ما هو نعيم القبر
حال الإنسان بعد الموت
ينتظرُ الميت بعد موتهِ ووضعهِ في قبرهِ أموراً كثيرةً، وأحداثاً ليست كأحداثِ الدنيا، التي مرّت بهِ، فهي أحداثٌ عظيمةٌ وخطيرةٌ، ومن هذه الأحداث ما يكونُ في القبرِ ، ومنها ما يكونُ يوم النشورِ بعد البعثِ من القبورِ. أما الأحداث التي في القبرِ فهي فتنةُ القبرِ، وعذابُ القبرِ أو نعيمه.
فتنة القبر
وهي أنَّ الميت يُمتحنُ عند وضعهِ في القبر، إذ يأتي للميت مَلكان يسألانهِ أسئلةَ التوحيدِ والعقيدةِ السليمةِ، وهي ثلاثةُ أسئلةٍ: من ربك؟ ثم ما هو دينك؟ ومن الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيجيبُ المؤمن فيقول: ربيَّ الله، وديني الإسلام ، وأما من بعثهُ الله فيقولُ المؤمن: هو عبد الله ورسوله.
وأما الكافرُ فيقول: هاه، هاه، لا أدري، والمنافقُ يجيب: لا أدري، سمعت الناس يتحادثون فقلتُ كما قالوا. وهذانِ الملكَان، يُسمى أحَدهمَا مُنكرٌ، وَالْآخرُ يدعى نكير، يأتيانِ للْمَيِّت فِي قَبره، فإما يبشرانهِ وَإِما يحذرانهِ.
وسُؤال الملكين حق، والدليل على ذلك الحديث الذي رواه عطاء بن يسار حيث قال: (قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ لعمرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ: يا عمرُ كيفَ بك إذا متَّ، فقاسوا لك ثلاثةَ أذرعٍ وشبرًا في ذراعٍ وشبرٍ، ثم رجعوا إليك وغسَّلوكَ وكفَّنوك وحنَّطوك، ثم احتملوك حتى يضعوكَ فيه، ثم يُهيلوا عليك الترابَ، فإذا انصرفوا عنك أتاك فتَّانا القبرِ: منكرٌ ونكيرٌ أصواتُهما كالرعدِ القاصفِ، وأبصارُهما كالبرقِ الخاطفِ، فتلتلاكَ وثرثراكَ وهولاكَ، فكيفَ بك عِندَ ذلك يا عمرُ؟ قال: يا رسولَ اللهِ، ومعي عَقْلي؟ قال: نعم قال: إذن أَكْفِيكُهما)
وروى عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، واسْأَلُوا اللهَ لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسَأَلُ)، وأما الدليلُ من القرآنِ الكريمِ على ثبوتِ سؤال الملكين، قوله تعالى: ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ).
عذاب القبر ونعيمه
بعد سؤال الملكين للميت، وانتهاء المرحلة الأولى وهي فتنة القبر، تأتي المرحلة الثانية، وهي ما ترتب على المرحلة الأولى، مرحلة عذاب القبر ونعيمه. وعذاب القبر على نوعين: عذاب القبر الدائم، كما ورد في قوله تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا)، ومن عذاب القبر ما يكون منقطع العذاب، وهذا النوع من العذاب يختص بالعصاة من المسلمين، فيُعذّب الله سبحانه الميت بحسب جرمه الذي اقترفه، ثم يخفّف العذاب عنه، والعذاب قد ينقطع عن الميت بدعاء ولد صالح أو صدقة، أوغير ذلك من الأمور التي تُفيد الميت.
نعيم القبر
بعد فتنة القبر (البرزخ) والتي هي الاختبارُ الذي يَخضعُ له الميت إذا دُفن، وبعد أن يُجيب المؤمن عن الأسئلةِ الثلاثةِ، فإنَّ الله سبحانه وتعالى يكونُ قد أعدَّ لعباده المؤمنين، ما يتنعمون بهِ في القبر. وهذا النعيم كالآتي:
- النعيم الأول: ينادي منادٍ من السماءِ فيقول: أن قد صدقَ عبدي، فيُصدق، ويسمعهُ الميت صاحبُ الشأنِ، فيزدادَ بذلك فرحاً، بعد أن شهد له شاهدٌ بصدقهِ من السماءِ، ويُعتبرُ هذا الأمرُ من نعيمِ القبر؛ لأنَّ الإنسانَ بطبعهِ إذا صُدِّقَ في قولهِ، ازداد فرحاً وسروراً بذلك. بعكس المنافق أو المرتاب، الذي يُجيب: هاه هاه، لا أدري، لقد سمعتُ الناس يقولون شيئاً فقلتُ مثل ما قالوا، فينادي المنادي من السماءِ ويقول: أن كذبَ عبدي؛ فهو يدري، أنَّ لا إله إلا الله، وهو يدري أنَّ مُحمداً رسول الله، وهو يدري أنَّ الدين عند الله هو الإسلام، ولكنّهُ عاندَ وأصرَّ، فيقالُ لهُ: كذب عبدي.
- النعيم الثاني: الذي يجده الميت في القبر غير تصديقهِ، أنَّه يُفسحُ لهُ في قبرهِ، حتى يَتسِعَ، ويُفتحُ لهُ بابٌ يؤدي إلى الجنةِ.
- النعيم الثالث: أنَّه يأتيهِ عملهُ الصالح في القبر، ليكونَ مؤنساً لهُ في قبرهِ، فيجلس عنده يُؤنسهُ.
أدلة نعيم القبر
وردت أحاديث كثيرة في عذابِ القبرِ ونعيمه، وهي دلالةٌ واضحةٌ على وجودهِ، وأنَّ العبدَ يَمرُّ بهذه المراحلِ بعد موتهِ ، ومن هذه الأحاديث: ما رُوي في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: إن العبدَ إذا وُضِعَ في قَبرِه، وتولى عنه أصحابَه، وإنه ليسمعُ قَرْعَ نعالِهم أتاه ملكانِ، فَيُقعَدانِه فيقولانِ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ، لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فأما المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنه عبدُ اللهِ ورسولُه، فَيُقالُ له: انظرْ إلى مقعدِكَ من النارِ قد أبدلك اللهُ به مقعدًا من الجنةِ، فيراهما جميعًا. قال قَتادَةُ وذكر لنا: أنه يُفْسحُ في قبرِه، ثم رجع إلى حديثِ أنسٍ، قال: وأما المنافقُ والكافرُ فَيُقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ فيقولُ: لا أدري، كنتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ، فَيُقالُ: لا دَريتَ ولا تَليتَ، ويُضْرَبُ بِمَطارِقَ من حديدٍ ضربةً، فيصيحُ صيحةً، يَسمعُها من يليِه غيرَ الثقلين). وروى أبو سعيد الخدري عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: (القبرُ روضةٌ مِنْ رياضِ الجنةِ أوْ حفرةٌ مِنْ حفرِ النارِ)
فوائد الإيمان بما بعد الموت
أحداث ما بعد الموت كثيرةٌ وعظيمةٌ، وإذا أراد المسلم أن يَتّقيها، عليه بالإيمان بها، وإذا آمن بها تحققت فوائد عديدةٌ منها:
- الإيمان بما بعد الموت وما فيه من أحداث يَحملُ المسلم على العملِ ، في طاعةِ الله تعالى، والاستعدادِ لهذا اليوم؛ كما قال سبحانه وتعالى: (فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلًا صالِحًا وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).
- يُشجّع المسلم على الثباتِ والصمودِ، وقتَ لقاءِ الأعداءِ، فهو يَجعلُ المسلمَ يُدركَ أنَّ له بعد الموتِ حياة أخرى، وأنَّ الله سيُكافئهُ في الآخرةِ على عملهِ، فإن انتصر على العدو فرِحَ وغَنِمَ في الدنيا، وإن استشهدَ نَالَ أجرَ الشهادةِ ودخلَ الجنَّة.
- يُقوّي صبرَ المسلمِ على الشدائدِ، ويزيد من قوةِ تحمّلهِ للصعابِ، وما يواجهُ من مشكلاتٍ، وما يتعرضُ لهُ من ظلمِ العبادِ، فهو يعرفُ أنَّ الحياةَ الدنيا زائلة، وكل فردٍ سيُجزى على ما عمِلَ في الدنيا.
- يُبعدُ المسلمَ عن ظلمِ الآخرين، ويُبعدهُ عن الغشِ، وشهادةِ الزورِ، وأكلِ أموالِ النَّاس بالباطلِ، فهو يُدركُ ما ينتظرهُ بعد الموتِ فيتجنّب كل أنواع البغي والفساد، ولا يغفل لحظةً واحدةً عن انتهازها في طاعةِ الله عزَّ وجلَّ، ونيل رضاه، ويستعد لهذا اليومِ بالأعمالِ الصالحةِ، التي تُنجيهِ، وتُجنّبهُ أهوال هذا اليوم. والدليلُ على ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذينَ لا يَرجونَ لِقاءَنا وَرَضوا بِالحَياةِ الدُّنيا وَاطمَأَنّوا بِها وَالَّذينَ هُم عَن آياتِنا غافِلونَ*أُولـئِكَ مَأواهُمُ النّارُ بِما كانوا يَكسِبونَ).