ما هو التفكير العلمي
تعريف التفكير العلمي
يُشير مفهوم التفكير العلمي (بالإنجليزية: scientific thinking) إلى التفكير في محتوى العلم ومجموعة العمليات المنطقية التي تتخلّله؛ كالاستنباط، والتصميم التجريبي، والاستدلال السببي، وتكوين المفاهيم، واختبار الفرضيات، وغيرها من العمليات التي تسعى لإيجاد حلّ لمشكلة معينة.
لا يقتصر مفهوم التفكير العلمي على مجموعة العمليات العقلية المتعلّقة بمحتوى علمي كالفيزياء مثلاً، أو الانخراط في أنشطة علمية كتصميم التجارب فقط، بل يشتمل أيضاً على العديد من العمليات المعرفية المتعلّقة بمجالات عامة في حياة البشر؛ كمجالات البحث، والاستنباط، والقياس، وغيرها من عمليات حلّ المشكلات، والتفكير بالأسباب الكامنة وراء مشكلة ما.
كذلك فإنّ التفكير العلمي يُعدّ ظاهرةً اجتماعيةً تتأثّر بالعوامل والمتغيّرات والإطار المجتمعي التي ظهرت فيه المشكلة، وليس مجرّد نشاط ذهني يحدث دون سبب.
خصائص التفكير العلمي
يتّصف التفكير العلمي بعدد من الخصائص كالآتي:
- التراكمية: حيث يُضيف كلّ باحث ما توصّل إليه عبر التفكير العلمي ممّا يؤدّي إلى تراكم المعرفة.
- التنظيم: إذ تجري عملية وضع الفرضيات واختبارها بأسلوب مُنظّم ودقيق لضمان فعالية النتائج.
- البحث عن الأسباب: فالعلم لا يقتصر على جمع المعلومات واستنتاج الحقائق حول ظاهرة ما فقط، بل يتعدّى ذلك إلى تفسير أسباب حدوثها.
- الشمولية واليقين: فالهدف من التفكير العلمي هو الوصول إلى نتائج وحلول عامّة يُمكن اللجوء إليها في عدّة مواقف أخرى.
- الدقة والتجريد: فاللغة التي يستعملها الباحث هي لغة رياضية قائمة على أسس علمية دقيقة لضمان دقة وصحة النتائج.
خطوات التفكير العلمي
يتمّ التفكير العلمي من خلال عدّة خطوات مُنظّمة كالآتي:
- إدراك المشكلة: والذي من شأنه التحفيز على البحث وطرح الأسئلة، إذ إنّ وجود المشكلة هو الدافع الوحيد لإيجاد حلّ لها.
- تحديد المشكلة وصياغتها: وذلك من أجل حصرها وتسهيل مناقشة جميع الجوانب المتعلّقة بها.
- جمع البيانات والمعلومات: فلكلّ دليل يتعلّق بالمشكلة أهمية من أجل الوصول الى استنتاج علمي حول المشكلة من جميع جوانبها.
- وضع الفرضيات لحلّ المشكلة: والتي تشمل جميع التخمينات والحلول الممكنة القابلة للقياس لبيان صحتها من عدمه.
- اختبار الفرضيات: وذلك باستخدام طرق علمية مناسبة للتوصّل الى حلّ مثاليّ للمشكلة.
- الاستنتاجات والتعميمات: وهي اختيار الفرضية الأنسب ضمن مجموعة الفرضيات والتي تُشكّل حلّاً للمشكلة.
- التطبيق وإعادة الاستخدام: فبعد إيجاد حلّ للمشكلة يتمّ التنبؤ بالأحداث والظواهر الجديدة، وإعادة استخدام الحلّ بالطرق المثلى.
مجالات استخدام التفكير العلمي
يطبق التفكير العلمي في جميع المجالات العلمية والعملية والإنسانية وتتضمن؛ العلوم الاجتماعية، والتجارة، والقانون، والصحافة، وغيرها، ويعد التفكير العلمي نموذجًا عالميًا مثاليًا للتفكير بغض النظر عن نوع التخصص.
ذلك أن الإنسان إذا امتلك مهارات التفكير العلمي وما تتضمنه من القدرة على النقد، والاستباط، والتحليل، ووضع الفرضيات واختبارها للوصول إلى نتائج وحلول في مجال ما، فإنه سيقوم بإسقاط هذه الطريقة في التفكير على المجالات الأخرى في حياته العلمية والعملية.
ويدل على تمتع فرد ما بالتفكير العلمي قدرته على الوصول إلى استنتاجات موثوقة ومدعمة بالأدلة، حتى وإن كان ذلك في المجالات المهنية.
أهمية التفكير العلمي
تُعتبر نتائج التفكير العلمي أدلّةً قاطعةً يُمكن الاستناد عليها والرجوع إليها عند الحاجة، كما ينعكس التفكير العلمي إيجاباً على الأفراد من حيث تعزيز قدراتهم في المجالات الآتية:
- طرح الأسئلة الدقيقة، والبحث عن مشكلات علمية مفيدة، وصياغتها بدقة ووضوح.
- جمع البيانات والمعلومات ذات الصلة وتقييمها باستخدام أفكار مجرّدة للوصول الى تفسيرات فعّالة.
- التوصّل الى نتائج وحلول منطقية واختبارها ضمن المعايير الملائمة.
- تقبّل الأفكار الأخرى والإلمام بأكبر عدد من الفرضيات، وتبعاتها، وآثارها العملية، وتقييمها.
- التواصل مع الآخرين بفعالية للتوصّل إلى الحل الأنسب عند مواجهة أيّة مشكلة.
طرق لاكتساب وتوظيف التفكير العلمي في الحياة اليومية
يمكن للفرد استخدام التفكير العلمي في حل المشكلات التي تواجهه عن طريق وضع الأسئلة، ووضع الفرضيات، واختبار صحتها.
لنفرض مثلًا أن شخصًا ما واجه مشكلة مثل؛ "لم يتحمص الخبز عند وضعه في المحمصة بعد الضغط على زر التشغيل"، حينها سيطرح سؤالًا مثل؛ "لماذا لم يتحمص الخبز؟"، ثم يحاول أن يضع إجابة تفسيرية محتملة، كأن يفترض أنه "لم يتحمص الخبز بسبب وجود عطل في القابس".
بعد ذلك يبدأ الشخص باختبارات عدة لإثبات صحة الفرضية التي وضعها، كأن يوصل المحمصة بقابس آخر؛ ليتبين إذا ما كان القابس معطلًا، فإذا اتخذ هذا الإجراء، وحاول تسخين الخبز ونجح في ذلك، كانت الفرضية التي وضعها صحيحة، وإذا لم ينجح كانت الفرضية خاطئة، ويمكن تطبيق ذلك على جميع المواقف التي تمر بالشخص في حياته اليومية.
مُعوّقات التفكير العلمي
هناك بعض المُحدّدات التي تُعيق التفكير العلمي؛ ومنها ما يأتي:
التمسّك بالأساطير والخرافات
على الرغم من التطوّر الذي حقّقه العلم في القرن العشرين إلّا أنّ الكثيرين لا زالوا متمسّكين ببعض السلوكيات الناتجة عن الإيمان بأفكار وهميّة وخرافات لا أساس لها من الصحة وبعيدة كلّ البُعد عن الأسس العلمية السليمة، وهذا من شأنه إعاقة التفكير العلمي المبني على تحليل دقيق ونتائج واقعية.
الانقياد
فالأشخاص يميلون لتأييد الأفكار والأدلّة التي تتوافق مع رغباتهم، أو تلك التي تُشعرهم بالأمان، أو التي تتوافق مع معتقدات أجدادهم التي توارثوها لسنوات عدّة، فالأفكار المبنية على أسس علمية سليمة تضعف بسبب الانقياد وراء سلطة الأقدمية، أو الشهرة، أو الانتشار.
التعصّب
حيث إنّ التعصّب الذي يحتكر فكرةً ما لم تثبت صحتها ويرفض أيّ رأي من شأنه الوصول للحقيقة يتعارض مع الهدف الأساسي للتفكير العلمي؛ والذي يدعو لدراسة أكبر عدد من الفرضيات والتعميمات مهما بدت مختلفةً ومتعارضةً مع بعضها البعض؛ للوصول إلى حلٍّ للمشكلة وقبول أيّ تغيير قد يطرأ بسبب الظروف والمتغيّرات.
الإعلام المُضلّل
فالإعلام سلاح ذو حدّين؛ إمّا أن يقود الشعوب إلى التطوّر والنمو أو يُعيق تقدّمها بتشكيله عقبة أمام التفكير العلمي؛ وذلك عبر توجيه أعداد كبيرة نحو فكرة ما قد تحوز على تأييد الأغلبية وتُحقّق انتشاراً واسعاً على حساب الرأي الصواب الذي من شأنه إيجاد حلّ لمشكلة ما.
الفرق بين التفكير العلمي والتفكير الاعتيادي
يتّصف التفكير العلمي على عكس التفكير الاعتيادي بما يأتي:
- يعتمد في حلّ المشكلات على نظريات علمية، لا مجرّد أفكار وهميّة أو بديهيات لا مجال لها من الصحة.
- يقوم على اختبار النظريات عمليّاً ويرصد النتائج، ولا يكتفي بالجانب النظري فقط.
- يقبل التعديلات والتغييرات؛ لإعطاء الحل المقترح فرصةً للتطوّر وإحداث نتائج أفضل.
- تتأثّر نتائجه بالمتغيّرات المُحيطة دون انحياز لفكرة ما.
- يبحث عن الأدلة المؤيّدة منها والمعارضة، ولا يكتفي بالمؤيّدة فقط.
- يربط السبب والنتيجة باستخدام أساليب علمية ومنهجية.