ما حكم إسقاط الجنين
حُكم إسقاط الجَنين بعد نَفْخ الرُّوح
احترمَت الشريعة الإسلاميّة حياة الإنسان، وأمرَت بالمحافظة على النَّفْس الإنسانيّة منذ نَفْخ الرُّوح فيه، والذي يكون بعد مئةٍ وعشرين يوماً؛ استتدلالاً بما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-، أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ في ذلكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ في ذلكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فيه الرُّوحَ)؛ ولذلك يُحرَّم الاعتداء على الجَنين بعد نَفْخ الرُّوح فيه، حتى وإن كان مُشوَّهاً، إلّا إن ثبت أنّ الاستمرار بالحَمْل، ومن ثمّ الولادة، يُلحِقُ خطراً بحياة الأم؛ فعندها يجوز إسقاطه.
حُكم إسقاط الجَنين قبل نَفْخ الرُّوح
اتّفق العلماء على عدم ترتُّب أيّ إثمٍ على الإجهاض التلقائيّ دون أيّ عاملٍ خارجيّ؛ إذ إنّه خارجٌ عن إرادة المرأة، إلّا أنّ العلماء اختلفوا في حُكم إسقاط الجَنين قبل نَفْخ الرُّوح، وذهبوا في ذلك إلى ثلاثة أقوالٍ، بيانها آتياً:
- القَوْل الأوّل: قال كلٌّ من المالكيّة، والإمام الغزاليّ من الشافعيّة، وابن رجب من الحنابلة بحُرمة الإجهاض من حين استقرار النُّطفة في الرَّحِم.
- القَوْل الثاني: قال أكثر الحنفيّة، والشافعيّة دون الغزاليّ، والحنابلة دون ابن رجب بجواز إسقاط الجَنين قبل نَفْخ الرُّوح فيه، وقبل تخلُّقه، إن كان الإسقاط لعُذرٍ وسببٍ شرعيّ، مثل مرض الأمّ؛ فإن تزاحمت حياة الأصل مع الفرع؛ أي حياة الأمّ مع الجَنين، فإنّ حياة الأمّ تُقدَّم؛ أي يُقدَّم الأصل على الفرع، فإن ثبت أنّ بقاء الجَنين سيؤدّي إلى خطرٍ مُؤكّدٍ على حياة الأم، وأنّه سيُؤدّي إلى وفاتها، فإنّ الإجهاض يُعَدّ جائزاً؛ لأنّ في الإجهاض دَفْعاً لأعظم الضرَرين، وتحقيقاً لأعظم المصلحتَين.
- القَوْل الثالث: قال البعض من علماء الحنفيّة، والحنابلة، والإمام الرَّملي من الشافعيّة بجواز إجهاض الجَنين قبل نَفْخ الرُّوح فيه، وتُحتسَب مدّة الحَمْل من تاريخ التلقيح.
أحكامٌ مُتعلِّقةٌ بإسقاط الجَنين
حقوق الجَنين بعد إسقاطه
أجمع العلماء واتّفقوا على وجوب تغسيل الجَنين إن خرج حيّاً ثمّ مات، إلّا أنّهم اختلفوا في ما إن خرج الجَنين ميّتاً؛ بالنَّظَر إلى إتمامه أربعة أشهرٍ، أم لا، وبحسب ما ورد عن الأئمة فقد كان الحكم كالآتي:
- قالوا الشافعيّة، والحنابلة بتغسيل الجَنين الخارج ميّتاً إن أتمّ أربعة أشهرٍ، أو أكثر.
- قالوا المالكيّة، والحنفيّة إنّه لا يُغسَّل، بل يُطهَّر مِمّا عَلِقَ به من الدَّم، ويُلَفّ، ويُدفَن، أمّا فيما يتعلّق بالتكفين، والصلاة عليه؛ فيكون ذلك إن نُفِخت الرُّوح فيه، أمّا إن لم تُنفَخ فلا.
ما يترتّب على الإجهاض
بيَّنَ العلماء عدّة أمورٍ تترتّب على إسقاط الجَنين؛ وذلك إن كان إسقاطه دون سببٍ أو مُسوِّغٍ شرعيٍّ، ومن تلك الأمور:
الغُرّة
الغُرّة (بضمّ العين، وتشديد الراء)، وتعني لغةً: خيار المال الذي يملكه الإنسان، وأفضله، أمّا اصطلاحاً، فهو: مَبلغٌ ماليٌّ يُدفَع إلى وَرَثَة الجَنين حال الاعتداء عليه؛ بقَتْله، أو إسقاطه قبل الأوان، ويُمكن القول إنّها دِيَةٌ، وقد ثبتت مشروعيّتها بعّدة أحاديث، منها: ما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّه قال: (اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِن هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إحْدَاهُما الأُخْرَى بحَجَرٍ، فَقَتَلَتْهَا وَما في بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقَضَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ، أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى بدِيَةِ المَرْأَةِ علَى عَاقِلَتِهَا).
كما أجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على وجوب الغُرّة في الجَنين الذي يسقط؛ جنايةً، واعتداءً، وبالمعقول؛ فإنّ الاعتداء على النَّفْس البشريّة فيه مُخالفة لمَقاصد الشريعة الإسلاميّة، وإلحاقٌ للضرر بالمجتمع، وأفراده، فوَجَبت العقوبة.
الكفارة
ومن الأمور المُترتِّبة على إسقاط الجَنين ترتُّب الكفّارة، وقد اختلف العلماء في ذلك؛ فقال المالكيّة باستحبابها، وعدم وجوبها، وقال الحنفيّة بعدم وجوبها، وأنّ الأفضل التقرُّب إلى الله -تعالى-، واستغفاره، والتوبة إليه، أمّا الشافعيّة، والحنابلة، فقد قالوا بوجوب الكفّارة؛ سواء أُلقِيَ ميّتاً، أو حيّاً؛ لأنّه نَفْسٌ بشريّةٌ.