أنواع النفس

أنواع النفس

النّفس

كان من الصّعب على العلماء والباحثين في مجال النفس البشريّة الإحاطة والإلمام بدراسة النّفس ومكنوناتها وخباياها، والسبب في ذلك لا يعود لقلّة المعلومات المتوفّرة عنها إنّما لكثرتها وتشعّبها وتناقضها؛ فالنّفس البشريّة تتصف بشدّة غموضها، وكلّما ظنّ الباحثون والمفكرون الفلاسفة أنّهم بلغوا حقيقتها وأحاطوا علماً بأسرارها تبيّن لهم أنّهم ما اكتسبوا إلا لقيماتٍ بسيطةٍ من خباياها، فما هي النّفس ، وما أنواعها، وما حقيقة اختلافها عن الرّوح، وما مصيرها بعد الموت؟

تعريف النّفس

النّفس البشريّة هي الجُزء المقابل للجسم في تشاركهما وتفاعلهما وتبادلهما المستمر، وهي جزءٌ مُحركٌ لنشاطاته بأنواعها، سواءً كانت إدراكيّةً، أم حركيّةً ، أم انفعاليّةً، أم أخلاقيّةً.

الفرق بين النّفس والروح

النفس

الروح هي أمرٌ إلهيٌّ ليس مطلوباً من الإنسان فهم جوهره، أو مكنوناته، إنّما يجب فهم أنّها ببساطة أمرٌ من عند الله . خلق الله عز وجل الخلق بخمسة أرواحٍ كالآتي:

  • روح البدن.
  • روح القوة .
  • روح الشهوة.
  • روح الإيمان.
  • روح القدس.

الروح

هي اندماج روح البدن، وروح القوة، وروح الشّهوة، لذلك فهي بحاجةٍ لتوجيهٍ مستمرٍّ، وإذا أُضيفت إليها روح الإيمان ميّزتها عن نفس الحيوانات، والبهائم، أمّا روح القدس فإذا أُضيفت إلى روح الإيمان، والنّفس فهي تُميّز الأنبياء والصالحين عن باقي النّاس.

أنواع النّفس

ذكر القرآن الكريم مسمّياتٍ عدّةٍ للنفس البشريّة، فهل هي نفسٌ واحدةٌ؟ أم عدّة نفوسٍ؟ في الحقيقة إنّ النفس هي واحدةٌ تملك صفاتٍ كثيرةٍ، حسب تصرّفات صاحبها، ومن أمثلتها:

النّفس المطمئنّة

النّفس المطمئنّة هي نفسٌ خيّرة تأمر بالخير، وهي النّفس التي سَكنت إلى ربّها وإلى صفاته الفضيلة، وأسمائه الكريمة، والطمأنينة تعني أنّ الله عز وجل يُنزل الاطمئنان والسّكينة على صاحب هذه النفس، فيَغدو قلبه، وسمعه، وبصره كله بين يديّ الله، ويُحقَّق الوصول إلى هذه النفس بكثرة الذّكر، والاستغفار الدائم غير المُنقطِع.

النفس الأمارة بالسوء

النفس الأمارة هي نفسٌ كثيرة الذنوب، آثمةٌ، ظالمةٌ لصاحبها وتجرّه إلى غضب الله عز وجل وعصيانه، وتنتهي به في نار جهنّم، وهي نفسٌ فاسقةٌ شرّيرةٌ، تدعو صاحبها لفعل السوء . يَجب على صاحب هذه النّفس مُخالفة هواه وشهواته، والرجوع إلى طاعة الله ونيل رضاه، فمن تخلّص من شرّ نفسه وفتنتها وفّقه الله عز وجل ووعده وَعداً حسناً.

النّفس اللوّامة

هي النفس كثيرة اللوم، تخافُ الله وتخشى عقابه، أثنى عليها الله، وأقسم بها في كتابه، وهي نفسٌ تحاسب صاحبها وتوبّخه على كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، وهذه النّفس متقلّبةٌ، متردّدةٌ، تأتي الذّنب ، وتلوم صاحبها عليه، وتردّه الى الصّواب، تغفل عن الذّكر والطاعة ثمّ تعود. يقول الحسن البصريّ: "إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائمًا، يقول: ما أردت بهذا؟ لم فعلت هذا؟ كان غير هذا أولى، أو نحو هذا من الكلام".

يقول بعض العلماء إنّ النفس اللوامة نفسٌ ثالثةٌ، ومنهم من يقول إنّها وصفٌ للنّفسين السّابقتين، فالنّفس المطمئنّة توبّخ صاحبها إذا تكاسل عن طاعةٍ، أو نسي فرضاً، أو عمل سوءاً، وإذا كانت نفسه أمّارةً بالسّوء تلومه إذا عمل خيراً أو أدّى فرضاً.

مصير النّفس

يتساءل العلماء عن نهاية النفس، وهل تموت حالها حال الجسد؟ أم تبقى مخلّدة، قال انقاغورس: إنّ النّفس تموت وتفارق الجسم بعد موته، أما انباذقليس يرى أنّ النّفس والجسد يشتركان في الموت، أما قول أرسطو طاليس فقد كان الأوضح؛ حيث يرى أنّ النّفس تفارق الجسم وتتّصل بالروحانيين، ويقصد بالروحانيين من خلقهم الله عز وجل روحاً بلا جسد كالملائكة والشياطن.

أمّا فلاسفة المسلمين يرون أنّ النّفس خالدة، واستندوا على الأدلّة والبراهين؛ فابن رشد يرى أنّ النّفس تبقى خالدة بعد موت الجسم، وفسّر رأيه استناداً إلى قولين للغزاليّ:

  • "إنّ النَّفْس إن عدمت لم يخل عدمها من ثلاثة أحوال: إما أن تعدم مع البدن، وإمّا أن تعدم من قبـل ضد موجود لها، أو تُعدم بقدرة القادر."
  • "باطلٌ أنَ تعدم بموت البدن، فإن البدن ليس محلاً لها، بل هو آلة تستعملها النَّفْس بوساطة القوى التي في البدن، وفساد الآلة لا يوجب فساد مستعمل الآلة، إلا أن يكون حالاً فيها منطبعًا، كالنفوس البهيميّة والقوى الجسمانية".

فضل مجاهدة النفس

تنقسم طبيعة النّفس الإنسانيّة كما جاء عن ابن القيّم رحمه الله تعالى إلى ثلاثة أقسامٍ وهي: النّفس الأمّارة بالسوء، والنفس اللوّامة، والنفس المطمئنّة، ويمكن أن تجتمع هذه الأقسام في النّفس البشريّة في اليوم الواحد، فتكون في فترةٍ من اليوم مطمئنةً وتصبح بعد قليلٍ أمّارةً بالسّوء، فيُحكم على طبيعة النفس في صفاتها الغالبة من خلال طبع صاحبها وتصرّفاته، والمطلوب من المسلم مجاهدة نفسه وتدريبها حتى تُصبح نفساً مطمئنةً.

جاء عن ابن القيّم رحمه الله تعالى أنّ المجاهدة تكون في أربعٍ وهي: مجاهدة النّفس، والشيطان، والهوى، والدّنيا، وقد فُرضت على المسلم المجاهدة في هذه الأربع ابتغاء مرضاة الله وطلب هدايته حتى ينال الفوز بالجنّة، فالله سبحانه وتعالى عندما خلق الإنسان جعل فيه نفسين: النّفس الأمّارة، والنّفس المطمئنّة، وهما متعاديتان فما يُرضي النّفس المطمئنّة لا يُرضي النفس الأمّارة، وما يُرضي النّفس الأمّارة لا يُرضي النّفس المطمئنّة؛ والذي تتلذّذ به وتستمتع به النّفس الأمّارة تتألم به النّفس المطمئنّة، والعكس صحيحٍ، فالنّفس المطمئنّة تبتغي رضا الله سبحانه وتعالى من خلال العمل لأجله وتطبيق شرعه واتّباع أوامره واجتناب نواهيه، وهذه الصّفات تكون شاقّةً ومؤلمةً على النّفس الأمّارة فهي أمارةٌ بالسّوء وتعمل لغير الله.

يجب على الإنسان المسلم تقوى الله لأنّ العاقبة للمتّقين، وتكون التّقوى من خلال اتباع أوامر الله واجتناب نواهية والعمل ابتغاء وجهه، وعدم التحيّز للباطل، لأنّ الباطل يتحيّز مع الشّيطان والنّفس الأمّارة، والحقّ يتحيّز مع النّفس المطمئنّة والنصر يكون مع الصبر، فمن صبر واتّقى وجاهد نفسه ابتغاء مرضاة الله فله العاقبة وله الفوز في الدنيا والآخرة كما وعد الله تعالى. يقول ابن القيّم: " وأفرض الجهاد جهاد النفس، وجهاد الهوى، وجهاد الشّيطان، وجهاد الدنيا؛ فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنّته"، وقال: "وقد ركب الله سبحانه في الإنسان نفسين: نفسًا أمارة، ونفسًا مطمئنة، وهما متعاديتان، فكلّ ما خف على هذه ثقل على هذه، وكل ما التذّت به هذه تألّمت به الأخرى، فليس على النفس الأمارة أشق من العمل لله وإيثار رضاه على هواها، وليس لها أنفع منه، وليس على النفس المطمئنة أشقّ من العمل لغير الله، وما جاء به داعي الهوى، وليس عليها شيء أضر منه، والملك مع هذه عن يمنة القلب، والشيطان مع تلك عن يسرة القلب، والحروب مستمرة لا تضع أوزارها إلا أن يستوفى أجلها من الدنيا، والباطل كله يَتحيّز مع الشيطان والأمارة، والحقّ كله يتحيز مع الملك والمطمئنة، والحرب دول وسجال، والنصر مع الصبر، ومن صبر وصابر ورابط واتقى الله فله العاقبة في الدنيا والآخرة، وقد حكم الله تعالى حكمًا لا يبدل أبدا: أن العاقبة للتقوى، والعاقبة للمتّقين".

وسائل إصلاح النّفس

من وسائل إصلاح النفس الآتي:

  • أداء الفرائض المطلوبة.
  • أداء السنن الرّواتب.
  • الإكثار من الذّكر والاستغفار.
  • حضور المجالس والدروس العلمية.
  • محاسبة النفس باستمرار على تقصيرها.
15ثقافة
مزيد من المشاركات
مفهوم المد في التجويد

مفهوم المد في التجويد

مفهوم المد في التجويد يُقصد بالمد في اللغة: الإطالة والزيادة، كقول القائل: امتدَّ الحبل أي طال الحبل، ويُقصد بالمد في اصطلاح التجويد: إطالة زمن النطق بحرفٍ من حروف المدّ الطبيعيّ أو اللين لسببٍ ما قد يحدث له، وهو بعكس القصر؛ والذي يقصد به الحبس والمنع وعدم المدِّ مطلقًا، أمّا حقيقة المدّ الطبيعي فيمدُّ بمقدار حركتين. حروف المد حروف المدّ الطبيعيّ ثلاثة حروفٍ، وهي: الألف الساكنة وما قبلها حرفٌ مفتوحٌ، مثل: (قَال، حَال، مَالك). الواو الساكنة وما قبلها حرفٌ مضمومٌ، مثل: (يقُول، يعملُون، يؤمنُون).
قياس درجة حرارة الجسم لمعرفة التبويض

قياس درجة حرارة الجسم لمعرفة التبويض

قياس درجة حرارة الجسم لمعرفة التبويض لمعرفة التبويض يمكن قياس درجة حرارة الجسم الأساسيّة (بالإنجليزية: Basal body temperature) واختصارًا BBT؛ وهي درجة حرارة الجسم وقت الراحة، وتكمن أهمية معرفة التبويض في تحديد الأيّام التي ترتفع فيها فرصة حدوث الحمل، إذ إنّ التبويض يحدث قبل أسبوعين من موعد الدورة الشهريّة في الغالب، وتكون فرصة الحمل في أعلى مستوياتها بين 12-24 ساعة من حدوث التبويض، ويمكن حدوث الحمل في حال ممارسة العلاقة الجنسيّة في يوم التبويض أو خلال الأيام الخمسة السابقة تقريبًا، ويمكن
طرق النوم للحامل

طرق النوم للحامل

النوم للحامل مِن الضروري أن تتمتع الحامل، بساعاتِ نومٍ كافية؛ لتشعر بالراحة، والصحة، والنشاط، لكن مع تغيّرات الجسم أثناء الحمل، لا سيّما بروز البطن أكثر بعد الشهر الرابع، وزيادة الوزن، تواجه بعض الحوامل صعوبةً في تحديد الطريقة الأمثل للنوم، وقد تعتمد وضعياتٍ خاطئة تُلحق الأذى بصحتها، وصحة جنينها كذلك، وفي هذا المقال سنذكر بعض الطرق للنوم للمرأة الحامل. طُرق النوم للحامل من الطرق التي تستطيع فيها الحامل النوم ما يأتي: الاستلقاء على الظهر: بزاويةٍ مائلةٍ بعض الشيء، أي أنَّ النوم على الظهر لا
ماء الزهر

ماء الزهر

فوائد ماء الزهر الصحيّة استخدمَ ماء الزهر قديمًا في صناعة بعض أنواع العطور، والأطعمة، والمشروبات، والمنتجات التجميلية، بالإضافة امتلاكه العديد من الفوائد الصحيّة، وفيما يأتي بعضٌ منها: يُساعد على تهدئة التهيّجات التي تظهر على الجلد، مثل الأكزيما ، والصدفية؛ وذلك بفضل احتوائه على مواد مضادة للالتهابات. يُساعد على تخفيف التهاب الحنجرة. يُقلل من احمرار الجلد، ويُساهم في تقليل الانتفاخات في البشرة. يُساعد على التقليل من حبّ الشباب؛ وذلك بفضل احتوائه على مواد مضادة للبكتيريا. يحمي الجسم من العدوى؛
كيف كرم الله الإنسان

كيف كرم الله الإنسان

الغاية من خلق الإنسان ليس من نافلة القول الإشارة في بداية الموضوع إلى الغاية التي خلق الله -سبحانه- من أجلها الإنسان، والتي كانت السبب في تكريم الله له، وفي هذا المقام يمكن القول أنّ أوّل هدفٍ من خلق الإنسان هي تحقيق معرفة الله سبحانه، ويمكن للإنسان تحقيق الكثير من الجوانب من هذه المعرفة من خلال استشراف آفاق الكون الذي يعيش في جنباته، واستكشاف أسراره وما أبدعه الخالق فيه، وفي استقراءٍ سريعٍ لما احتواه الفضاء الكوني من مجرّاتٍ ونجومٍ وجد علماء الفلك أنّ الكون يحتوي على ملايين المجرّات، في كلّ
كيفية صلاة الاستسقاء

كيفية صلاة الاستسقاء

كيفية أداء صلاة الاستسقاء اتفق أهل العلم غير أبي حنيفة على أنّ صلاة الاستسقاء تؤدّى ركعتين بجماعة، ومن غير أذانٍ ولا إقامة، وتكون في مصلى البلد، وتؤدّى خارج أوقات الكراهة، وتعدّدت آراء الفقهاء في صفة أدائها، وبيان ذلك فيما يأتي: قول الجمهور قال الشافعية والحنابلة وفي قولٍ لمحمد من الحنفية إنّها كصلاة العيد ، يكبّر فيها الإمام سبع تكبيرات في الركعة الأولى، ثم يُكبّر خمس تكبيرات في الركعة الثانية، مستدلين بحديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، حيث قال: (خرجَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ
فوائد الشاي المغربي

فوائد الشاي المغربي

الشاي المغربي يعتبر نبات الشاي المنتشر في ربوع المغرب من أشهر أنواع الشاي في العالم وأكثره شيوعاً واستخداماً وفائدة، حيث يقبل على تناوله فئة لا يمكن حصرها من الناس من مختلف أنحاء العالم نظراً لطعمه اللذيذ وكوسيلة للضيافة، فضلاً عن كونه عاملاً وقائياً للعديد من الأمراض الخطيرة، وعلاجاً لعدد آخر منها، ونظراً لأهميته اخترنا أن نتحدّث عن فوائده بشكل مفصّل في هذا المقال. فوائد الشاي المغربي يعتبر الشاي المغربي من أقوى العناصر الطبيعيّة المضادة للأكسدة، ممّا يجعل منه عاملاً وقائياً للعديد من الأمراض
الاعراض الجلدية في الذئبة الحمراء

الاعراض الجلدية في الذئبة الحمراء

مرض الذّئبة الحمراء مرض الذئبة الحمراء هو مرض مناعي ذاتي يصيب الأنسجة الضامّة، وبالتّالي فهو يصيب العديد من أجهزة الجسم، ومن أهمّها المفاصل والجلد والجهاز العصبي والكليتين والقلب والرّئتين. هو مرض يصيب الإناث أكثر من الذّكور، وتبلغ ذروة المرض في العقد الثّاني والثّالث من العمر، وينتشر في إسبانيا وإيطاليا ودول البحر الكاريبي. من أهمّ العوامل الّتي تؤدّي إلى حدوث المرض هي الاستعداد الوراثي للإصابة، بالإضافة إلى التعرّض للمستضدات، وتشكّل الأجسام المضادّة والمركّبات المناعيّة الّتي تهاجم أنسجة