ما هو توحيد الربوبية
تعريف توحيد الربوبية
إنَّ توحيد الربوبيّة في اللّغة مبنيٌ على معنى الربِّ، والربُّ هو السيّد، والمصلح، والمالك، والمربي، أمَّا في الاصطلاح الشرعي فإنَّ توحيد الربوبيّة يعرَّف على أنَّه الإقرار بأنَّ الله - سبحانه وتعالى- هو ربّ كل شيءٍ ومليكه ، وأنّ الله -تبارك وتعالى- هو الخالق، والرازق، والمحيي، والمميت، والنافع .
توحيد الربوبية في القرآن
ورد في القرآن الكريم عددًا من الآيات التي تدلُّ على توحيد الربوبيّة، وفيما يأتي ذكر بعض هذه الأدلّة:
- قال الله -تعالى-: (أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
- قال الله -تعالى-: (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ).
- قال الله -تعالى-: (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ).
- قال الله -تعالى-: (ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
- قال الله -تعالى-: (اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).
دلائل ربوبية الله تعالى
إنَّ الدلائل على ربوبيّة الله -عزَّ وجلَّ- على خلقه كثيرة ومتنوعة، وفي هذه الفقرات سيتمُّ ذكر بعضها:
دلالة الفطرة
الفطرة معنىً من معاني القوة التي تُخلقُ مع الإنسان منذ لحظة وجوده، وإنَّ الإنسانَ يُولد على الإقرار بتوحيد الله -عزَّ وجلَّ- وأنَّ له ربًّا مدبّرًا وخالقًا، ودليل ذلك ما رواه أبو هريرة -رضيَ الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (ما مِن مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ).
دلالة الأنفس
تعدّ دلالة الأنفس طريقة من طرق التعرِّف على الله -عزَّ وجلَّ- والتي تتمثّل في إمعان نظر الإنسان في ربّه، ومعرفة العجاب في خلقه، والتي لا يُمكن أن يكون هذا الخلق ناشئًا عن صدفةٍ؛ بل لا بدَّ أن يكون وراء هذا الخلق ربًّا حكيمًا قادرًا، وقد جاءت هذه الدلالة في قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَك* فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ).
دلالة الآفاق
تتمثّل هذه الدلالة في نظرِ المسلمِ في آفاق هذا الكونِ، والتمعّن في طريقةِ خلقه، والعجائب الموجودةِ فيه، فمن تأمّل في ذلك كلِّه، علمَ وتيقنَّ أنَّ هذا النّظام الكامل التامّ الذي لا ينقصه شيء لا بدَّ أن يكون له خالقًا، وقد جاءت هذه الدلالة في قول الله -تعالى-: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
علاقة توحيد الربوبية بتوحيد الألوهية
إنَّ توحيد الربوبيّةِ يعدُّ جزءً من التوحيدِ، وهو نوعٌ من أنواعه، فمن أقرَّ بربوبيّة الله -عزَّ وجلَّ- وأنَّه هو خالقُ هذا الكونِ والمتصرّف به وحده دون الإقرار باستحاق الله للعبادة -توحيد الألوهية-؛ لا يُمكن أن يُقالَ عنه موحدًا، ودليل ذلك أنَّ مشركي قريشٍ كانوا يقرُّون بتوحيد الربوبيّةِ مع ذلك فإنَّه لم يُحكم عليهم بالإيمان.
وقد تحدَّث القرآن الكريم عن إقرار المشركين في ربوبيّة الله حيث قال الله -تعالى-: (قُلْ لِمَنِ الآرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ* قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ).
وبناءً على ذلك، فإنَّ المقرَّ بربوبيّةِ الله -عزَّ وجلَّ- لا يُمكن أن يُحكمَ عليه بأنَّه موحدٌ لله حتى يوحّد الله في ألوهيّته، وينطق بكلمةِ التوحيد، ويقرّ في قلبه بأنَّ الله -عزَّ وجلَّ- هو المستحقَّ الوحيد للعبادةِ، فلا يُصرف أيُّ نوعٍ من أنواع العبادةِ إلَّا إليه.
ثمرات توحيد الربوبية
إنَّ في توحيد الربوبيّة وإقرار الإنسان بأنَّ الله -عزَّ وجلَّ- هو ربُّ كلِّ شيءٍ وخالقه، ثمرات وفوائد عائدةٌ عليه، وفي هذه الفقرة ذكر بعض هذه الثمرات:
- الأنس وراحة القلب
إقرارُ الإنسانِ بأنَّ له ربًّا خالقًا قادرًا يلجأ إليه عند الشدائد، يجعل في قلبه طمأنينةً عظيمةً، ولا سيّما عند إدراك المسلمِ أنَّ هذا الربَّ الذي يوحّده حكيمًا عليمًا.
- قطع الطمع في المخلوقين
إذ إنَّ إقرار المسلمِ بأنَّ الرازق هو الله وحده، يجعله ينصرف إلى الطلب منه وحده، من غير أن يذلَّ نفسه إلى البشر.
- نزع الخوف من قلبه، وتربية الشجاعة فيه
إذ إنَّ الإقرار بأنَّ الله -عزَّ وجلَّ- وحده الضارّ والنافع، وأنَّ الإنسان لن يُصيبه إلَّا ما قد كتبه الله له، يُربّي فيه الشجاعة وعدم مخافة غير الله.
مظاهر الانحراف في توحيد الربوبية
بالرغمِ من أنَّ توحيد الربوبيّة أمرٌ قد جُبل عليه الإنسان منذ ولادته، إلَّا أنَّ هناك بعض البشرِ مَن حصل له انحرافٌ فيه، وفي هذه الفقرةِ سيتمُّ ذكر مظاهر الانحراف في توحيد الربوبيّة، وفيما يأتي ذلك:
- إنكار وجود الله -سبحانه وتعالى-
إذ إنَّ الإنحراف في توحيد الربوبيّةِ يؤدي إلى الجحود في وجود الله -عزَّ وجلَّ-، ممّا يُوصل إلى إسناد وجود هذا الكون بما فيه إلى الصدفةِ والطبيعة، وقد دلَّ على هذا المظهر قول الله -تعالى- على لسان من أنكر وجوده: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ).
- إنكار بعض خصائص الله -عزَّ وجلَّ- من حيث الربوبية
فتجد بعض من حصل لهم انحرافٌ في هذا النوعِ من التوحيد ينفي قدرة الله على إماتته، أو على إحيائه من جديدٍ.
- إعطاء شيئًا من خصائص الله لغير الله
فتجد مَن يعتقد وجودَ متصرفٍ مع الله -عزَّ وجلَّ- في هذا الكون، أو يعتقد أنَّ أحدًا من البشرِ يستطيع دفع أو جلب الضرِّ له، فيكونُ قد أعطى غيرَ الله شيئًا من خصائص الربوبيّة، وهذا بالطبعِ يؤدي به إلى الشّركِ بالله -تعالى-.