وعرضـهـا في الأرض اثنتين وعشرين ذراعًا، وكانت غير مسقوفة).
- البناء الثالث: في عهد قريش ، وكان عمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينها خمسة وثلاثين عاماً، وقد شارك -عليه السلام- في البناء ونقل الحجارة، واختلفت قريش قي وضع الحجر الأسود في مكانه، فوضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- البناء الرابع: في عهد عبد الله بن الزبير، وكان السبب في إعادة بناء الكعبة حريق أصابها، فقرر عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- هدمها حتى يُفضي إلى قواعد إبراهيم، ففعل المسلمون ذلك، ثم أعاد بناءها، وجعل لها باباً آخر، وأدخل الحجر فيها، كما كان يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتمد بذلك على ما سمعه من أم المؤمنين عائشة حيث قالت: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال لها: ألم تَرَيْ أنَّ قومَكِ لمَّا بَنُواْ الكعبةَ، اقتصرواْ عن قواعِدِ إبراهيمَ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ألا تَرُدَّهَا على قواعِدِ إبراهيمَ، قال: لولا حَدَثَانُ قومِكِ بالكفرِ لفعلتُ).
- البناء الخامس: وقام به الحجاج ، حيث أعاد الكعبة إلى بناء قريش وألغى ما قام به عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وبقي هذا البناء على حاله إلى يومنا هذا.