ما معنى القيم الإسلامية
معنى القيم الإسلامية لغةً
القيم في اللغة: جمع قيمة، وعرّفها ابن منظور بأنّها ثمن الشيء بالتقويم، وأُطلق على ثمن الشيء قيمة؛ لأنّه يقوم مقام الشيء، إذ تقول العرب: كم قامت ناقتك؛ أي كم بلغت.
وقيل: القيم مصدرٌ بمعنى الاستقامة، كما جاء في قول الله -تعالى-: (دينًا قِيَمًا)؛ أي ديناً مستقيماً لا عِوَج فيه، والقيم أيضاً بمعنى الفضائل الدينيّة، والاجتماعية، والأخلاقيّة التي يقوم عليها المجتمع، وعلم القيم؛ أي العلم الذي يشمل الفضائل، وخاصّة القيم الأخلاقية.
تعرف مفردة القيمة في اللغة على أنها ثمن الشيء، وتأتي أيضاً بمعنى الاستقامة.
معنى القيم الإسلامية اصطلاحًا
القيم الإسلامية اصطلاحاً: تُعرّف بأنّها مجموعة من الأحكام والمعايير الناجمة عن تصوّرات الإسلام للكون والإله والإنسان والحياة، والتي تتكوّن نتيجة تفاعل الفرد والمجتمع مع الخبرات والمواقف الحياتية المختلفة، وبها يتمكّن الفرد من تحديد أهدافه وتوجهاته التي تتجسّد بسلوكه العملي بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ.
تعرف القيم الإسلامية على أنها مجموعة الأحكام والتصورات التي تنشق عن الدين الإسلامي ومعتقداته ومبادئه العامة.
خصائص القيم الإسلامية
تميّزت القيم الإسلامية بمجموعةٍ من الخصائص، وفيما يأتي بيانها:
- صادرةٌ من التشريع الإسلامي؛ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فهما مصدر البحث لكلّ قيمةٍ من القيم الإسلامية.
- مبنيةٌ على أحكام الشريعة الإسلامية، فالقيم الإسلامية ترد على صورة أمرٍ أو نهيٍ، وبذلك فإنّ القيم تضبط الفرد تاركةً له مساحةً من الاختيار.
- شاملةٌ متكاملةٌ؛ بمعنى أنّ القيم تشمل توجّهات الإنسان وكافّة شؤونه، ولا تقتصر على أموره الخاصة بالحياة الدنيا، وإنّما تشمل الحياة الآخرة كذلك، بالإضافة إلى شمولها للمجتمع بأكمله، وعلاقة كلّ فردٍ بمجتمعه، وبذلك فإنّ القيم الإسلامية تقود المسلم إلى الطريق الصحيح في تحديد أهدافه وغاياته.
- قائمة على مبدأ توحيد الله تعالى؛ فالتوحيد هو المحور الجامع الذي تلتقي حوله كلّ اتجاهات المسلم وسلوكيّاته.
- عامةٌ لكلّ زمانٍ ومكانٍ، ومستمرةٌ عبر العصور.
- مرنةٌ وثابتةٌ في الوقت ذاته؛ بمعنى أنّ الأمور التي تستند لنصوصٍ قطعية الثبوت كالقيم التي تكون في أصل العقيدة والعبادة وكذلك المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فلا مجال للاجتهاد أو التغيير فيها، أما القيم التي تمّ استنباطها بدلالة ظنيّة لا صريحة؛ فيمكن الاجتهاد فيها بحسب الزمان والظروف المُستجدّة، وبذلك تمتاز بأنها مرنة تقبل التغييرات بما يتماشى مع تغير الأحوال في المجتمع الإسلامي.
- وسطيةٌ؛ فقد حافظ الإسلام على قيم العرب الحسنة وأضاف إليها، وقد جمعت قيم الإسلام بين الرحمة والقوة، وبين اللين والشدة، كما أنّها حقّقت التوازن في حياة الفرد والمجتمع كافةً، وهي بذلك توافق فطرة الإنسان التي فطر الله الناس عليها، فتراعي متطلبات الجسد وأشواق الرّوح دون طغيان جانب على آخر، ومما يؤيّد ذلك قوله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).
- مرتبطةٌ برضا الله تعالى، وما يترتب على ذلك من جزاءٍ في الدنيا والآخرة.
- قائمةٌ على التنمية والتوجيه والتربية.
تمتاز القيم الإسلامية بعدة خصائص، ولعل من أبرزها أنها صادرة من مصادر التشريع الإسلامي، الأمر الذي يجعلها متناسقة ومنسجمة مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
مصادر القيم الإسلامية
للقيم والأخلاق مصادر عديدة تنبع منها ويكمل بعضها الآخر، ومنها ما يأتي:
- القرآن الكريم:
وهو كتاب الله الذي نزل على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليكون حجة للرسول على أنه مرسل من الله، وتشير المؤلفات في أصول الفقه وفي تفسير القرآن إلى احتواء القرآن على آيات تتصل بأحكام العقيدة والأخلاق، والأعمال الصادرة عن المكلف، إذ إن هناك آيات تتعلق بما يجب على المكلف أن يعتقده في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وآيات تتعلق بما يجب على المكلف أن يتحلى به من فضائل وقيم.
فالقرآن يحتوي على النسق القيمي الإسلامي بأبعاده المتعددة؛ فهو المصدر الأول للقيم والأخلاق، وجامع لكل ما يحتاجه الناس لإصلاح أخلاقهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة، وإصلاح خبايا النفس، وشفاء أمراضها الباطنة، وفيه هداية للصراط المستقيم، للوصول الى سعادة الدنيا والاخرة. قال تعالى: (يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ).
- السنة النبوية:
وهي ما نقل عن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- من أقوال وأفعال، وتقارير، وهي المصدر الثاني للتشريع، ويستدل على ذلك بقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وقوله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا).
وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إنما بُعثتُ لأُتمِّمَ مكارمَ الاخلاقِ)، وفي هذا الحديث دلالة على أن السنة النبوية مصدر من مصادر القيم الإسلامية.
- العرف:
كل المجتمعات يكون لها أعراف وقيم تتشكل عبر العصور، وتصبح جزء من المنظومة الأخلاقية للمجتمع، وأي انتهاك لهذه القيم يعتبر سلوك معيباً، وعلى العكس فالتمسك بها يعتبر خلقاً محموداً ومقدراً، وهذه القيم والعادات تجسد الخصوصية الأخلاقية للأمم والشعوب، وللعهود والأحقاب التاريخية، ولذلك نجدها أكثر قابلية للاختلاف والتمايز بين الأمم، وأكثر خضوعاً للتغير عبر العصور.
- الإجماع:
وهو اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- على حكم شرعي في واقعة، وقد ذكر في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تدل على أن اجماع الأمة يعتبر مصدر للقيم والأخلاق، ومنها الآيات الآتية:
- قوله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ).
- قوله -تعالى-: (كنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ).
- قوله -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ).
فالإجماع يقوم بحسم أي واقعة جديدة، ذات طابع أخلاقي أو فقهي أو عبادي، ويشترط أن يكون كل عضو مدركاً ومسؤليته الأخلاقية وأن يعبر عن رأيه بحرية، بعد تأمل دقيق للواقعة المعروضة، ولا يمكن أن يكون أي شخص مجتهداً إلا إذا كان كان له حق الاجتهاد؛ أي أن تتوافر فيه شروط المجتهد، وبما أن الإجماع مصدر من مصادر التشريع فهو أيضاً يكون بذلك مصدراً من مصادر القيم الإسلامية.
مصادر القيم الإسلامية متنوعة، وتشمل: القرآن الكريم، السنة النبوية، الأعراف، والإجماع.
أهمية القيم الإسلامية
تُعتبر القيم الإسلامية بمثابة الجانب الروحي والمعنوي للحضارة الإسلامية، فهي أساسها، وهي كذلك التي تضمن صمود وبقاء الحضارة في كل عصرٍ وعبر كل جيلٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ الحضارة الإسلامية تعتبر من أكثر الحضارات التي أوفت الأخلاق حقها، فقد بُعث النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- لأجل إتمام مكارمها، وتتميز القيم والأخلاق في الإسلام بأنّ مصدرها الوحي؛ فلم تكن نتيجة فكرٍ بشريٍ أو غيره.
وتنعكس أهمية القيم الإسلامية على الفرد والمجتمع بأكمله، وبيان تلك الأهمية فيما يأتي:
أهمية القيم الإسلامية للفرد
تساعد القيم الإسلامية على بناء شخصية المسلم، وتحديد أهدافه في حياته، فضلاً عن أنّها تُسهّل التعامل معه لسهولة التنبؤ بردود أفعاله وتصرفاته عندما تُعرف قيمه وأخلاقه، كما إنّ للقيم الإسلامية أثراً كبيراً في ضبط الشهوات والمطامع، وإصلاح الأخلاق والنفس، وهذا ما يدفع الإنسان إلى الإحسان وعمل الخير، هذا بالإضافة إلى دور القيم الإسلامية في تقوية النفس فلا تضعف في المواطن التي يجدر بها أن تكون قويةً، وتعمل على صون تصرفات الشخص من الانتقادات والتناقضات، وبذلك تُشعره بالأمان، وتمنحه حرية التعبير عن نفسه، وتعمل على تحسين إداكه وفهمه للأمور من حوله، وتدفعه إلى العمل وتوجّه نشاطه وتحفظه، وتحرص على تناسقه مع النشاطات الأخرى.
أهمية القيم الإسلامية للمجتمع
تساعد القيم الإسلامية في المحافظة على تماسك المجتمع ووحدته واستقراره، بالإضافة إلى دورها الفعّال في تمكين المجتمع من مواجهة التغيرات التي قد يتعرّض لها بين حينٍ وآخرٍ، كما إنّها تحمي المجتمع من النزوات والشهوات الطائشة والأنانية المُفرطة، وتعمل على ربط أجزاء ثقافة المجتمع ببعضها، فتبدو متناسقةً مبنيةً على أساسٍ علميٍ يرسخ في أذهان الأفراد.
للقيم الإسلامية أهمية بالغة وتنعكس على الفرد والمجتمع، وقد تم بيان أبعادها على كل من الطرفين.
بعض القيم الإسلامية
تتفرّع القيم الإسلامية إلى نوعين: النوع الأول يُعرف بقيم التخلّي؛ أي التخلي عن العادات السيئة، مثل: شرب الخمر، وفعل المُوبقات، والنوع الثاني يُسمّى القيم الإيجابية؛ أي التحلّي بالقيم الحسنة؛ كالصدق، والرحمة، والأمانة، والكرم، وقدوة المسلمين في ذلك النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وفيما يأتي بيان لبعض القيم الإيجابية:
الصدق
شمل صدق اللسان والأفعال والأحوال؛ وأمّا صدق اللسان فيُقصد به مطابقة واستواء ما يصدر من اللسان على الأقوال، وصدق الأعمال يعني استواء الفعل على الأمر، وأمّا صدق الأحوال فيعني استواء الجوارح على الإخلاص، وقد حث الله -تعالى- على الصدق، فقال سبحانه: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ).
الرحمة
ويُقصد بها الحالة الوجدانية التي تنبع من رقّة القلب وتقوم على مبدأ الإحسان، ومن صور رحمة الله -سبحانه- بالبشرية؛ إرسال محمد -عليه الصلاة والسلام- لهم، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، ومن صور رحمة النبي -عليه الصلاة والسلام- بأمّته النهي عن السؤال عمّا سُكت عنه، ومن رحمته بالنساء أنّه استوصى بهنّ خيراً، كما كان يُساعد أهله في عمل البيت رحمةً بهم، وكان يُقبّل الأطفال ويعطف عليهم ويُعاملهم بالشفقة واللين.
الأمانة
وتشمل أي حقٍ متعلق بالذمم، فتشمل العِرض والنفس والمال والتكليف الشرعي وغير ذلك، كما تشمل الأفعال والأقوال والاعتقادات، وأعظم الأمانات أمانة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على رسالة الوحي التي كلّفه الله -تعالى- بتبيلغها؛ فأدّاها على أكمل وجهٍ.
الكرم والجود
وهما يدلّان على سعة وكثرة العطاء، وقد كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- أجود الناس وأكثرهم كرماً، وقد شمل عطاؤه أنواع الجود كله، فقد بذل نفسه وماله وعلمه في سبيل تبليغ دعوة الإسلام للبشرية، وكان سخيّاً يؤثر غيره على نفسه، لا يمنع سائلاً، ويلتمس أهل الحاجة فيطيهم ما تيسّر لديه.
التزكية
ويُقصد بها معنيان؛ الأول: التطهير؛ أي تطهير النفس من الآفات والعيوب المعنوية، والثاني: تنمية الفضائل وعناصر الخير التي تحقّق الصفاء وصلاح الدنيا والآخرة في النفس، وقد بُعث النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- لتزكية البشر، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
العدل
ويُقصد به مجانبة الظلم والجور، والتوسّط في الأمور، والتزام الحق، ولم يقتصر العدل في الإسلام على التشريعات والأحكام الإسلامية، وإنّما شمل حياة الفرد والمجتمع بكلّ ما فيها، وعلاقات الإنسان كلها، وعمل الإسلام على تحقيق العدل بأشكاله الثلاث؛ العدل القانوني الذي يعني سريان القوانين على جميع الناس دون تفرقةٍ بينهم، والعدل الاجتماعي الذي ألغى التفرقة بين طبقات المجتمع على اختلافها، وعمل على توفير الحياة الكريمة للناس جميعهم على اختلاف منابتهم وأصولهم، وأخيراً العدل الدولي الذي يُعنى برفع الظلم عن المظلومين ومنع استضعاف أحدٍ، والحرص على الوفاء بالعهود والمواثيق.
الإحسان
ويُقصد به في الشريعة الإسلامية عبادة الله -تعالى- كأنّ المرء يراه، وقد عرّف العز بن عبد السلام -رحمه الله- الإحسان بأنّه جلب منفعةٍ أو دفع مفسدةٍ.
الصبر
ضرب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أروع الأمثلة في الصبر؛ فصبر على ضيق الحياة وشدتها، وعلى أذى المشركين وكيدهم له، وعلى إيذاء أهل الطائف له من استهزاءٍ وسُخريةٍ وعنتٍ، ومن أوجه صبره كذلك صبره على الطاعة؛ فقد كان يقوم الليل حتى تتفطّر قدماه بالرغم من أنّ الله -تعالى- قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.
الزهد
ويقابله في اللغة الرغبة، ويُقصد به عدم الميل إلى الشيء، أمّا في الاصطلاح فيطلق على الإعراض عن الحياة الدنيا وما فيها من ملذاتٍ وشهواتٍ، وعُرّف أيضاً بأنّه طلب راحة الحياة الآخرة بترك راحة الحياة الدنيا، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- زاهداً في الدنيا؛ طمعاً في نيل الدرجات العليا والنعيم المقيم في الحياة الآخرة، فعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (عَرضَ عليَّ ربِّي ليجعلَ لي بَطحاءَ مَكَّةَ ذهبًا فقلتُ: لا يا رب ولكنِّي أشبعُ يومًا وأجوعُ يومًا فإذا جُعتُ تَضرَّعتُ إليكَ وذَكَرتُكَ، وإذا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وشَكَرتُكَ)، وورد عن ابن القيم -رحمه الله- أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لم يعب طعاماً قطّ، فإن رغب به أكله وإن لم يرغب تركه.
التواضع
ورد الأمر من الله -تعالى- لرسوله -عليه الصلاة والسلام- بالتواضع، إذ قال: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، ويُقصد بالتواضع انكسار القلب وخضوعه لله -تعالى-، مع خفض الجناح والرحمة للعباد، ومن أعظم وأجلّ صور التواضع؛ التواضع لله تعالى، إذ كان النبي -عليه الصلاة والسلام- شديد التواضع لربه، قائماً بالعبادات والأوامر، ناهياً العباد عن الغلو في إطرائه والثناء عليه؛ لئلا يصل العباد بذلك لعبادته من دون الله -تعالى-، كما كان النبي متواضعاً للعباد، فكان يمرّ بالصبيان ويلقي السلام عليهم، كما كان حريصاً على عيادة المريض، وحضور الجنازة، وإجابة الدعوة، وعُرف بحُسن عشرته لزوجاته.
الرفق
ويُقصد به اليسر والسهولة في الأمور، فقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- رفيقاً، ومن صور رفقه اختياره للأمور اللينة، إذ روى الإمام مسلم في صحيحه أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام-: (ما خُيِّرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُما أَيْسَرُ مِنَ الآخَرِ، إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا).
القيم الإسلامية عديدة ولا يكاد المرء حصرها ومنها: الصدق، العدل، الرحمة، الرفق، الجود والكرم، الأمانة وغيرها الكثير.
هل يوجد فرق بين الأخلاق والقيم؟
خلاصة القول في هذه المسألة هو أنّ بعض المحقّقين يرى أنّه من الصعب إيجاد فرقٍ بين القيم والأخلاق على اعتبار أنّ الأخلاق تتّصل بكافة الجوانب المسلكيّة في حياة الإنسان، وهذا لا يمنع من الإشارة إلى أنّ الأخلاق تدخل في مفهوم القيم على اعتبار أنّ دلالة القيم أوسع من الأخلاق، إذ يمكن النظر إلى القيم على أنها أساسٌ لكلّ فعلٍ خُلُقيّ، وقد تناول علماء الأخلاق وعلماء التربية مسألة العلاقة بين القيم والأخلاق بشكلٍ مستفيض.
ويتمحور موضوع الأخلاق حول عمل الفرد ونشاطه، وعلاقته بربه، وعلاقته مع نفسه ومع الناس ومع ما يحيط به من الجماد والحيوان، وتتفرّع الأخلاق إلى نوعين أساسيين:
- النوع الأول: الأخلاق الحسنة؛ كالصدق، والشجاعة، والكرم، والعفة، والفضيلة، وكلّ عملٍ يدل على حُسن الأدب.
- النوع الثاني: الأخلاق السيئة؛ كالكذب، والبخل، والجبن، والرذيلة، والخِسّة، وكلّ عملٍ يدل على سوء الأدب.
القيم الإسلامية مجموعة من الأحكام والمعايير الناجمة عن تصوّرات الإسلام، والتي تتكوّن نتيجة تفاعل الفرد والمجتمع مع الخبرات والمواقف الحياة المختلفة، كالرحمة والصدق والأمانة والعدل والإحسان والصبر، ولها خصائص عدة تميزها عن ما يشببها؛ فهي صادرة من التشريع الإسلامي، وقائمة على مبدأ توحيد الله -تعالى-، كما وتستمد من مصادر عدة أهمها القرآن الكريم والسنة النبوية، وغيرها.