ما هي آفات اللسان
تعريف آفات اللسان
تُعرّف الآفة بأنّها كلّ ما يُصيب الشيء فيُفسدُه، من عاهة أو مرض أو قحط"، وآفات اللسان شرعاً هي ما نَهى عنها الشَرع؛ حيث أولى الشرع عنايةً كبيرةً باللسان لأنّه ذو شأن خطير، وكل ما ينطق به المرء مُحاسَبٌ عليه، وذلك ما جاء في الآية الكريمة (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
وَرَدت الكثير من الأحاديث النبوية التي تحدّثت عن آفات اللسان، منها حديثُ الرّسول عليه الصلاة والسلام: (وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ).
بالإضافة إلى الحديث عنه عليه الصّلاة والسّلام: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)؛ فجميع هذه الأحاديث والآيات تدعوا لحفظِ اللّسان وصونهِ عن الخوض فيما يُفسدهُ من آفات، وغيرها.
أنواع آفات اللسان
فيما يأتي أنواع آفات اللسان:
الكلام فيما لا يعني الشخص
إنّ الخوضَ فيما لا يَعني المرء هو أحد آفات اللسان، ويُقصَد به الكَلام الذي لا يضرّ المرء عند السكوت عنه، ولا يُعتبَر آثماً في حال سكوته عنه، وقد يكون الكلام فيما لا يَعنيه أو السعي للحصول على مَعرفةٍ لا حاجة له بها، أو الإسهاب في الكلام للتودّد، أو إضاعة الوقت بكلام وأحاديث لا تُجدي نَفعاً ولا فائدة منها.
وللحدّ من هذه الآفة يجب على المَرء الحرص على حفظ لسانه من الكلام الفارغ، وتعويد نفسه على لزوم السكوت في الأمور التي لا تعنيه، وذلك ما يدُلّ عليه الحديث الشريف: (إنَّ من حُسْنِ إسلامِ المرءِ تَركَهُ ما لا يَعْنِيهِ).
اللعن
اللعن هو الطرد من رحمة الله، ولا يجوز إطلاق لفظ اللعن على أيّ شيءٍ كان، سواءً أكان إنساناً، أم حيواناً، أم جماداً.
كما أن اللعن على جماعة عامّة، أو مجموعة مُختصّة، أو شخص مُعيّن جميعها مذمومة ولا تجوز، ولا يَجب على الإنسان التهاوُن بألفاظ اللعن وتعويد لِسانه على تكرارها، وذلك اتّباعاً لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ليس المؤمنُ بطعَّانٍ ولا بلعَّانٍ).
فضول الكلام
تشملُ آفة فضول الكلام الخوض فيما لا يَعني المرء، والزيادة والمُبالَغة فيما يعنيه، وعدم الاختِصار والإيجاز في الكلام، وتِكرار الكلام وإعادَته دون فائدة، وذلك ما يُعتبَر فضول الكلام أي الإفاضة فيه.
وللحدِّ من هذه الآفة يجب على الإنسان تَعويد لسانه على ذكر حاجتهِ فقط من الكلام، وعدم المُبالغة أو الاستِزادة في غير موضِعها، وترويض لسانه على ذكر ما يَكفي لشرح حاجَته وللضّرورة. قال عليه الصلاة والسلام: (طُوبَى لِمَنْ أَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ لِسَانِهِ، وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ).
الخوض في الباطل
إنّ الخوضَ في الباطلِ هو التَحدُّث في المُحرّمات والمَعاصي، مثل: مجالس الخمور، وأمور النساء، ومَجالس الفسوق، وأمور الملوك وتجبّرهم وطُغيانهم، والخوضُ في المَحظورات التي حدثت سابقاً.
كَما يَشمل الخوض في الباطل التَحدُّث عن البِدَع والمذاهب الدينية الفاسدة، والخوض في الباطل؛ فجَميعها من آفاتِ اللسان التي على الشخص تجنّبها، وذلك ما دلّ عليه حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ خَطَايَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ خَوْضًا فِي الْبَاطِلِ).
الغيبة
الغيبة هي ذِكر عيوب شخصٍ ما في غيابه وتَعييبه بها، سواء كانت هذه العيوب في خُلُقه، أو جسده، أو نسبه، أو فعله، أو قوله، أو دينيه، أو أيّ أمرٍ لا يُحبُّه، حتى لو كان ما ذُكِرَ صحيحاً، فهي تُعدّ غيبة، وقد تكون في صُوَرٍ كثيرة مثل الكلام في ظهر الشخص، أو أفعال، أو الهمز واللمز، أو الابتِسامة الخفيّة، أو تبادُل النظرات، أو كلّ ما يُفهَم من حركات.
وأشدّ أنواع الغيبة هي غيبة القُرّاء المُرائين، أي من يَفهمون المقصود من الغيبة ولكن يُظهِرون عكس ذلك، وجميع ذلك مُحرّم لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ).
النميمة
النميمة هي نقلُ الكلام بين طرَفين، والكشف عن ما اؤتُمِنَ عليه الشخص، أو ما يُكره كشفه، وإفشاء السرّ، وقد تكون النّميمة عن طريق القول، أو الكتابة، أو الأفعال، كما تشمل كشف كلّ ما يراه الإنسان حتى لو لم يُؤتمَن عليه، فإذا كان ذلك نقصاً أو عيباً فتجتمع بذلك الغيبة والنميمة.
ودوافع النميمة هي إرادة السوء بالشخص المَحكي عنه، أو إظهار المَحبّةَ والتودُّد للمحكي له، أو الخوضُ في الباطل وفُضول الكلام، وجميع ذلك مُحرّمٌ كما جاء في الحديث الشريف: (لا يَدخلُ الجنّةَ نَمَّامٌ).
المراء والجدال
معنى المِراء والجدال هو الاعتراض على الكلام، وإظهارُ العلّة فيه من حيث لغته ونحوه والطريقة التي لُفِظَ فيها، أو مُخالفة معنى الكلام وقصد المُتكلِّم.
ويجب على المرء ترك المِراء والجدال والاعتراض والإنكار على الكلام؛ فإن كان الكلام صحيحاً عليه تصديقه، وإن كان ليس كذلك ولا يتعلّق بأمور الدين فعليه السكوت عنه، وجاء في الحديث الشريف: (لاَ تُمَارِ أَخَاكَ وَلاَ تُمَازِحْهُ وَلاَ تَعِدْهُ موعدًا فتُخلِفَه).
الخصومة
الخصومة في هذا السياق تعني الخصام بالباطل أو الخصام بغير علم، وإظهار اللَدد في الخصومة بهدف إيذاء الآخرين أو التسلُط عليهم، والمُزاح في الخصومة من خلال كلمات تُؤذي الآخر.
والعِناد في الخصام بغرض كسر الخصم، وجميع ذلك يُعدّ من آفات اللسان، ويجب الانتهاء عنه من خلال الكلِم الليّن والطيب لوضع حدٍّ للخُصومة، وذلك ما ذكره الحديث الشريف: (إنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَلانَ الْكَلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ).
التقعر بالكلام والتكلُّف
التقعر بالكلام بالتشدُق وتكلُف السجع والفصاحة هو التصنُع بالكلام والمُقدِّمات التي يتّبِعُها عادةً المُدّعين للخِطابة، وهو أمر مذموم، ويجب على المرء الاقتصار على الكلام المَقصود وتوصيل الأفكار المُرادة من كلامه دون تصنُّع مُبالَغ فيه ولا داعٍ له كي لا يدخل في الرّياء وإظهار الفصاحة.
وذلك ما جاء في الحديث الشريف عن الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنَّ مِن أبغضَكِم إليَّ وأبعدَكُم منِّي يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمُتشدِّقونَ والمُتفيهِقونَ).
الفحش والسب وبذاءة اللسان
يُقصَد بالفحش التعبير عن الأمور القبيحة بصريح العبارة وألفاظٍ لا يجوز التصريح بها، ولتجنّب الفحش في الكلام يجب استبدال الألفاظ غير المُناسِبة بألفاظٍ أُخرى للتعبير عن المُراد، أمّا السب وبذاءة اللسان فيجب أن يتجنّبهُما الإنسان لتجنُب الفحش في الكلام، وذلك ما وَرَدَ في الحديث الشريف: (إِنَّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ لَيْسَا مِنَ الإِسْلامِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسْلامًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا).
كلام ذي اللسانين
كلام ذي اللسانين هو الشخص الذي يُظهر المُوافقة والمُناصَرة لطرفين مُتعادين أو بينهما خصام؛ فإذا اجتمَع بأحد الطرفين أظهر وقوفَه إلى جانبه ومُناصرته وتَشجيعه، وإذا اجتمع بالطّرف الآخر أظهر ذات الموقف، أو نقل الكلام بين الطرفين المُتعاديين، أو إذا مدح أحد الأطراف وفور خروجِه من عنده قال عكسه فهو ذي لسانين، وهنا يُظهِر النِفاق والنميمة.
وذلك ما يدُل عليه الحديث الشريف: (تجدون شرَّ الناسِ يومَ القيامةِ عندَ اللهِ ذا الوجهينِ: الذي يأتي هؤلاءِ بوجْهٍ، ويأتي هؤلاءِ بوجْهٍ).
الغناء والشِعر
يُعتَبَر بعضُ الغناء من المُحرمّات التي يجب على المرء اجتنابها، أمّا الشعر فهو كالكلام؛ فحُسن كلامه حسن، وقُبح كلامه قباحة، ولا يُعدّ الشعر من المُحرّمات إلا إذا احتوى على كلامٍ مكروه، ويجب الحذر عند المُبالغة في المديح من الشعر كي لا يقع الإنسان في الكذِب. جاء في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (لَأنْ يمتلئَ جوفُ أحدِكم قيحًا حتَّى يَرِيَه خيرٌ له مِن أنْ يمتلئَ شِعرًا).
المزاح
يُقصَد بالمزاح في هذا السياق كثيره والإفراط أو المُبالغة فيه والمُداومة عليه؛ فالمُبالغة فيه تُسقِط الوقار والهيبة، وتُورِّث الضحك الذي يُميت القلب، والمُداومة عليه تؤدّي إلى الانشغال باللعب واللهو وإضاعة الوقت، أما قليله ويسيرُه يُستثنى من ذلك.
السخرية والاستهزاء
السّخرية والاستِهزاء هي ذكر عيوبِ الشّخص ونقائِصه بقصد الإضحاك والاستِهانة والتحقير، وقد يكون الاستِهزاءُ بصُورٍ عِدّة، من قول أو فعل أو إيماءات، أو تعييب الشخص بكَلامه أو بخلقَتِهِ.
وقد تكون السُخرية بالابتسامة البسيطة، أو الضحك بصوتٍ عالٍ، وإذا حدثت في غياب الشخص المقصود فتُعدّ غيبة، وهي جميعها أفعال منهي عنها، وذلك ما ذُكِرَ في الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِن نِسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
المدح
المدح هو تَقديم المديح في غير موضعه، ولا يجوز تقديم المديح المُفرِط لأنه يُدخل الشخصَ في الكذب نتيجة الإفراط في المَديح، أو الدخول في الرياء الذي ينتُج من عدم تصديق جميع ما يقوله المادِح، أو إدخالِ السّرور على قلب الممدوح وهو شخص ظالم أو فاسق وهو أمر لا يجوز.
كما يضُر المديح الممدوح من خلال إحداث العجب والكِبَر بنفسه، ويؤدّي إلى إعجابه ورضاه بنفسه، ويجب على الأشخاص الحذر وعدم المُبالغة أو الإفراط في تقديم المديح، وذلك اتّباعاً لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن كان أحدُكم مادِحًا لا مَحالةً فلْيقلْ: أَحسَبُ كذا وكذا، إن كان يَرى أنه كذلك، واللهُ حَسيبُه، ولا يُزَكِّي على اللهِ أحدًا).
إفشاء السر
إفشاءُ السر مَنهيٌّ عنه لِما فيه من خِيانةٍ وغدرٍ للشّخص الذي يُؤمِّن على أسراره، أمّا إذا كان إفشاء السر فيه شيء من الأذية واللوم فهو مُحرّم، ويجب على الإنسان صون الأمانة التي وُكِّلَت إليه وحفظها، وذلك ما يَدلّ عليه حديثُ الرّسول عليه الصلاة والسلام: (إذا حَدَّثَ الرجلُ الحديثَ ثم التَفَتَ فهي أمانةٌ).
الوعد الكاذب
الوعد الكاذب من آفات اللسان المنهي عنها، لِما فيه من نكث بالوعد، ويجب على المرء الالتزام بالوعود التي يُقدّمها والوفاء بها، إلّا إذا كان هناك عُذر قويّ، أمّا إذا تمّ تقديم الوعد مع العزم على النكوث به فهذا يُعدّ نفاقاً.
وذلك ما جاء في نص الحديث الشريف: (ثلاثٌ من كنَّ فيه فهو منافقٌ إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتُمن خان، قال رجلٌ يا رسولَ اللهِ ذهبت اثنتان وبَقيَت واحدةٌ قال فإنَّ عليه شعبةً من نفاقٍ ما بقي فيه منهنَّ شيءٌ).
الكذب في القول واليمين
الكذب في القول واليمين هو من أعظَمِ آفات اللسان لِما له من آثار وعواقِب سيّئة على الأشخاص، أبسطُها الاعتقاد بغير الحقيقة، والجهل بالشيء، وبذلك أذيّته، كما يُعدّ الكذب من أعظم الخطايا التي يجب أن يتجنّبها الإنسان كي لا يندم يوم القيامة، وذلك ما أشار إليه الحديث الشريف: (إياكم والكذبَ، فإنه مع الفجورِ، وهما في النارِ).
الغفلة عن الخطأ في الكلام
الغفلة عن دقائق الخطأ في فحوى الكلام تعني الأخطاء اللُغوية وزلل اللسان الذي قد يقع فيه الإنسان فيما يَتعلّق بالله عز وجلّ وصفاته، والأمور التي تَرتبط بأمور الدين، فيجب على العُلماء الفصحاء تصحيح اللفظ فيما يَتعلّق بأمور الدين، أمّا إذا حدث زلل اللسان بسبب جهل المُتحدِّث فيَعفو الله عنه.
ولِتَحصين الإنسان نفسه من الوُقوع في الخطأ على الله وصفاته فيجب عليه التأنّي في الكلام، وعدم إطلاق لسانه في الكلام الذي لا تَعود منه فائدة، وذلك ما دلّ عليه حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (مَنْ صَمَتَ نَجَا).
سؤال العوام عن صفات الله وكلامه
يَعني ذلك الامتِناع عن سُؤال العوام من الناس عن صفاتِ الله وكلامه، وغيرها من الأمور التي تخُص العلوم الدينية، وجديدها وقديمها، والأمور الدينية غير المُبيّنة، وذلك يُعتبر من أعظم الفتن الدينية، ولا يجب سؤال العوام عن تلك الأمور، بل عليهم الاكتِفاء بالأمور الدينيّة، والإيمانيّة من صلاة وقراءة للقرآن والتي لا تخوضُ في أمورٍ دينيّة عَميقة.