ما معنى الهداية
الهداية
بيّن العلماء تعريف الهداية لغةً واصطلاحاً، وبيان ذلك على النحو الآتي:
تعريف الهداية لغةً: هي الإرشاد والدّلالة والوصول إلى المطلوب.
تعريف الهداية اصطلاحاً: تعدّد أنواع الهداية؛ فمنها: هداية الدّلالة، وهداية التأييد والتوفيق؛ فهداية الدّلالة هي الهداية التي يقدر عليها الرّسل -عليهم السّلام- وأتباعهم من الدّعاة إلى الله تعالى، إذْ يرشدون النّاس إلى الطريق الصحيح الذي يُرضي الله -تعالى- عنهم وينجّيهم يوم القيامة من عذابه، ولا يملك الرّسل والدعاة نتائج الهداية، فيبذلون جهدهم بقدر ما يستطيعون وتبقى النتائج بيد الله وحده؛ حيث قال: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين)، أمّا هداية التوفيق فهي الهداية التي تفرّد الله -تعالى-بإيجادها في قلوب النّاس، وهي قائمة على خَلْق الإيمان في قلوبهم وتوفيقهم وتصريف خطواتهم لتكون في سبيل رضى الله تعالى، وهذه الهداية لا يقدر عليها إلّا الله تعالى؛ حيث يُودعها في قلب من يشاء من عباده؛ جاء في القرآن الكريم : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
مراتب الهداية في القرآن الكريم
ورد ذكر الهداية على عدّة مراتب في القرآن الكريم؛ فمنها الهداية العامّة لجميع النّاس، ومنها الخاصّة بفئة من النّاس، وفيما يأتي بيان مراتب الهداية:
- الهداية العامّة لجميع الكائنات؛ وهي أعمّ وأشمل الهدايات؛ إذْ هدى الله -تعالى- كلّ الكائنات لِما ينفعها من أمور الدّنيا وما يُبعدها عن الأمور الضارّة، فالله -تعالى- هدى الطيور والنّحل لتختار بيوتها في أعلى الجبال والشّجر ، وهدى النّمل لكيفيّة تكّوين بيتها والخروج منه للبحث عن قُوتِها، وكذلك هدى كلّ كائن حيّ لِما فيه نَفْع ويكون سبيل راحته واستقامة عيشه، فقال: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى*الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى*وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)، ومن أثر الهداية العامّة الفطريّة الشّاملة لكلّ مخلوقات الله -تعالى- تسّبيحه وذكره في كلّ وقت، حيث قال: (سَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبعُ وَالأَرضُ وَمَن فيهِنَّ وَإِن مِن شَيءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمدِهِ وَلـكِن لا تَفقَهونَ تَسبيحَهُم).
- هداية الدّلالة والإرشاد؛ وهذ المرتبة من الهداية أخصّ من المرتبة الأولى، وكُلّف بها الأنبياء والرّسل عليهم السّلام، وهذه الهداية إذا بلغت العبد أقامت عليه الحُجّة، ووصله ما يدلّل على أنّ الله -تعالى- هو الخالق والرازق المستحِقّ للعبادة والوحدانيّة، إذ قال الله تعالى: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، وهذه المرتبة من الهداية لا تستلزم حصول التوفيق للعبد؛ لأنّ الحُجّة والدليل قائم فإن شاء آمن به وصدّقه واتّبعه وإن شاء شكّ به وابتعد عنه، وقد تجلّت هذه الهداية للأقوام السّابقة فبعضهم آمن بها واتبع نبيّه وبعضهم عرفها وأيقنها ثمّ تركها وكذّبها؛ ورد في القرآن الكريم: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، وأوزع الله -تعالى- في البشر ما يُعينهم على تصديق واتّباع الرّسل -عليهم السّلام- فرزقهم العقل والفِطرة السليمة.
- هداية التوفيق والإلهام؛ وهذه المرتبة أخصّ من المرتبة الثّانية، فهي خاصّة بالله -تعالى- بحيث لا يستطيعها نبيّ ولا مَلْك، فالله -تعالى- يرزقها لِمن يشاء من عباده، وهذه الهداية تستلزم وجود إرادة الله تعالى، واهتداء العبد للمرتبة الثّانية من الهداية، من اليقين والتصديق بالرّسل ومعجزاتهم والتسليم لأمر الله تعالى، قال الله تعالى: (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
- الهداية إلى الجنّة أو إلى النّار يوم القيامة؛ وهي آخر مرتبة من مراتب الهداية، فمَن اتّبع هداية الله -تعالى- في الدنيا وهداه الله -تعالى-إلى الصّراط المستقيم ؛ هُدي يوم القيامة إلى طريق الجنّة وتكون مستقرّ حياته فيها.
طرق اكتساب الهداية
إنّ الهداية منوطة ببعض الأفعال الواجبة على العبد؛ وبيان بعضها فيما يأتي:
- الصّدق مع الله تعالى؛ فيجب على المسلم أن يكون صادقاً حقّاً برغبته في الهداية، ومواظباً على الدّعاء بالهداية.
- المجاهدة وبذل الجهد بالمواظبة على الطّاعات والعبادات للوصول إلى ما يُرضي الله تعالى.
- الإيمان بالله تعالى؛ حيث قال: (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
- فهم القرآن الكريم وتعلّمه وتلاوته.
- اّتباع منهج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث قال الله تعالى: (فَآمِنوا بِاللَّهِ وَرَسولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذي يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعوهُ لَعَلَّكُم تَهتَدونَ).
- الاسترجاع عند حلول مصيبة ما واحتسابها عند الله تعالى؛ حيث ورد في القرآن الكريم: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
ثمرات الهداية
إنّ للهداية فَضل وأثر كبير في حياة المسلم؛ وفيما يأتي بيان آثار وثمرات الهداية:
- التخلّص من القلق والاضطراب والحِيرة؛ فالمرء المرتبط بالله -تعالى- يكون على يقين بأن أمره متعلّق بمشيئة الله تعالى.
- علوّ المكانة ببن النّاس؛ فالله -تعالى- يرفع أهل الدّين والإيمان والتقوى ، ويجعل لهم القبول بين النّاس بعلمهم وتقواهم وصلاحهم.
- ضبط السّلوك والحماية من الأخطاء؛ فالمسلم المتّصل بالله -تعالى- يحفظ حركاته ويضبط انفعالاته وغضبه ، فيبتعد عن عدّة مشاكل، فغالب زلّات النّاس تكون بسبب الغضب والانفعال الخاطئ.
- البَسْط والسّعة في الرّزق ؛ حيث قال الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا).