ما حكم الإفطار في السفر
رُخصة إباحة الإفطار في السفر
يُعرَّف اليُسر في الإسلام بأنّه: مراعاة أحوال المُكلّفين، وحاجاتهم، وقدرتهم على فعل الأوامر، وترك النواهي، ويُشرَع في الأحكام العملية، بشرط أن لا يتعدّى ذلك مبادئ التشريع الأساسية؛ فلا يكون في ذلك إفراطٌ ولا تفريط، ويُعَدّ الصوم من أكثر الفرائض التي ظهر فيها التيسير، وفيه نزلت آية التيسير؛ إذ يقول الله -تعالى-: (يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)؛ فيجوز للمريض والمسافر أن يُفطرا بضوابط وشروط محدّدة؛ تخفيفاً، وتيسيراً عليهما؛ لأنّ الشريعة الإسلامية جعلت اليُسر من أهمّ غاياتها، ومن أعظم مقاصدها التي ترتّبت عليها الكثير من الأحكام الشرعيّة، وجعلت بناءها التكليفي الشرعيّ من الأوامر والنواهي قائماً على أساس التيسير، ودفع المَشقّة والتعسير.
وتُعَد الرُّخَص من أهمّ المظاهر الدالّة على يُسر التشريع الإسلاميّ، وسهولته؛ فإذا حصلت للمُكلَّف مَشقّة، أو عُسرٌ عند أدائه للتكاليف الشرعية، فإنّ الشريعة تُبيح له الأخذ بالرُّخَص؛ تخفيفاً عليه، فيُؤدّي ما يستطيعه ويندرج تحت قدرته، دون عُسر أو مَشقّة، على اعتبار أنّ المشقة تجلب التّيسير، أمّا في ما يتعلّق بمفهوم الرُّخصة في اللغة، فهي تأتي في مقابل الشدّة؛ بمعنى تخفيف الشيء وتيسيره، بينما تُعرَّف اصطلاحاً بأنّها: تسهيل الحُكم الشرعي، وتخفيفه؛ لوجود عُذر من الأعذار المُوجبة للتيسير، مع وجود السبب المُوجِب للحُكم الأصليّ، ويُعتبَر السفر من الرُّخص المُبيحة لترك الصيام، وقَصر الصلاة ، وقد تضمّن القرآن الكريم، والسنّة النبويّة كثيراً من الآيات والأحاديث التي تدلّ على معنى التيسير، والرُّخَص، وإزالة المَشقّة، كقوله -تعالى-: (يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ)، وقول النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا، وأَبْشِرُوا، واسْتَعِينُوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ).
حُكم الإفطار في السفر
أباح الله -تعالى- للمسلم الإفطار في شهر رمضان ؛ لأعذار عديدة، ومنها السفر، ويُعرَّف السفر في اللغة بأنّه: الخروج والانتقال، وتترتّب فيه على الإنسان تكاليفَ عدّة، كتجهيز مؤنةٍ للسفر، ويظهر فيه بُعدٌ في المسافة إلى المكان المراد الوصول إليه، ويُشار إلى أنّ السفر الذي يُباح للصائم فيه الفطر هو السفر البعيد الذي يصحّ فيه للمسافر قَصر الصلاة الرباعية، وتُقدَّر هذه المسافة بما يُقارب تسعةً وثمانين كيلومتراً.
أحكام الإفطار أثناء السفر
هل الإفطار أفضل للمسافر أم الصوم
عدّدت آراء أهل العلم في مسألة تفضيل الفطر أم الصوم في السّفر، أم أنّ أنّهما في درجة واحدةٍ؛ فلا تفضيل لأحدهما على الآخر، وخلاصة الآراء في المسألة على النحو الآتي:
- الصوم أفضل: ذهب جمهور أهل العلم إلى أنّ الصوم أفضل للمسافر، بشرط أن لا يُتعبه الصوم، أو يُضعف بدنَه، وصرَّح الحنفية، والشافعية بأنّ حُكم صيام المسافر هو النُّدب، وقيَّد بعض الحنفية أفضليّة الصوم بشرط أن لا يكون عامّة الناس الذين يسافر معهم مُفطرين، وأن لا يكون المسافر مُشتركاً مع غيره في تكاليف السفر ونفقاته.
- الفطر أفضل: ذهب الحنابلة إلى أنّ الفطر في السفر هو الأفضل، واستحبّ الإمام الخرقيّ الفطر للمسافر الذي يسافر مسافةً يُباح فيها قصر الصلاة، وذهب الحنابلة أيضاً إلى أنّ صيام المسافر مكروه، حتى وإن لم يجد مَشقّةً في الصوم أثناء السفر.
- المساواة بين الصوم والفطر: ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ الصوم في السفر، أو الإفطار فيه، بمنزلة واحدةٍ في الأفضليّة، ولا يُقدَّم أحدهما على الآخر؛ فيكون للمسافر الخيار في ذلك؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطر؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها: (أنَّ حَمْزَةَ بنَ عَمْرٍو الأسْلَمِيَّ قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أأَصُومُ في السَّفَرِ؟ - وكانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ -، فَقالَ: إنْ شِئْتَ فَصُمْ، وإنْ شِئْتَ فأفْطِرْ).
حُكم الإفطار للصائم الذي بدأ سفره بعد الفجر
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المسافر إذا نوى الصيام، ثمّ انطلق في سفره بعد الفجر، لا يجوز له الفطر، ويجب عليه إتمام الصيام؛ وذلك لأنّ الصوم عبادة كالصلاة، ولا يجوز للمُصلّي الذي بدأ الصلاة أن يخرج منها، فكذلك الصيام لا يجوز لمَن دخل فيه أن يُبطله، ولكن يجوز للمسافر الفطر إذا وقع في المَشقّة والتعب بسبب الصيام، وذهب الحنفيّة إلى أنّ المسافر يقضي اليوم الذي أفطره دون إخراج كفّارة عن إفطاره، وخالف في المسألة الإمام أحمد بن حنبل، حيث ذهب إلى جواز الفطر للمسافر الذي ابتدأ سفره وهو صائم.
حُكم قطع المسافر صومَه أثناء السفر
تباينت آراء الفقهاء في حُكم المسافر الذي أصبح صائماً ثمّ أراد الإفطار، وتوضيح آرائهم على النحو الآتي:
- الحنفية والمالكية: ذهبوا إلى أنّ المسافر إذا أصبح صائماً، ثمّ بدا له أن يفطر، حَرُم عليه ذلك ويأثم، وعليه القضاء فقط عند الحنفيّة، والقضاء مع الكفّارة عند المالكية؛ لأنّه أفطر في صومٍ واجب؛ وهو صوم شهر رمضان، فلزمته الكفّارة كما لو كان مُقيماً.
- الشافعية والحنابلة: ذهبوا إلى أنّ المسافر إذا أصبح صائماً، ثمّ أراد الفطر، جاز له ذلك، ولا إثم عليه؛ وذلك لأنّ النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- أفطر في فتح مكة ، وعليه القضاء فقط.
حُكم الإفطار بعد الوصول إلى مَحلّ الإقامة
حث أهل العلم مسألة إفطار المسافر بعد وصوله إلى المكان الذي يريد الإقامة فيه، وتعدّدت آرائهم على النحو الآتي:
- الحنفية والحنابلة: ذهبوا إلى وجوب الإمساك والقضاء على المسافر إذا وصل إلى مكان إقامته في أوقات النهار وهو مفطر؛ وذلك لأنّ المسافر لو كان مُقيماً من أوّل النهار لزمَه الصوم، فالإمساك أولى في بعضه.
- المالكية والشافعية: ذهبوا إلى عدم وجوب الإمساك على المسافر إذا قَدم إلى مكان إقامته في نهار رمضان مُفطِراً، بل يُندَب له لبقيّة النهار، وعليه القضاء، أمَّا إن دخل المسافر مكان إقامته صائماً، فعليه الإمساك وجوباً.
شروط إفطار المسافر في رمضان
تُشترَط لجواز إفطار المسافر في شهر رمضان عدّة شروط، كما يأتي:
- أن يكون السفر مباحاً حتى يجوز للمسافر الفطر في شهر رمضان؛ فلا يجوز الفطر لمَن أراد بسفره معصية الله -تعالى-؛ فالفطر رُخصة من الله -تعالى- لعباده، ولا تكون لأهل المعاصي .
- أن يتجاوز المسافر في سفره ثمانيةً وأربعين ميلاً حتى يجوز له الفِطر، وتُقدَّر هذه المسافة في الوقت الحاضر بما يتراوح بين ثمانين إلى ثمانيةٍ وثمانين كيلومتراً تقريباً.
- أن يمتنع المسافر عن نيّة الفطر، ولا يُفطر حتى يُسافر، ولا يُفطر لمُجرَّد عَزمه على السفر؛ لأنّه قد يحدث له ما يُغيّر رأيه، أو يمنعه من السفر.
- أن يكون ابتداء الإفطار بعد خروج المسافر من منازل مدينته، ومفارقته لعمرانها، ويُفطر إذا سافر جوّاً عند إقلاع الطائرة ومفارقتها للبُنيان؛ لأنّ الإنسان لا يكون مسافراً حتى يُفارق بُنيان بلده ويخرج منه.
حُكم الصيام في السفر
اتّفق الأئمّة الأربعة والجمهور من الصحابة والتابعين على جواز الصيام للمسافر، وأنّه يجزئه عن صومه؛ لحديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-، إذ قال: (سَافَرْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في رَمَضَانَ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ علَى المُفْطِرِ، وَلَا المُفْطِرُ علَى الصَّائِمِ)، وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: (لقَدْ رَأَيْتُنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في بَعْضِ أَسْفَارِهِ في يَومٍ شَدِيدِ الحَرِّ، حتَّى إنَّ الرَّجُلَ لَيَضَعُ يَدَهُ علَى رَأْسِهِ مِن شِدَّةِ الحَرِّ، وَما مِنَّا أَحَدٌ صَائِمٌ، إلَّا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ).