ما بعد الموت
حقيقة الموت
الموت في اللّغة: زوال القوّة من الشيء، والموتُ يأتي بمعنى خلافُ الحياةِ، والمَيْت هو ما لا روح فيه. أمّا الموت في الشرع: إخراج روح الشيء من جسده، أو يأتي بمعنى قبض الروح كما قال تعالى في كتابه الكريم: (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ)، وموت النفوس هو مفارقة الروح للجسد وخروجها منه، ويُعتبَر الموت هو أوّل منازل الآخرة، ويشمل جميع الخلق؛ لقوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، فمعنى قوله تعالى أن كل حيٍّ في هذه الدنيا سيموت، وستُفارقُ نفسهُ بدنه الذي تعيشُ فيهِ وتسكن فيه.
ما بعد الموت
الإيمان بما بعد الموت حقيقة على المسلم أن يؤمن بها إيماناً جازماً وقطعياً، وهي بمعنى آخر الإيمان باليوم الآخر ، والذي معناه: التصديق الجازم بكل ما يحدث بعد الموت بداية من عذاب القبر وما فيه من نعيم، وبالبعث بعد القبر، والحساب والميزان حيث توزن الأعمال، ثم الثواب والعقاب، وآخرها الجنة والنار، وبكلّ شيء ورد ذكره عن يوم القيامة.
إنّ سبب تسمية اليوم الآخر بهذا الاسم؛ لتأخّره عن الحياة الدنيا، ويأتي بأسماء كثيرة ورد ذكرها في القرآن، فَمِن هذه الأسماء وأسباب تسميتها ما يلي::
- يوم البعث؛ لأنّ فيه بَعثْ الخلق والحياة بعد الموت.
- يوم الخروج؛ ذلك لأن الناس يخرجون من قبورهم التي كانوا فيها إلى الحياة الأخرى.
- يوم القيامة؛ لأنّه اليوم الذي يقوم فيه الناس للحساب.
- يوم الدّين؛ لأنّ في هذا اليوم إدانة للخلائق؛ حيثُ تتمّ مجازاتهم على أعمالهم التي قاموا بها في الدنيا.
- يوم الفصل؛ حيثُ يقام الفصل بين الناس بعدل الله عزّ وجلّ.
- يوم الحشر؛ لأنّ الخلائق تُجمَع فيه، وتُحشَر في موقف الحساب.
- يوم الجمع؛ لأنّ الله عز وجل يجمع فيه الناس للجزاء.
- يوم الحساب؛ لأنّ محاسبة الناس على أعمالهم السابقة في الحياة الدّنيا.
- يوم الوعيد؛ حيثُ يتحقّق وعيد الله عز وجل للكافرين.
- يوم الحسرة؛ لأنّه يوم حسرة للكافرين.
- يوم الخلود؛ لأنّ الحياة القائمة في هذا اليوم هي حياة خالدة أبديّة ليست كالحياة الدنيا مؤقتة.
- الدار الآخرة؛ لأنها تأتي بعد دار الدنيا، وهي الدار الباقية وليس بعدها انتقال لدار أخرى، ولَهُ أسماء أخرى ورد ذكرها في كتاب الله مثل: الواقعة، والقارعة، والحاقة، والراجفة، والآزفة، والصاخة، ويوم الفزع الأكبر، وكل هذه الأسماء تدلّ على عظيم شأن هذا اليوم، وشدة هوله، وما يجده الناس فيه من الخوف والشدائد و الأهوال ؛ حيثُ قال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)
دليل البعث بعد الموت
تعدّدت أدلة البعث بعد الموت في القرآن الكريم؛ فَمَرّة يُخبِر الله عزّ وجلّ عن الذين أماتهم ثم أحياهم في الحياة الدنيا، قال تعالى: (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ)؛ كما أخبرَ سبحانه عن سيدنا عيسى أنّه كان يحيي الموتى، وكذلك أصحاب الكهف كيف بعثهم الله بعد زمن طويل، وتارّة أخرى يتحدث سبحانه عن النشأة الأولى؛ كما في قوله تعالى: (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ) إنّ إعادة الشيء أهون من الابتداء، يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)، ولبيان أهمية الإيمان بما بعد الموت؛ قرن الله سبحانه الإيمان باليوم الآخرمع الإيمان به؛ كما في قوله: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ)؛ فمن الأدلة السابقة يتبيّن أنّ ما بعد الموت ثبت دليله بمواطن عديدة في كتاب الله تعالى، وأنّه أمر حتميّ لا مفرّ منه.
أحداث ما بعد الموت
أحداث ما بعد الموت جليلة وخطيرة؛ منها ما يكون في القبر ، ومنها ما يكون بعد بعث الخلائق من القبور، ففي القبر يحدث أمران:
فتنة القبر
هي أنّ الميت يُمتحن إذا وضع في القبر، إذ يأتي الميت ملكان يسألانه: من ربك؟ وما هو دينك؟ ومن هو الرجل الذي بعثه الله فيكم؟ فيجيب المؤمن ويقول: ربي الله، ودِيني هو الإسلام ، وأمّا الرجل الذي بعثه الله فيقول: هو عبد الله ورسوله. والكافر يقول: هاه، هاه، لا أدري، ويجيب المنافق أومن خالطه الشك: لا أدري سمعت الناس يتحدثون عن شيء فقلته كما قالوا.
نعيم القبر وعذابه
بعد فتنة القبر إمّا أن يكون المؤمن في نعيم، أو في عذاب إلى أن يأتي يوم القيامة، وهذا الأمر يحصل للروح والبدن جميعاً؛ فتَنعمُ الروح أو تُعذّب وهي متّصلة بالبدن، فيكون نعيم القبر وعذابه عليهما جميعاً. وقد تعدّدت الأدلّة من القرآن الكريم والسنة النبوية في ثبوت حقيقة سؤال المَلَكَين وحقيقة نعيم القبر وعذابه؛ فيجب اعتقاده والإيمان به، ومن الأدلّة قوله تعالى: ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ).
ورد في الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن العبدَ إذا وُضِعَ في قَبرِه، وتولى عنه أصحابَه، وإنه ليسمعُ قَرْعَ نعالِهم، أتاه ملكانِ ، فَيُقعَدانِه فيقولانِ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ، لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، فأما المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنه عبدُ اللهِ ورسولُه، فَيُقالُ له: انظرْ إلى مقعدِكَ من النارِ، قد أبدلك اللهُ به مقعدًا من الجنةِ، فيراهما جميعًا. قال قَتادَةُ وذكر لنا: أنه يُفْسحُ في قبرِه، ثم رجع إلى حديثِ أنسٍ، قال: وأما المنافقُ والكافرُ فَيُقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ ؟ فيقولُ: لا أدري، كنتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ ، فَيُقالُ: لا دَريتَ ولا تَليتَ، ويُضْرَبُ بِمَطارِقَ من حديدٍ ضربةً ، فيصيحُ صيحةً، يَسمعُها من يليِه غيرَ الثقلين).
يأتي عذاب القبر على نوعين؛ فمنه ما يكون دائم، كما في قوله تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) ، ومنه ما يكون منقطع العذاب؛ فهذا عذاب بعض العصاة من المسلمين، فيُعذّب الميت بحسب الجرم الذي فعله، ثم يُخفّف العذاب عنه، وقد ينقطع العذاب عن الميت بدعاء أو صدقة، وغير ذلك من الأمور النافعة للميت، ويأتي بعد ذلك البعث من القبور؛ حيثُ يكون عندما يُنفخ في الصور ، والنافخ هو إسرافيل عليه السلام، وهي ثلاث نفخات دل عليها القرآن الكريم:
- نفخة الفزع وهي النفخة الأولى ؛ حيثُ يضطرب فيها العالم ويفسد نظامه، قال تعالى في كتابه العزيز: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ)
- نفخة الصعق: فيها يَهلُك كل شيء في العالم، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ)
- نفخة البعث والنشور: في هذه النفخة يقوم الناس من قبورهم؛ حيثُ ذكرها تعالى في كتابه فقال: (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ).
آثار الإيمان بما بعد الموت
الإيمان باليوم الآخر يحفّز المسلم على العمل والاستعداد لهذا اليوم؛ كما قال سبحانه وتعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)، والإيمان بهذا اليوم يحفّز المسلم على الثبات والصمود عند لقاء الأعداء، ويقوّي صبر المسلم على الشدائد، وعدم الإيمان بما بعد الموت قد يحمل المسلم إلى الكفر والمعاصي، ويحمله على الظلم والعدوان للآخرين، وعلى البغي والفساد؛ فدليل ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، وإذا آمن المسلم بهذا اليوم فإنّه يتّقيه، ويستعدّ له بالأعمال الصالحة التي تنجيه من أهوال هذا اليوم.