ما هي الأشهر الحرم
تعريف الأشهر الحُرم
الأشهر الحُرم هي: الأشهر التي جعلها الله مُحرّمةً، يدلّ على ذلك قَوْل الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّـهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّـهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ).
كما ورد في تعريف الأشهر الحُرم أنّها: الأشهر التي كتب الله فيها العهد والأمان على المشركين، قال الله -سبحانه وتعالى-: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشهُرُ الحُرُمُ فَاقتُلُوا المُشرِكينَ حَيثُ وَجَدتُموهُم وَخُذوهُم وَاحصُروهُم وَاقعُدوا لَهُم كُلَّ مَرصَدٍ فَإِن تابوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلّوا سَبيلَهُم إِنَّ اللَّـهَ غَفورٌ رَحيمٌ).
فتلك الأشهر مُحرّمةٌ؛ لأنّ الغزوات والمعارك كانت تتوقّف فيها، أمّا الدفاع عن النفس فلا يُحرّم في تلك الأشهر، وتجدر الإشارة إلى أنّ المعاصي محرّمةٌ في جميع السنّة، إلّا أنّها أشدّ تحريماً في الأشهر الحُرم.
منزلة الأشهر الحُرم في الإسلام
للأشهر الحُرم منزلةٌ عظيمةٌ عند الله -تعالى-، فقد اختصّها الله من بين شهور السنة، كما اختصّ غيرها من الخَلْق، والأزمنة، والأمكنة؛ فقد اختصّ من خَلْقه الرُّسل والملائكة، كما اختصّ من مواضع أرضه المساجد، ومن أيّام السنة يوم الجمعة، ومن الليالي ليلة القَدْر، ويدلّ على تلك المنزلة أنّ الله جعل الذنوب والمعاصي فيها أشدّ إثماً، بينما جعل الطاعات والعمل الصالح أعظم ثواباً وأجراً.
كما أنّ الظلم فيها أشد قُبحاً، وأعظم وِزْراً عمّا سواها من الشهور، ولذلك كان لتلك الشهور حقٌّ على المسلم بوجوب تعظيمها، وتشريفها بالعبادة والعمل الصالح كما شرّفها رب العزّة -سبحانه- بالتعظيم والتحريم.
الحِكمة من تحريم الأشهر الحُرم
تأتي الأشهر الحُرم كمحطّةٍ بين رُكنَين من أركان الإسلام، وهما: الصيام، والحجّ؛ إذ يأتي شهر رجب المُحرّم قبل شهر رمضان، فيكون فرصةً للاستعداد لصيام رمضان؛ تلك العبادة الجليلة التي تحتاج إلى شحذ النفوس، ومجاهدة النفس لتَرك ما تحبّه، بينما تأتي فريضة الحجّ في الأشهر الحُرم؛ لتتفرّغ النفس للعبادة.
ففرضيّة الحجّ فيها مَشقّةٌ تتطلّب بَذْل الجُهد والطاقة لأداء المناسك على الوجه المشروع، ويدلّ على ذلك ما ورد في السنّة النبويّة ممّا أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (قُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ، ألَا نَغْزُو ونُجَاهِدُ معكُمْ؟ فَقالَ: لَكِنَّ أحْسَنَ الجِهَادِ وأَجْمَلَهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ، فَقالَتْ عَائِشَةُ فلا أدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إذْ سَمِعْتُ هذا مِن رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-)،
وفي ذلك الموقف بيانٌ لحكمة الشريعة ومقاصدها الجليلة؛ إذ تسعى دائماً بأحكامها وتشريعاتها إلى جلب المصالح للمسلمين، ودرء المفاسد عنهم، ودفعهم إلى اتِّخاذ القرارات الرشيدة، بتهيئة الظروف المناسبة لاتِّخاذها؛ ولذلك كانت الأشهر الحُرم مُنعطفاً تُراجع فيه الأمّة نفسها، وتُخرج فيها أفضل ما عندها من القرارت الرشيدة، والسياسات الحصيفة، وبما يحقّق لها مصالح الدين والدُّنيا، ويدرأ عنها المفاسد.
ترتيب الأشهر الحُرم
ينفرد شهر رجب من بين الأشهر الحُرم بكونه يأتي مُنفرداً عن باقيها، بينما تأتي الأشهر الحُرم الأخرى مُتتاليةً؛ تعقب بعضها بعضاً؛ إذ يأتي ذو القعدة، ليتبعه ذو الحِجّة، ثمّ شهر الله المُحرّم.
وقد ورد في الأثر عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ أوّل الأشهر الحُرم هو شهر رجب، ويكون بين جُمادى وشعبان، ثمّ يكون ذو الحِجّة، ثمّ ذو القِعدة، ثمّ شهر المُحرّم.
وقد كان أهل الجاهليّة يتحايلون على الأشهر الحُرم؛ ليتمكّنوا من قتال أعدائهم فيها؛ فكانوا يُحلّون رجباً من عامٍ، ويحرّمون بدلاً منه شهر صَفْر، وبذلك تكون عندهم أربعة أشهرٍ مُحرَّمةٍ في العام الواحد، فإن حَلّ عامٌ آخر، عادوا إلى تحريم رجب مرّةً أخرى؛ ليكونوا بذلك قد حرّموا أربعة أشهرٍ؛ باعتقادهم أنّهم لم يخالفوا أمر الله -سبحانه-.
فقد روى ابن رشد عن الكلبيّ أنّ المشركين كانوا يُحلّون شهر الله المُحرّم في عامٍ، ليحرّموا بدلاً منه شهر صَفْر، ثمّ يأتي العام القابل، فيعيدون التحريم إلى شهر مُحرّم ويُحلّون شهر صَفْر، وهكذا كانوا يتناوبون على تحريم هذين الشهرَين في كلّ عامٍ، وذلك ما ورد فيه النهي بقول الله -تعالى-: (إِنَّمَا النَّسيءُ زِيادَةٌ فِي الكُفرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذينَ كَفَروا يُحِلّونَهُ عامًا وَيُحَرِّمونَهُ عامًا لِيُواطِئوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّـهُ فَيُحِلّوا ما حَرَّمَ اللَّـهُ زُيِّنَ لَهُم سوءُ أَعمالِهِم وَاللَّـهُ لا يَهدِي القَومَ الكافِرينَ).
وقد ورد في صحيح البخاريّ عن أبي بُكرة نفيع بن الحارث أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ والأرْضَ، السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ).
خصائص الأشهر الحُرم
تتميّز الأشهر الحُرم بالعديد من الخصائص والفضائل والميّزات، بيان البعض منها آتياً:
- تحريم القتال والظلم فيها.
- مُضاعفة الحسنات للعبادات والأعمال الصالحة فيها؛ وقد استدلّ العلماء على تلك الفضيلة بأنّ الله عظّم الذنوب فيها؛ دلالة على شرف تلك الأيّام ومنزلتها عند الله، مِمّا يدلّ على فَضْل الأعمال والطاعات فيها، وقال ابن القيّم -رحمه الله- مُبيّناً ذلك: "تُضاعف مقادير السيئات لا كمياتها، فإنّ السيئة جزاؤها السيئة، لكنّ سيئة كبيرة وجزاؤها مثلها، وصغيرة وجزاؤها مثلها، فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد منها في طرف من أطراف الأرض".
- أداء فريضة الحجّ في أيّام شهر ذي الحِجّة، وهو من الأشهر الحُرم، واشتماله أيضاً على خير الأيّام عند الله؛ وهي العشر من ذي الحِجّة التي أقسم الله -سبحانه- بها في قوله: (وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ)، كما أنّ أفضل الأيّام العشر يومُ عرفة؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟)، وكذلك يوم النّحر، الذي قال فيه النبيّ: (إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ).
- تغليظ دِيَة القتل في الأشهر الحُرم عند الشافعيّة والحنابلة، ومخالفة الإمام مالك والحنفيّة لهم.