ما هو علم الكلام
تعريف علم الكلام
يُطلق علم الكلام على العِلم الذي يقوم بإثبات العقائد الدينيّة ، من خلال ذكر الحُجج عليها ورفع الشُّبهات عنها، ويستند هذا العلم إلى عالِمان: أحدهما الإمام المالكي أبو الحسن الأشعري، وقيل إنّه شافعيّ، وثانيهما الإمام الحنفي أبو منصور الماتريدي، ويندرج علم الكلام ضمن الإيمان وعلم التوحيد، فلا يُعدّ علماً مستقلّاً بذاته لوجود أسسه ومبادئه ضمن علم التوحيد، ويعود سبب تسميته بهذا الاسم إلى العديد من الأسباب، فيما يأتي بيانها:
- كان المُتكلّمون في علم القعائد يصنّفون مباحث مصنّفاتهم فيقولون: الكلام في هذا وهذا.
- يمنح صاحبه القدرة على الكلام في تحقيق الشرعيات، ويعد كالمنطق بالنسبة إلى علم الفلسفة، والمنطق يُرادف الكلام.
- يتميّز عن غيره من العلوم بحصوله عند صاحبه بالبحث والكلام، في حين إنّ غيره من العلوم تتحصّل بالمطالعة والتأمّل.
- ثكثُر المسائل الخلافيّة والنزاعات فيه، مما دفع إلى قلّة الكلام فيه مع الطرف المخالف له.
- أصبح كأنه هو الكلام، وغيره لا يُعدّ كلاماً؛ وذلك لقوّة أدلته، حيث يستند إلى الأدلّة الواردة بالنصوص القطعيّة، ممّا جعل تأثيرها على متلقّيها أكبر من غيرها من العلوم.
- قيل إنّ هذا العلم سُمّي بذلك لأنه أهله أكثروا فيه الكلام والقيل والقال، فأصبح ذلك سمة لأهله.
نشأة علم الكلام
انشغل المسلمون الأُوَل بفهم تعاليم الدين ونشر رسالة الإسلام ، وقد ردّ القرآن على كل من شكّكَ بالدين، أو رفضه، أو أثار الشُّبهات حوله، وتحدّاهم بالكثير من الآيات لكنهم عجزوا، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُرشد صحابته ويُصوّب أخطائهم، ويُقدّم لهم النصيحة، ويرفض أن تجري النقاشات بينهم في الأمور العقدية، ويغضب لذلك، أمّا بعد وفاة رسول الله في عهد أبي بكر وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- فقد بدأ تتأسّس القواعد الكلامية التي شكّلت بذور علم الكلام والتي أثمرت بعد ذلك في الخلافة العباسية، حيث ظهر علم الكلام في بداياته الأولى في أواخر عصر الصحابة، لكن معالمه لم تكن واضحة، ومن ذلك ظهور معبد الجهني وغيره في ذلك العصر، وتكلّمهم في مسائل العقيدة كالقدر، وصفات الله، وكون القرآن مخلوق أم لا، إلى غير ذلك من المسائل.
وقد بدأ البحث في علم العقائد منذ زمن الخلافة العباسية ، وقد أدّت إلى نشأة هذا العلم وتطوّره مجموعةً من العوامل الداخلية والخارجية، أمّا العوامل الداخلية فتعود إلى ردّ القرآن الكريم على الفِرق المُخالفة التي بدأت تقول أقوالاً لا أصل لها، كما أنّ المسلمون في هذا الوقت كانوا قد انتهوا من الفتوحات وانشغالاتها، فبدأوا يعيشون حياةً يملؤها الاستقرار، مما دفعهم إلى البحث، فتعارضت أقوالهم واختلفت آراؤهم، أمّا الأسباب الخارجيّة فتعود إلى اتِّساع رُقعة الدولة الإسلامية بعد الفتوحات ودخول العديد من الناس في الإسلام، فأصبح هؤلاء النّاس يُدخلون عقائدهم في دياناتهم القديمة إلى الإسلام، وأصبح صاحب كلّ دين يحاول أن يُظهر نفسه ويدحض غيره من الديانات، كما أنّ حاجتهم إلى دراسة الفلسفة دعتهم إلى دراسة الفلسفة اليونانية، والبحث فيها، والتكلّم بها، فكان نتاج كل هذا أن نشأ علم الكلام وموضوعاته.
أسماء أخرى لعلم الكلام
سُمّي علم الكلام بالعديد من الأسماء؛ منها الاعتقاد، ومن المؤلّفات في ذلك "كتاب اعتقاد أئمة الحديث" لأبي بكر الإسماعيلي، ومن أسمائه العقائد، ومن المؤلّفات في ذلك "كتاب قواعد العقائد" للإمام الغزالي، ومن أسمائه التوحيد، ومن المؤلّفات في ذلك "كتاب التوحيد في الجامع الصحيح" للإمام البخاري، ومن أسمائها السنة، ومن المؤلّفات في ذلك "كتاب السنّة" للإمام أحمد بن حنبل، وسُمّي علم الكلام أيضاً بأصول الدين ، ومن المؤلّفات في ذلك "كتاب الإبانة عن أصول الديانة" للإمام الأشعري، ومن أسمائه أيضاً علم الصفات، وعلم النظر والاستدلال، والفقه الأكبر.
موضوعات علم الكلام
يتمحور علم الكلام عند أهل السُّنة والجماعة حول العديد من الموضوعات، منها: الله -عزّ وجل- في ذاته وصفاته، وما يجب له من الصفات؛ كالعلم، والحياة، والقدرة، وهو -سبحانه وتعالى- الذي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، ومن الموضوعات كذلك ما يمتنع عنه الله -عزّ وجل- من الصفات؛ كالظلم، والنقص، والعجز، وما يجب على عباده تجاهه، فقد قال -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، والإيمان بالله -تعالى- وتوحيده ونفي الشريك عنه، وبيان معنى الشرك والكفر، وماهيّتهما، وأنواعهما، ونفي صفات المخلوقات عن الخالق، وفيه مواجهة الذين قالوا بقِدَمِ العالم، حيث أثبت أهل علم الكلام حدوث المخلوقات ما سِوى الله -تعالى-، وقد تحدّث علماء علم الكلام حول رؤية الله -عزّ وجلّ- في الجنّة ، وعن أفعال العباد وإرادتهم فيها، وحكم الله -تعالى- فيمن مات مُرتكباً لكبيرةٍ من الكبائر ، والكلام عن إمامة المسلمين وشروطها.
غاية علم الكلام
انقسم النّاس إلى قسمين في الغاية من علم الكلام، فهناك من جعل غايته وضع الحُجج والبراهين من أجل الردّ على المُبتدعة، وهناك من جعل غاية هذا العلم الاستدلال بالنصوص النقليّة القطعيّة أو العقليّة وفقاً لقواعد الاستدلال من أجل إثبات المواضيع العقديّة، وبالمجمل فإن غايات علم الكلام تتمثّل بالدفاع عن العقائد الإسلامية أمام حجج المُبطلين والمُشكّكين والرافضين، ثم تندرج بعد ذلك غايات أخرى؛ كالفائدة الشخصية للباحث في هذا العلم، وإفادة المجتمع وتوجيههم، ووضع قواعد للعلوم الشرعية، والفوز بالجنّة ورضا الله -عزّ وجلّ- في الدنيا والآخرة .