ما هو العصر الجاهلي
تعريف العصر الجاهلي
تم إطلاق اسم العصر الجاهلي على ما يقابل عصر الإسلام، في زمن ضلالة العرب، وعبادتهم الأوثان، فقد قيل: "إن هذا اللفظ حدثَ في الإسلام، للزمن الذي سبق البعثة النبوية". ويطلق في اصطلاح أصحاب السِّير والتأريخ اسم "الجاهلي" على من لم يدرك الإسلام، و"الإسلامي" على من عايش البعثة النبوية، ولم تُدركه الجاهلية، و"المخضرم" على من أدرك أواخر الجاهلية وأوائل الإسلام.
ولم يتّفق أهل التاريخ على تحديد بداية عصر الجاهلية ولا نهايته، فبعضهم يعيده إلى بداية البشرية، منذ بعثة سيدنا آدم ـ عليه السلام ـ، حتى أن بعضهم يرى وجود جاهليتين، أخذاً من قوله -تعالى-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)، على أن الجاهلية الأولى: هي التي وُلد فيها إبراهيم ـ عليه السلام ـ، والأخرى: هي التي ولد فيها نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
كما أنهم لم يتفقوا على تعيين الحد الفاصل بين عصر الإسلام وعصر الجاهلية، فقد قال بعضهم: هو البعثة النبوية، وقد قال آخرون: هو الهجرة النبوية، في حين قال غيرهم: هو فتح مكة، ويرى بعض الباحثين أنه لا يتجاوز مئتي سنة، ويحدده آخرون بمئة وعشرين سنة.
سبب تسمية العصر الجاهلي بهذا الاسم
يختلف سبب تسمية عصر الجاهلية باختلاف أهل الاصطلاحات والفنون:
- في علم التاريخ
- يمكن إرجاع التسمية إلى الجهلِ بأحوال ذلك الزمن على وجه التحقيق والتفصيل.
- في علوم الأدب
- ترتبطُ التسمية بالجهالة، التي هي نقيض العلم والمعرفة، وكذا الجهل بالقراءة والكتابة المسيطرِ على ذلك العصر.
- في علوم الدين والشرعية
- فغالباً ما يطلق الاسم على معنى مقابل ومناقض لتعاليم الدين وأوامره.
ويمكن استنباط معاني هذه التسمية من خلال إشارات القرآن الكريم لها في قوله -تعالى- في عدة آيات:
- قوله -تعالى-: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ).
- قوله -تعالى-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ)؛ وهذا من الجهل بأحكام الله -تعالى-، وشرائعه، وتوجيهاته.
- قوله -تعالى-: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ)؛ إشارة إلى الجهالة في نزوات النفس والسَّفه، والاندفاع بعيداً عن الحق، عصبية وحَمية للقبيلة والآباء.
- وقوله -تعالى-: (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ)؛ مشيراً للضلالة التي كان عليها العرب قبل الإسلام من عبادة الأوثان، والتطيُّر، وغيرها.
ميزات العصر الجاهلي
اختص العصر الجاهلي بمزايا واضحة، اشتُهر بها، لعل من أهمها:
- قوةُ العصبية القبلية، وسيطرتها على مجتمع الجاهلية
- وفي هذا المعنى يقول دريد بن الصِّمّة:
- وما أنا إلا من غَزية إن غَوت
- غويتُ، وإن تَرشد غزيةُ أرشد
- وهي مما جاء الإسلام بتحريمه والنهي عنه، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله عزَّ وجلَّ قد أذهبَ عنكم عبِّـيَّـة الجاهِليَّةِ وفَخْرَها بالآباء، مُؤمِنٌ تقيٌّ، وفَاجِرٌ شقيٌّ، أنتم بنو آدَمَ، وآدمُ مِن تُرابِ، لَيَدَعَنَّ رجالٌ فخرَهم بأقوامِ، إنما هم فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جهنمَ...).
- الحمية والفخرُ والاعتزاز بالذات، وذيوع نزعات الثأر، ودعاوى السطوة والغلبة
- يقول عمرو بن كلثوم:
- ألا لا يجهلن أحدٌ علينا
- فنجهل فوق جهل الجاهلينا
- الغيرةُ على الشرف والعِرض، والاستحياء مما يخرم المروءات
- لأن العربَ كانوا أحرص الناس على حفظ الأنساب، وصيانة الأعراض، حتى إنهم كانوا يئدون بناتِهم مخافة لحوق العار بهم، فيقول عنترة:
- وأغض طرفي ما بدت لي جارتي
- حتى يواري جارتي مأواها
- النهضة الشعرية
- التي جعلت من قصائد الشعر ديوان العرب، يسطِّرون ويسجلون فيه سائر جوانب الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والعلمية، فحلَّ الشعر بمكانته الرفيعة محل الكتابة والأمية التي كانوا يتصفون بها.
- التفاخر بالخصال العربية الكريمة
- لم يُنقل أن العرب كانت تفتخر بجمع المال والثروة، إنما كان الجود والإنفاق رأس مفاخرهم، وكذا الشجاعة، وإكرام الضيف والدعوة إلى نصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، والتحالف على ذلك.
- وكانت قيمة القبيلة وقدرها ترتفع بين العرب تبعاً لهذه الخصال الشريفة، فعن عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (شهدتُ حِلفا في الجاهلية في دار ابن جدعان، لو دُعيتُ إليه اليوم لأجبت، ردُّ الفضول إلى أهلها، وألا يُقرَّ ظالم [على] مظلوم).
الحياة في العصر الجاهلي
الحياة الدينية في العصر الجاهلي
أثَّر ميول النفس البشرية إلى تعلقها بالمحسوسات، وتقلب يقينها بالغيبيات، لا سيما في زمن فترة الرسالات، الممتدة بين رسالة سيدنا عيسى ـ عليه السلام ـ، ورسالة الإسلام الخاتمة، أثر هذا على دين الناس وعلى عقائدهم في العصر الجاهلي. نتيجة لذلك مال كثير من عرب الجاهلية عن ديانة التوحيد، ولجؤوا إلى عبادة الأصنام، وتقديس الأوثان.
فعبدوا اللات: وهي حَجر مربع لثقيف في الطائف، والعزى لقريش وهي: شجرة شرقي مكة، ومناة للأوس والخزرج وهي: حجر أسودُ على الطريق بين مكة والمدينة، وهبل: على ظهر الكعبة، وبعل وأساف ونائلة، وغيرها، فقد قال الله -تعالى- على لسان سيدنا إلياس -عليه السلامـ: (أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ* اللَّـهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ).
كما عرفوا عادة الاستمطار: وهي نار كانوا يشعلونها ويسمونها: "نار الاستمطار". وكان فيهم الصابئة: وهي طائفة تقدس الكواكب والنجوم، ومع هذا لم تغب عنهم معرفة الله -سبحانه وتعالى-، وإلى هذا أشار القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ).
وكان في الجاهليين بعض المُتحنِّـفين على دين إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وكان فيهم رجال على ملة اليهودية، وبعضهم على دين المسيح ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وذكر أهل الأخبار أن الجاهليين الوثنيين كانوا يفتتحون كُتبَهم بعبارة: "باسمك اللهم"، متابعين في ذلك ما سنه لهم ومشى عليه: "أمية بن أبي الصلت" في كتابة رسائله.
الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي
سيطر التكوين القبلي على الحياة في العصر الجاهلي، بأسلوب الرعي المتنقل الضارب في قلب البادية، والعيش الحضري المستقر للرعي والزراعة أيضاً. فكانت القَبلية هي النمط المنتشر في البوادي، وساعد على ذلك طبيعة هذه البادية، بقسوتها التي كانت تدفع كل قبيلة إلى التنقل وراء الكلأ حيثما وُجد طلبا للمرعى.
وكانت الأسرة هي الخلية التي تؤلف القبيلة، التي تتمدد وتتسع بتعددها وكثرتها، وتعيش الأسرة في خيمة واحدة أو في عدد قليل من الخيام، وكل مجموعة من الأسر تشكل حيًّا، يقوم على وحدة الدم وآصرة القرابة، التي تربط بينهم بانتسابهم إلى اسم الجد الأول لهم، يتعاملون ويتفاخرون باسمه، كبني الأصفر، وبني جرم، وبني جرهم، وبني شاكر، وبني عباد، وبني عبد القيس، وبني هُذيل.
لقد شكلت عوامل التماسك الضرورية للترابط الأسري والقبلي البديل الأساسي لحفظ كيان القبيلة تحت زعامة سيد القبيلة، فسيطر عاملا العصبية والثأر؛ الذي هو نتاج طبيعي للعصبية وامتدادٌ لها، حتى كان لهذين العاملين أثرهما في الصراع والحروب الطويلة بين بعض القبائل.
وكانت الإبل والنَّعم عماد حياتهم، حيث كانوا يأكلون لحومها، ويشربون ألبانها، ويلبسون من وبرها وصوفها، ويُحمّلونها أثقالهم، ويفتدون بها أسراهم، وهي مهور الحرائر ورفيقة الدرب وعتاد الحرب، وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنها كانت أكثر أموالهم. وكذلك فقد اعتمدت بعض الحواضر في اليمن والمدينة والطائف على الزراعة إلى جانب تربيتهم للأنعام.
وكان لقريش زعامتها ومكانتها عند العرب، فمكة كعبتهم، وبيت تجارتهم، أقاموا حولها الأسواق التجارية؛ كسوق عُكاظ، ومَجنَّة، وذي المَجاز، حيث كان يُعرض فيها الشعر والأدب أيضاً، وفيها دار الندوة: وهو مجلس شيوخ مصغر للنظر في شؤون مكة الدينية والتجارية.
وقد كان القرشيون في الجاهلية يعظمون البيت الحرام، ويطوفون به، ويحجون ويعتمرون، ويقفون بعرفة والمزدلفة، ويهدون فيها الهدي، وقد اشتُهرت قريش بالتجارة؛ باعتبارها موفد الحجيج، فكانت عصب الحياة لهم، من خلال رحلتيهم: في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، اللّتين ورد ذكرهما في قوله -تعالى-: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ* إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ).
الحياة العلمية
تشتمل الحياة العلميّة عند العرب في العصر الجاهليّ على العديد من المعارف، كان من أهمها: علوم الأدب والشعر؛ التي ارتبطت بها تفاصيل حياتهم الاجتماعية، فعقدوا لذلك الندوات والأسواق الشعرية، وتفاخروا في نظم القصائد، وتنافسوا في صناعتها، وعلّقوها في الكعبة الشريفة، إضافة إلى علم الأنساب الذي كان مادة لأشعارهم، وعلم الفراسة، وغيرها.
وقد امتلك العرب معرفة أوّلية بعلم الطب؛ فعرف مجتمع الجاهلية مداواة العلل والأمراض كغيره من المجتمعات، مع اختلاطه في كثير من الأحيان على أيدي بعض الناس بالسحر والكهانة، وانتشر علاج المرضى بالسحر والأدعية، وبالأدوية التي أخذوها عمن سبقهم، ومن تجاربهم الخاصة كذلك.
وقد أشارت بعض المراجع إلى اسم نفر من الأطباء في الجاهلية، كالحارث بن كلدة الثقفي، والنضر بن الحارث، وضماد، وهم ممن عاصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأدرك زمانه، وبفضل هذه المعاصرة ذُكرت أسماؤهم في كتب الحديث والسير.
كما كانوا على علم ودراية بكيفية جمع المياه في خزاناتها، وتصريفها وتوزيعها وقت الحاجة، وحفر الآبار وجرِّ المياه إلى الأماكن التي تحتاج إليها، فقد اشتُهرت ثَقيف بعلمِها في طرق استنباط المياه وجرها.
ملخّص المقال: يرتبط اسم العصر الجاهلي بالمعنى اللغوي: المتعلق بنقيض العلم والمعرفة، والمعنى الشرعي: الذي هو ضد الهداية والإيمان، وقد امتاز أهل الجاهلية بالعديد من مفاخر العرب؛ كالتضحية، وإكرام الضيف، وجوار المظلوم، وغيرها من صفات الحمية والعصبية والفصاحة والفخر.
وابتعد الناس في الجاهلية عن ديانة التوحيد؛ حتى صار هذا الاسم علامة على المدة التي ضلَّ فيها العرب حين تعددت فيهم الآلهة، وعبدوا فيها الأوثان، وكانت القبيلة هي الطابع الاجتماعي الذي تفرّعت عنه جميع العلاقات والنشاطات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ورغم ما التصق بالعصر الجاهلي من علامات الجهل والعصبية والوثنية، إلا أن النشاط الأدبي والشعري وعلم الأنساب الذي كان يخدم تلك العصبية ظهر في أوج تفوقه وفصاحته وبلاغته، بالموازاة مع بعض الجهود الفردية المهتمة بعلوم المعارف والخدمات المجتمعية التي سبق الحديث عنها.