ما هي آداب الدعاء
الوضوء واستقبال القبلة
يُستحبّ للعبد قبل أن يبدأ بالدعاء ومناجاة الله -عزّ وجلّ- أن يتوضّأ ويستقبل القبلة، وفي هذا اقتداء بفعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وفيما يأتي أحاديث تدلّ على أنّ رسول الله كان يتوضأ ويستقبل القبلة في الدعاء:
- عن عمر بن الخطّاب وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قالا: (لَمَّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ- إلى المُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ- القِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ برَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تُهْلِكْ هذِه العِصَابَةَ مِن أَهْلِ الإسْلَامِ لا تُعْبَدْ في الأرْضِ، فَما زَالَ يَهْتِفُ برَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، حتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عن مَنْكِبَيْهِ).
البدء بحمد الله والثناء عليه
إنّ من آداب الدّعاء ليكون دعاء المسلم أقرب للإجابة ويحصل له منه أكبر أجر وفائدة أعظم أن يبدأ الدّعاء بحمد الله -تعالى- والثناء عليه ، وأن يتخيّر لذلك أفضل ما يحسنه من الألفاظ التي تليق بالله -جلّ جلاله- ويتخيّر أنبل الصّفات وأكرمها، فهو يخاطب ملك الملوك، وأن يختم دعاءه بالثناء والحمد.
والدّليل على استحباب ذلك: عن فضالة بن عبيد -رضيَ الله عنه- قال: (سمعَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ- رجُلًا يدعو في صَلاتهِ، ولم يحمَدِ اللهَ، ولم يُصلِّ علَى النَّبيِّ -صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ-، فقالَ: عجِلَ هذا، ثمَّ دعاهُ، فقالَ: إذا صلَّى أحدُكم فليبدَأْ بتحميدِ ربِّهِ والثَّناءِ علَيهِ، ثمَّ يصلِّي علَى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ، ثمَّ يدعو بعدُ بما شاءَ).
الصلاة على النبي
إنّ الصلاة على النبيّ من الآداب التي يحسن بالداعي مراعاتها عند شروعه بالدعاء، وذلك لأنّ الصّلاة على النبيّ تجعل الدعاء أدعى للقبول، وينال العبد بها أجر الصّلاة على النبيّ، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً؛ صلَّى اللهُ عليه عشرَ صلواتٍ، وحطَّ عنه بها عشرَ سيئاتٍ، ورفعَه بها عشرَ درجاتٍ)، وللصّلاة على النبيّ أثناء الدّعاء ثلاثة مواضع؛ وهي:
- أن يُصلّي على النبيّ قبل الدّعاء وبعد الحمد والثناء.
- أن يُصلّي على النبيّ أوّل الدّعاء وأوسطه وآخره.
- أن يُصلّي على النبيّ أوّل الدّعاء وآخره.
رفع اليدين أثناء الدعاء
إنّ رفع اليدين أثناء الدّعاء هو شعار للتذلّل والخضوع لله -تعالى-، وكلّما ازدادت حاجة الدّاعي يرفع يديه أكثر، لذا فإنّ رفع اليدين في الاستسقاء أكثر لشدّة حاجة المسلمين للمطر، والدليل على أنّ رفع اليدين من آداب الدعاء قول أنس بن مالك -رضيَ الله عنه-: (رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَرْفَعُ يَدَيْهِ في الدُّعَاءِ، حتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ).
التوبة والاعتراف بالذنب
إنّ التوبة والاعتراف بالذّنب أثناء الدّعاء هو من آداب الدّعاء ومن أسباب قبوله -بإذن الله-، وهذا هو خُلق الأنبياء، وممّا علّمه رسول الله لأصحابه وأمّته من بعده، والدّليل فيما يأتي:
- قال -تعالى- حكايةً عن النبيّ آدم -عليه السّلام- وزوجه: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
- قال -تعالى- حكايةً عن النبيّ موسى -عليه السّلام-: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي).
- قال -تعالى- حكايةً عن النبيّ يونس -عليه السّلام-: (فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).
- عن أبي بكر الصدّيق -رضيَ الله عنه- أنّه قال لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (عَلِّمْنِي دُعَاءً أدْعُو به في صَلَاتِي، قالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ).
الإلحاح في الدعاء
الإلحاح في اللّغة يعني الإقبال على الشيء ولزومه والمواظبة عليه، والإلحاح بالدّعاء يعني إكثاره وتكراره، وترديد صفات الله ودعائه بأسمائه، واللّجوء إليه والإقرار بألوهيّته وربوبيّته، هو من آداب الدعاء التي تدلّ على صدق الداعي في دعائه، والتي قد تكون من أعظم أسباب الإجابة.
والدليل عليها ما ورد في الحديث الصحيح الذي يُبيّن فيه رسول الله أنّ العبد إذا كان مأكله حرام ومشربه حرام فهذا يمنع إجابة دعائه، حتّى وإن كان لحوحًا فيه، فقد جاء في ذلك الحديث: (يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟).
عدم استعجال الإجابة
إنّ عدم استعجال الإجابة من الأمور المهمّة للدّاعي، فهو يستمر على دعائه بلا يأس ولا قنوط، فيكون على يقين من أنّ استمراره في الدعاء خيرٌ له، وأنّ تأخّر إجابة دعائه هو خيرٌ له أيضًا، فيجني ثواب ذلك، أمّا إذا استعجل وملّ وترك الدعاء فإنّ هذا يمكن أن يكون سببًا في عدم قبول دعائه وإجابته، ففي الحديث الصّحيح الذي رواه أبو هريرة -رضيَ الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي).
تجنب التكلف في صياغة الدعاء
ممّا ينبغي تجنّبه أثناء الدعاء هو التكلّف في صياغته، واختيار الألفاظ المنمّقة التي لها قافية واحدة وتعمّد ذلك، فالسّجع -وهو الكلام المقفّى من غير مراعاة وزن- من الأشياء المكروهة في الدعاء التي لم يكن يفعلها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ولا أصحابه، وقد ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: "فَانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ؛ فإنِّي عَهِدْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَصْحَابَهُ لا يَفْعَلُونَ إلَّا ذلكَ"، "يَعْنِي لا يَفْعَلُونَ إلَّا ذلكَ الِاجْتِنَابَ".
خفض الصوت في الدعاء
خفض الصّوت بالدعاء بين الجهر والمخافتة من آداب الدّعاء التي دلّت عليها آيات القرآن الكريم، ومنها قوله -تعالى-: (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ)، وقد ذكر ابن القيّم -رحمه الله- جملة من فوائد هذا الأدب، فيما يأتي بعضها:
- خفض الصّوت بالدّعاء أعظم إيمانًا وأبلغ في الأدب والتعظيم.
- خفض الصّوت بالدّعاء أبلغ في التضرّع والخشوع والإخلاص.
- خفض الصّوت بالدّعاء دليل حضور القلب وقُرب الداعي من الله -تعالى-.
- خفض الصّوت بالدّعاء أدعى لدوام الطلب والسؤال ودعاء الله في كلّ حين.
حضور القلب أثناء الدعاء
إنّ أفضل الأدعية ما يحضر فيها القلب أثناء الدّعاء، لأنّ حضور القلب من أعظم مقاصد الدعاء ومن أبلغ أسباب الإجابة، فالعبد إذا دعا استحضر قلبه واستجمع فكره أثناء الدعاء وأيقن أنّ دعاءه هو خيرٌ له لا محالة، وقد ورد في حديثٍ سنده فيه ضعف قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ادْعوا اللهَ وأنتم موقنون بالإجابةِ، واعلَموا أنَّ اللهَ -تعالَى- لا يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ).
آداب أخرى للدعاء
بالإضافة إلى ما ذُكر؛ فيما يأتي بعض الآداب الأخرى للدّعاء:
- الإخلاص لله -تعالى-، وسؤال الله وحده.
- الدّعاء في الشدّة والرخاء.
- عدم الدّعاء على النّفس، أو المال، أو الولد، أو الأهل.
- التضرّع، والخشوع، والرغبة، والرهبة.
- رد المظالم إلى أهلها.
- الدّعاء ثلاثًا.
- عدم الاعتداء في الدّعاء.
- أن يبدأ الداعي بنفسه إذا أراد الدّعاء لغيره.
- أن يتوسّل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا ، أو بعمل صالح قام به.
- أن لا يدعو بإثم أو قطيعة رحم.
- أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
- أن يبتعد عن جميع المعاصي.