ما حكم تقبيل المصحف
القرآن الكريم
بعد الرجوع إلى معاجم اللغة العربية تبيّن أنّه ثمة خلافٍ في تعريف القرآن الكريم ، فقال أصحاب الرأي الأول إنّ القرآن اسمٌ لكتاب الله تعالى، وهو غير مشتقاً، وأمّا أصحاب الرأي الآخر فيقولون إنّ القرآن اسم مشتقٌ من قرأ، أو اقرأ، ويعني تفهّم، أو تدبّر، أو تفقّه، أو تعلّم، ومن العرب من يستخدم كلمة اقرأ بمعنى تحمّل، حيث كانت العرب تقول: (ما قرأت هذه الناقة في بطنها سلاً قطّ)؛ أي ما حملت في بطنها جنيناً قطّ، وقيل بل هو من القرء؛ وهو الجمع والضم، وقيل هو من القِرى؛ أي الإكرام والضيافة، فقد رُوي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (فعليكم بهذا القرآنِ فإنَّه مأدُبَةُ اللهِ فمَن استطاع منكم أن يأخُذَ من مأدُبةِ اللهِ فليفعَلْ فإنَّما العلمُ بالتَّعلُّمِ)، والمأدبة هي ما يُصنع للناس ثمّ يُدعون إليه، وأمّا تعريف القرآن الكريم اصطلاحاً فهو كلام الله تعالى، الذي أُوحي به إلى رسوله محمّد بن عبد الله، والذي يُعدّ معجزةً من حيث المعنى واللفظ، والمنقول بالتواتر، والمتعبّد بتلاوته، المبتدىء بسورة الفاتحة ، والمختوم بسورة الناس والمكتوب في المصاحف.
حكم تقبيل المصحف
اختلف العلماء في حكم تقبيل المصحف، وفيما يأتي بيان اختلافهم:
- أباح بعض العلماء تقبيل المصحف، واستدلّوا على ذلك بما رُوي عن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه، من أنّه كان يضع المصحف على وجهه، ويقول: (كتاب ربي، كتاب ربي)، وهذا رأي مشهورٌ عند الحنابلة ، حيث ورد في كشف القناع أنّه يُباح تقبيل المصحف، وبيّن الزركشي في كتاب البرهان مسألةً تتعلّق باحترام المصحف وتبجيله، كما يستحبّ تطييب المصحف وجعله على كرسي، ويجوز تحليته بالفضة على الصحيح إكراماً له، وكذلك روى البيهقي أنّ الوليد بن مسلم سأل مالك عن تفضيض المصاحف، فبيّن له أنّ المصحف تمّ جمعه في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأكدّ أنّهم كانوا يفضضوا المصاحف، ثمّ بيّن أنّ حكم الذهب مختلفٌ عن الفضة، فالذهب مباحٌ للنساء دون الرجال، ثمّ وضّح حُرمة أي عملٍ فيه إذلالاً أو امتهاناً للمصحف، كمدّ الرجلين بالقرب من القرآن الكريم، أو الاتكاء عليه، او توسّده، ورُوي أنّه يستحبّ تقبيل المصحف؛ لأنّ عكرمة بن أبي جهل كان يقبّله، وبالقياس على تقبيل الحجر الأسود، ولأنّه هديةٌ لعباده فشرع تقبيله، كما يستحبّ تقبيل الولد الصغير.
- كره بعض العلماء تقبيل المصحف، وهذا ما عليه مذهب المالكية، حيث قال الخُرشي في شرحه لكتاب خليل: (يُكره تقبيل المصحف وكذا الخبز)، وقد استدلّوا على كراهة التقبيل بما رواه البخاري ومسلم من أنّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يُقبّل الحجر الأسود، ويقول: (واللهِ إنّي لأُقبِّلُك، وإنّي أعلمُ أنك حجرٌ، وأنّك لا تضرُّ ولا تنفعُ، ولولا أنّي رأيتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قبَّلك ما قبَّلتُك)، وذلك فيه دلالةٌ على أنّ التقبيل يجب أن يكون توقيفياً وإن كان للتعظيم، بالإضافة إلى ما رُوي من أنّ ابن عباس ومعاوية -رضي الله عنهما- كانا يطوفان بالبيت، فكان ابن عباس يستقبل الركن اليماني، والركن الأسود، وكان معاوية يستقبل الأركان الأربعة، فقال ابن عباس: (لم يكن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يستقبل إلّا ركنين؛ وهما :الأسود واليماني)، فقال معاوية رضي الله عنه: (ليس في البيت شيءٌ مهجورٌ)، فقال ابن عباس رصي الله عنه: (لقد كان لكم في رسول الله إسوةٌ حسنةٌ)، فقال معاوية: (صدقت).
- صرّح بعض العلماء المتأخرين ببدعية تقبيل المصحف، ومنهم: الشيخ الألباني الذي بيّن أنّ تقبيل المصحف داخلٌ في قول النبي عليه الصلاة والسلام: (وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ)، ويرى الشيخ أنّ تقبيل المصحف بدعةٌ، حتى وإن كان المقصود منه تعظيم كتاب الله وتبجيله؛ لأنّ هذا النوع من الإكرام والتبجيل لم يكن ليخفى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، ولا عن التابعين، ولكن لم يفعله أحدٌ منهم، فلو كان خيراً لفعلوه، بالإضافة إلى أنّ عمر بن الخطاب لمّا قبّل الحجر الأسود، كما في الحديث السابق ردّ سبب التقبيل إلى تقليد النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كان يقبّله، ولم يكن تقبيله للحجر الأسود اجتهاداً شخصياً.
آداب قراءة القرآن الكريم
لا شكّ أنّ لقراءة القرآن الأجر العظيم، ولكن لا بُدّ من الالتزام بآداب القرآن الكريم ليدخل القارىء في قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَن قرأَ حرفاً من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ)، وثمّة الكثير من آداب قراءة القرآن الكريم، ومنها:
- طهارة القلب من الذنوب والمعاصي ، وطهارة الجسد من الحدث والخبث.
- خشوع القلب والجوارح، وقراءة القرآن الكريم بتدبّرٍ وتفكّرٍ، وعدم العبث بما يشغل عن التلاوة.
- لبس الثياب النظيفة، واستخدام السواك قبل البدء في القراءة.
- الإخلاص لله تعالى أثناء القراءة، والحذر من الرياء والسُمعة.
- اغتنام الأوقات المباركة، والأحيان المناسبة لقراءة القرآن الكريم؛ كالفجر، أو جوف الليل مثلاً.
- استقبال القبلة إن أمكن، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
- عدم قطع التلاوة لأي أمرٍ من أمور الدنيا إلّا للضرورة.
- استشعار عظمة القرآن الكريم، فهو كلام الله تعالى.