ما هو الزنا فى الاسلام
تعريف الزنا
يُعرّف الزنا لغة واصطلاحاً بما يأتي:
- الزِّنى لغة: مصدر الفعل: "زَنَى الرجل، يزني"، بمعنى: فجر.
- الزنا في الاصطلاح الشرعي: لم يقتصر الشرع في إطلاق اسم الزنا على الفعل المشهور للفاحشة، وإنما توسّع في إطلاقه ليشمل معانيه المجازية في مقدّماته المتعلقة بآثام الحواس والجوارح أيضاً، ويحذّر منها، فيسدّ الطريق الموصلة إلى هذه الفاحشة الكبيرة، نزولاً عند نهيه ـتعالىـ في قوله: (وَلا تَقرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبيلًا)، فمجرد القرب من مقدّماته منهي عنه وعن سلوك سبله.
- وقد تعدّدت تعريفات الزنا في اصطلاح الفقهاء وكتبهم حسب معانيه الخاصة والعامة، والتفصيل في ذكر القيود الموجبة للحد وما لا يوجبه من حيث تعداد الشُّبَه الطارئة على ذلك الفعل، والتي يُدرأ بها الحد، ويمكن تعريفه في الاصطلاح عموماً بأنه: "وطء مكلفٍ مسلمٍ فرجَ آدمي لا مِلك فيه باتفاق تحرزا من الشبهة عند الاختلاف تعمداً".
حكم الزنا وعقوبته في الإسلام
ما هو حكم الزنا في الإسلام؟
حرّم الله ـ سبحانه وتعالى ـ الزّنى بنص كتابه وعلى لسان نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ونهى عن جميع الطرق المؤدّية إليه في أكثر من آية، قال ـسبحانه وتعالىـ: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً)، وجمع بين الأمر بِغض البصر وحفظ الفرج؛ لأن غضَّ الأول مُعين على حفظ الثاني، قال -جلّ ذكره-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)، ويشير -صلى الله عليه وسلم- إلى الخلل والنقص الذي يحدث في إيمان العبد حين يغفُل عن ربه، فيقع في معصيته ومخالفة أمره.
وفي الحديث المتفق عليه عن ابن عباس ـ رضي الله عنه-، عن النبي ـصلى الله عليه وسلم- قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)، قال النووي: "لأنه لم يعمل بموجب الإيمان، فمتى نَقصت أعمالُ البر نقص كمال الإيمان، ومتى زادت زاد الإيمانُ كمالا".
ما هي عقوبة الزنا في الإسلام؟ أما عقوبة الزنا فقد كان الحبسُ والإمساك في البيوت أول عقوبات الزنا في الإسلام، ثم انعقد الإجماع على نسخ هذه العقوبة بقوله ـتعالىـ: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ)،وقولِه -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه مسلم عن عبادة بن الصامت ـرضي الله عنه- قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة، والرجم).
ومن هنا فقد اتفق الفقهاءُ على أنَّ حدَّ الزاني غيرِ المُحصَن رجلاً كان أم امرأة جلدُ مئة، وأخذَ الجمهور بوجوب التغريب عاماً، بخلاف الحنفية الذين عدُّوه من التعزيرات العائد أمرها إلى القاضي، كما اتّفق الفقهاءُ على أنَّ عقوبةَ المُحصَن الرجمُ رجلاً كان أو امرأة، وقد حكى ابنُ قدامة وغيرُه الإجماع على ذلك.
وللإحصان شروط عدّة ذكرها أهلُ العلم، منها: العقل، والبلوغ، والحرية في الزوجين حال النكاح الصحيح والدخول فيه، وزاد الحنفية شرطَ الإسلام في الزوجين، فإن اختلَّ شرطٌ من هذه الشروط؛ وجب الجلدُ وسقطَ الرجمُ، وأما ولد الزنا فهو: الولدُ الذي أتت به أمه من طريق غير شرعي ثمرة للعلاقة المحرمة، وقد اتفق الفقهاء على أنَّ ولد الزنا يُنسب إلى أمه ويتوارث معها، وأنه لا توارثَ بين ولد الزنا وبين الذي تخلَّق من نطفته، وأنَّ النسبَ منقطع بينه وبين الزاني، فليس بينهما أحكام الأبوة والبنوة البتة.
الزنا المجازي
تبيّن سابقاً أن الزنا لا يقتصر على المعنى الحقيقي وهو زنا الفرج، ولكن الزنا الأكبر يتصل بطرق عديدة تؤدي إليه، يكون مبتدؤها على أبواب الحواس الخمس التي إذا فُتحت على مصراعيها، وتحللت من قيودِها الشرعية، فإن الخشية من الوقوع في تلك المصيبة يكون قريباً بمقدار اتّساع الباب لهذا الطريق المفسد للدين وللدنيا.
وقد حذَّرَنا الرسولُ الكريم -صلى الله عليه وسلم- من تلك المقدمات، وبيّنها في الحديث المتفق عليه الذي ترجم له البخاري بعنوان: "باب زنا الجوارح دون الفرج"، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مُدركٌ ذلك لا مَحالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنانِ زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخُطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه).
قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم: معنى الحديث: "إن ابن آدم قُدِّر عليه نصيبُ من الزنا، فمنهم من يكون زناه حقيقياً بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازا بالنظر الحرام، أوالاستماع إلى الزنا، وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو يقبلها، أو بالمشي بالرِّجل إلى الزنا، أو النظر، أو اللمس، أو الحديث الحرام مع أجنبية، ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب، فكل هذه أنواع من الزنا المجازي، والفرْج يصدِّق ذلك كلَّه أو يكذبه، ومعناه: أنه قد يُحقق الزنا بالفرج، وقد لا يحققه".
ومن الوصايا النبوية حين سأل جريرٌ البجلي -رضي الله عنه- رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظرة الفجأة فقال: (اصرف بصرك)، وقد وُصفت النظرة في بعض الأخبار بأنها "سهم من سهام إبليس مسموم"؛ لسرعة نفاذ تأثيرها في قلب صاحبها، وأنَّ غضَّ البصر مخافة لله تورث صاحبَها حلاوة إيمان يجد أثرها في قلبه، ويقال في ترتيب أبواب الوقوع في الإثم: "أول الخطيئة: نَظرة، ثم خَطرة، ثم خُطوة، ثم خطيئة"، وقيل:
كل المصائب مبدؤها من النظر
- ومعظم النار من مستصغر الشرر
الحكمة من تحريم الزنا في الإسلام
إن للزنا العديد من الآثار التي جعلته مُحرماً، منها ما يأتي:
- لأنه من السِّفاح الباطل المهين لكرامة المرأة، والذي لا يرضاه العاقل -فضلا عن المسلم- لا لأمه، ولا لأخته، ولا لابنته.
- كل النتائج العلمية الحديثة تشير إلى أن الضوابط الشرعية للعلاقات الجنسية هي الحاجز الأسلم في مواجهة الأمراض والأوبئة الناجمة عن الشذوذ والعلاقات المحرمة، جاء في حديث "وصايا المهاجرين": (لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا).
- إن جريمة الزنا وما تجرّه من اختلاط للأنساب، وهتك للأعراض، وإيغار للصدور، وقطع للأرحام بين الأهل والأزواج، لا يقبلها أي مجتمع يتطلع للأمن والخير.
- ِمن غير الممكن بناء البيت الناجح والأسرة المتماسكة المستقرة في ظل وقوع أفرادها في المحرمات، وشرودهم في ارتباطات متمردة على سلوك الأسرة ونظامها.
- إن المجتمع الطاهر الذي يَنشُده الإسلام لا يمكن أن يقوم على الاتصال المحرم الخارج عن إطار العرف والشرع.
- تشكل ظاهرة أولاد الزنا في المجتمعات الغربية وما تعكسه من مشاكل اجتماعية وأمنية كارثة مجتمعية يستحيل الوصول إلى حلول لها مع تجاهل ضوابط الشرائع والدين.
- إن فسح المجال أمام فاحشة الزنا؛ يفتح الباب واسعاً أمام الوقوع في الجرائم وارتفاع معدلاتها، نتيجة لازدياد الأولاد المشردين وتوفرأجواء الجريمة.
- يقول ابن القيم: "الزنا يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة".
ملخص المقال: تعرض المقال لتعريف الزنا لغة واصطلاحاً، وعقوبته، وكيف أن الزنا المجازي يشمل جميع الأعضاء إن لم يتّقِ الإنسانُ اللهَ بها، وأخيراً آثار الزنا وعاقبته من جرائم واختلاط للأنساب وتفكك للأسر.