ما مفهوم المجتمع في الفلسفة
تعريف المجتمع
يحمل المجتمع عبر التاريخ تعريفاتٍ عديدة، من أهمها التعريف المعاصر للفيلسوف فرانز أوبنهايمر (بالإنجليزية: Franz Oppenheimer) الذي عرَّف المجتمع على أنّه: مجموع المفاهيم الكليَّة للعلاقات الطبيعية والمؤسسات التي تجمع بين كل شخص وشخصٍ آخر، ويمكن تفصيل التعريف من خلال ما يعنيه أوبنهايمر بالمؤسسات؛ مؤسسة العائلة، السوق والمؤسسات التجارية، المؤسسات الدينية والخيرية، والعلاقات الطبيعية بين الأشخاص، ويمكن اعتبار أنَّ هذا التعريف، ساهم في إعطاء معانٍ عديدة تساهم في وصف المجتمع، منها معاني اقتصادية، وأخرى سياسية، ومنها يمكن النظر في أنَّ للمجتمع مقومات سياسية وثقافية ومادية.
تعريف الفلسفة وربطها بالمجتمع
الفلسفة (بالإنجليزية: philosophy) تعني حرفياً ولغوياً: محبَّة الحكمة، وتتعلق الفلسفة بكل ما يهم الإنسان، أثناء بحثه عن الحقائق الأساسية عن ذاته، وعن العالم الذي يعيش فيه، ومحاولته لفهم العلاقات التي تربطه بما حوله في العالم، ومن ناحيةٍ أكاديمية، فإنَّ الفلسفة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتساؤل؛ أي طرح الأسئلة الأساسية حول الوجود، ومحاولة الإجابة عنها. وتنقسم الفلسفة إلى ثلاثة مجالاتٍ رئيسية هي: نظرية المعرفة، وفلسفة الأخلاق والقيم، والمنطق، وهذا كله يجعل الفلسفة مرتبطةً بصورةٍ مباشرةٍ مع الإنسان والمجتمع.
مفهوم المجتمع في الفلسفة
يعد مفهوم المجتمع أساسياً في العديد من مجالات الفلسفة، كالفلسفة الاجتماعية، والفلسفة السياسية، وفلسفة الأخلاق، وفلسفة العلم، ونظراً لهذا التوسع في رصد المجتمع فلسفياً، فإنّه لا يوجد تعريف أو مفهوم محدد للمجتمع من خلال الفلسفة، ولا يوجد منهجٌ محدد، لكن توجد نظريات وفرضياتٌ فلسفية عديدة، تدرس المجتمع والأفراد، وعلاقاتهم بالغيبيات، والوجود.
معلومات حول الفلاسفة
يمكن طرح العديد من هذه المفاهيم حول المجتمع من خلال أمثلةٍ على فلاسفةٍ مختلفين، منهم:
أرسطو
يعتمد مفهوم المجتمع عند الفيلسوف اليوناني أرسطو على الأسرة، حيث يرى أنَّه لا بدَّ من اجتماع الذكر والأنثى من أجل تكوين أسرة، وهذا يعني برأيه، تكوين أول خليةٍ اجتماعية طبيعية تدعو إليها الطبيعة، أي أنَّ الدعوة إلى تكوين المجتمع، جزء من طبيعة الكائن البشري، الذي يحتاج أيضاً؛ إلى تقسيم العمل، والحماية، والقيام بالعديد من الوظائف، مما يجعل اجتماع أكثر من أسرة في تجمعاتٍ قرى، ومدن، مثالاً على الوحدات الاجتماعية التي يتشكل منها المجتمع، ويعتبر أرسطو أنَّ هذا المجتمع يقود إلى نشوء الدولة ، التي من شروطها تأمين حياةٍ سعيدةٍ وفاضلةٍ للمجتمع وأفراده، وتركِّز فلسفة أرسطو حول مفهوم المجتمع أيضاً؛ على أنَّ كل فردٍ لديه غريزة التجمع، لأنَّ الإنسان برأيه: حيوانٌ اجتماعي، لا يتخلى عن حاجاته ورغباته التي لا تتحقق إلا بوجود أفرادٍ آخرين، وتقوم العلاقة بينهم على القانون وتحقيق العدالة.
أبو نصر محمد الفارابي
يرى هذا الفيلسوف المسلم أنَّ الإنسان مفطورٌ على الاحتياج، وهو يسعى إلى الكمال أيضاً، لكنه لا يستطيع تلبية رغبته بهذه الأشياء لوحده، بل يحتاج إلى قومٍ أو جماعة، من أجل أن يقوم كل منهم بأمر له، ولا يمكن للإنسان الوصول إلى الكمال، إلا من خلال اجتماعاتٍ (مجتمع) من البشر المتعاونين، ويركز الفارابي على أنَّ المجتمع فطرةٌ طبيعية قائمٌ على التعاون الذي يحقق أمة فاضلةً وسعيدة، وهو بهذا رأى مفهوم المجتمع فلسفياً من خلال السعادة والتكامل في مدينةٍ كاملةٍ وفاضلة.
ابن خلدون
يعتبر هذا الفيلسوف وعالم الاجتماع المسلم أوَّل من صنف علم الاجتماع كعلمٍ مستقل، حاول تحديد معالمه من خلال الدولة التي عرفها على أنها الشعب أو الأمة الذين يشكلون بنظره المجتمع، حيث ركَّز على أطوارٍ أو مراحل بها المجتمع، فيبدأ المجتمع وجوده من خلال جماعاتٍ قبلية وبدوية مثلاً، لا توجد قوانين واضحة ومسجلة تحكمها، وهي تحكم نفسها من خلال عاداتها ورغباتها فقط، ثمّ تنتقل هذه الجماعات لتتحول إلى مجتمعاتٍ لها قوانين بعد أن تقوم بتشكيل دول، فتنتقل من البداوة إلى التحضر، ثمَّ تنغمس في الفنون والعلوم، حتى يصيبها الانحدار والسقوط. واتفق ابن خلدون مع فلاسفة اليونان على أنَّ الإنسان كائن مدني، وشرح في كتبه أنَّ المجتمع يمر بالظواهر البدوية والحضرية المذكورة، وفيه علاقات كسب وقوة وحكم، وقوانين بعضها طبيعي، وأخرى موضوعة نتجت عن المجتمع كضرورةٍ فرضها تجمع البشر، وتتمثل فلسفة ابن خلدون في مفهومه عن المجتمع في أنَّه يملك حركة طبيعية في الصعود والانحدار يمكن درساتها علمياً.
جان جاك روسو
يتحدث هذا الفيلسوف الفرنسي عن المجتمع على أنَّه بدأ كحاجةٍ طبيعية، ناتجةٍ عن ظهور الأسرة أو العائلة، ويرى روسو أنَّ العائلة هي أول وآخر مجتمعٍ طبيعي، لكنها مثل المجتمع المتقدم الأكثر تنوعاً، لا تقوم إلا على الاتفاق، فإذا غاب الاتفاق تفرَّق المجتمع، مما يجعل وجود اتفاقٍ أو ميثاقٍ اجتماعي ضرورةً من أجل تحقيق المجتمع. أما في حال عدم تحقق هذا الميثاق، فإنَّ الأفراد سيتفرقون، ويرجعون إلى طبيعتهم الأولى، القائمة على العيش بفردية لا تمكنهم من البقاء، لأنَّ الأفراد بنظره لا يمكنهم إنتاج قوى جديدة، لكن يمكنهم الاتحاد والتعاون من أجل البقاء، وهو يرى في الأفراد أجزاءً، يشكلون المجتمع، حين يهب كل جزءٍ قوته إلى باقي الأجزاء، فيكتسب الجميع بذلك قوةً أكبر من قوة كل فردٍ على انفراد. إنَّ فلسفة روسو عن المجتمع هي فلسفةٌ سياسية ، حيث يسمي اتحاد الأفراد أو الأجزاء في المجتمع: الجسم السياسي.
جون رولز
ينظرهذا الفيلسوف الأمريكي إلى أنَّ المجتمع هو العدالة، بمعنى أنَّ مؤسسات المجتمع جميعها يجب أن تكون عادلةً بالنسبة إلى جميع الأفراد بغض النظر عن عرقهم، دينهم، جنسهم، ومناطق سكنهم. وهذه العدالة بحسب فلسفته، كفيلة بتحقيق حياة جيدة وتشكيل مجتمع. وهو يعتبر أنَّ العدالة توجد من خلال جعل الحياة المدنية والسياسية حياةً عامة مكشوفة، لا مكان فيها لأوهام الأيديولوجيا ولا لحقائقها مما يساعد على تكوين مجتمع.