ما هي العولمة
مفهوم العَوْلَمة
إنّ العولمة مصطلح جديد يعبّر عن ظاهرة قديمة ، أدّت إلى جعل العالم قرية إلكترونيّة صغيرة تترابط أجزاؤها عن طريق الأقمار الصناعيّة والاتصالات الفضائيّة والقنوات التلفزيونيّة، وقد ورد عن علماء التاريخ أنّ العولمة ليست ظاهرة جديدة بل قديمة ترجع في أصلها وبداياتها إلى نهاية القرن السادس عشر الميلادي، حيث ظهرت مع بداية الاستعمار الغربي لآسيا وأوروبا والأمريكيتين، ثمّ ارتبطت بتطور النظام التجاري الحديث في أوروبا، مما أدى إلى ظهور نظام عالمي معقد اتصف بالعالميّة ثمّ أُطلق عليه اسم العولمة.
وقد رأى الباحثون أن العولمة تقوم على أربع عمليات أساسيّة ، وهي المنافسة الكبيرة بين القوى العالميّة العظمى، وانتشار عولمة الإنتاج وتبادل السلع، والابتكار والإبداع التكنولوجي، والتحديث المستمرّ.
مجالات العولمة
هناك عدة مجالات للعولمة من أهمها:
العولمة الاقتصاديّة
تُعرف العَوْلمة الاقتصاديَّة حسب الصندوق الدوليّ بأنّها التّعاون الاقتصادي لجميع دول العالم والذي تتسبب به زيادة حجم التَعامل بالسِّلع والخدمات المُتنوعة عبر الحدود، بالإضافة إلى رؤوس الأموال الدّولية والانتشار المتسارع للتقنية في جميع أنحاء العالم وتظهر العَوْلمة الاقتصادية بوضوح في تبادل الدُّول للاقتصاديَّات القومية، وتظهر في وحدة الأسواق الماليّة وفي المُبادلات التِجاريّة، أمّا ظهوها البارِز فهو في إنشاء مُنظمة التِّجارة الدولية.
العولمة السِّياسيَّة
وتظهر هذه العَولَمة بشكل كبير في الهيمنة المفروضة من قِبَل دُول العالم القويّة على الدُّول النَّامية والضعيفة، وذلك من خلال تأثيرها في اقتصادها واختراقه، مما يدفع الدول النَّامية إلى الخُضوع لِما يُرضي الدُّول القوية ويخدم مصالحها، ويتم ذلك دون الرجوع إلى الرأي العام في الدُّول النَّامية، الأمر الذي يُؤدي إلى حدوث اضطِرابات كبيرة وعدم استقرار.
العولمة الثَّقافية
هي صياغة شاملة تُغطِّي مُعظم جوانب النّشاط الإنسانيّ، وتستمد العَوْلمة الثَّقافية خصوصيتها من تَطوُّر الأفكار والقِيَم والسُّلوك، مثل انفتاح الثَّقافات العالَمية وتأثُّرها ببعضها البعض، وقد برزت بِشكل واضح خلال التِّسعينيات من القرن الماضي، وأمّا انفتاح الواقِع حالياً فلم يحدُث له مثيل في أي فترة من فترات التّاريخ.
كما يُمكِن القَول إنّ العَوْلمة الثَّقافية تعني أن ينتقل اهتمام الإنسان من المجال المحلِّي إلى المجال العالمي، وخروجه من المحيط الدّاخلي إلى المُحيط الخارجي، بالإضافة إلى زيادة الوعي بوحدة البشر، كما توحي العَوْلمة الثَّقافية إلى سيطرة الثَّقافات القوية ونشر قِيَمها وهيمنتها على الثَّقافات الضعيفة.
العولمة الإعلاميّة
يُقصد بالعولمة الإعلاميّة سيادة قيم ومفاهيم الدَّولة القوية والفعَّالة عبر وسائل الإعلام، وللعَوْلمة الإعلامية جذور قديمة مُرتبطة بتغطية الأخبار العالَميَّة، وقد بدأت في منتصف القرن التَّاسع عشر عندما أنشأ شارل هافس مكتبة الأخبار في فرنسا في عام 1832م والتي أصبحت تُدعى وكالة هافس، ومنذ ذلك الوقت أصبح للإعلام دور كبير وفاعل في المُجتمع في كافة الميادين، وإذا نظر الفرد إلى الوقت الذي كان يتطلبه وصول خبر من مكان إلى مكان آخر مقارنة بالوقت الحالي فعندئذٍ سوف يُدرك دور الإعلام في عصر العَولمة الحالية.
نتائج العولمة
وفي ما يأتي أهم النتائج الناجمة عن العولمة على الأصعدة الثقافية والسياسية والاقتصادية:
الصعيد الثّقافي
تعتبر الثّقافة قوة ديناميكية غير ثابتة وقابلة للتغيير، لذلك نجدها الأكثر تأثرًا بمظاهرالانفتاح العالمي الناتج عن العولمة، وما رافقه من تدفق ضخم للمعلومات والأموال والأيدي العاملة، مما عزز من اندماج الشعوب مع بعضها البعض، وعزز الاستثمار، وفتح العديد من الآفاق أمام الأفراد نحو فرص جديدة للتقدم والابتكار، وعلى الصعيد الآخر زاد ذلك من خطر فقدان الهوية المحلية، الأمر الذي تطلب اتباع مسار دقيق، كفيل بالموازنة ما بين تأثيرات العولمة، والحفاظ على الهوية، بوجود احترام متبادل للاختلاف، بصورة تضمن الحوار الإيجابي والسلام والتفاهم بين الجميع.
الصعيد السياسي
انبثق عن العولمة سياسيًا ظهور العديد من المنظمات الدولية، بما فيها: منظمة التجارة العالمية (WTO)، وهيئة الأمم المتحدة (UN)، وظهرت مفاهيم القانون الدولي، وفي هذا الصدد، فقد فعززت على نطاقٍ واسع مفاهيم حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية على المستوى الدولي.
الصعيد الاقتصادي
ينعكس التطور السريع المرافق للعولمة، مثل تطور أساليب النقل والاتصال على تقدم الجانب الاقتصادي العالمي، حيث عزز مفهوم التجارة الدولية، وحقق الميزة التنافسية للعديد من الشركات من خلال حصولها على المواد الأولية بأسعار زهيدة، وخفض كذلك من تكاليف العمال، و حقق الاستفادة من المهارات والخبرات الفنية الخارجية، كما تؤثر العولمة أيضاً على الخدمات، إذ تستعين بعض الشركات الخدماتية في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا مثلاً بمصادر خارج حدودها، وتستفيد الدول المستقبلة لهذه الشركات بالحصول على الوظائف ومحاربة البطالة في صفوف مواطنيها.
سلبيات العولمة
لكل ظاهرة عالمية جانبها المظلم، وينطبق ذلك على العولمة، إذ أثرت سلبًا على العديد من الجوانب، نذكر منها ما يأتي:
- فقدان الهوية الثقافية: في الوقت الذي أدت فيه العولمة إلى الاندماج الثقافي عالميًا، أدى ذلك إلى فقدان الهوية المحلية الخاصة بالأفراد والجماعات، وأفقدها عاداتها وسماتها المميزة، مما أفقد البشرية ما يسمى بالتنوع الثقافي العالمي.
- ظهور المشاكل الاقتصادية: خلقت العولمة العديد من المشاكل الاقتصادية على الصعيد العالمي، فقد أدت إلى هجرة الكفاءات والعقول من أوطانها للالتحاق بما يسمى التوظيف الدولي، ودفعت الشركات الكبرى على استغلال الأيدي العاملة بأجور قليلة.
- هيمنة وصراعات الدول الكبرى: ظهرت العديد من الصراعات السياسية بين قوى عالمية كبرى، بما في ذلك الصراع التجاري القائم والمستمر إلى وقتنا الحاضر بين كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية، والذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعولمة.