ما اول شيء خلقه الله تعالى
ما أوّل شيء خلقه الله تعالى
تعدّدت آراء العلماء في أوّل شيءٍ خلقه الله -تبارك وتعالى-؛ فقال ابن جَرير الطبري وابن الجوزي بأنّ القلم أول خلق الله، وقال ابن القيّم وابن تيمية بأنّ العرش أول مخلوقات الله، وقال ابن مسعود -رضي الله عنه- وغيره من السّلف بأنّ الماء خُلق قبل العرش والقلم، وفيما يأتي بيان كلّ رأيٍ مع أدلّة العلماء على ذلك.
القلم
قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في حديث عبادة بن الصامت: (إنَّ أوَّلَ ما خلقَ اللَّهُ القلمَ، فقالَ لَهُ: اكتُب، فجرى بما هوَ كائنٌ إلى الأبدِ)، وصحّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (قدَّرَ اللَّهُ المقاديرَ قَبلَ أن يخلُقَ السَّمَواتِ والأرضَ بخَمسينَ ألفَ سنةٍ)، حيث كتب الله بعلمه القديم مقادير الخلق، وهذه يعني أنّ القلم هو أوّل شيءٍ خلقه الله -تعالى-.
العرش
ثبت أن الصحابة سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أوّل شيءٍ خلقه الله، فقال النبيّ: (كانَ اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شيءٌ قَبْلَهُ، وكانَ عَرْشُهُ علَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرْضَ)، ونقل هذا القول أبو جعفر الطبريّ عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "أوَّل ما خلق الله تعالى العرش فاستوى عليه".
وقد روى أبو رزين -رضي الله عنه- فقال: (قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أين كان ربُّنا قبل أن يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قال: كان في عَمَاءٍ، ما تحته هواءٌ، وما فوقه هواءٌ، وخلق عَرْشَه على الماءِ)، فقال ابن جرير وابن الجوزيّ إنّ أوّل ما خلق الله القلم، ثمّ السّحاب، وبحسب قول الجمهور من العلماء فإنّ الله خلق العرش قبل كلّ شيء، اعتماداً على حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-: (كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ)، ففي الحديث دلالة على أنّ كتابة المقادير كانت بالقلم، وهذه الكتابة كانت بعد خلق العرش ، وبالتالي فإنّ العرش سبق خلقه خلق القلم، أمّا حديث القلم فمحمول على أنّ القلم هو أوّل مخلوقٍ في هذا العالم.
الماء
سأل أبو هريرة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن الخلق، فردّ عليه -صلّى الله عليه وسلّم-: (كلُّ شيْءٍ خُلِقَ من الماءِ)، ففي الحديث دلالةٌ على أنّ الله جعل أصل المادة التي خلق منها المخلوقات الماء، ممّا يدل على أنّ الله خلقها كان قبل المخلوقات، وفي الأحاديث السابقة قول النبيّ "كان عرشه على الماء"؛ دلالة على أنّ العرش والماء هما أول شيء خلقه الله.
الحكمة من خلق بعض المخلوقات
إنّ حِكم الله في مخلوقاته كثيرة لا تُعدّ وتُحصى، وفيما يأتي بيان نبذة قصيرة من هذه الحِكم العظيمة:
- دلالة على علم الله وقدرته وتصرّفه في هذا الكون، فقد خلق كل شيءٍ لحكمةٍ معيّنة قد لا نعلمها، ودليلٌ على أنّه وحده المستحقّ للعبادة -سبحانه- دون غيره، وأنّه سيبعث العباد جميعاً ويحاسبهم على أعمالهم، إن كانت خيراً فخيراً، وإن كانت شرّاً فشرّاً، ولا يستوي عند الله -تعالى- المؤمن مع الكافر، فقد قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ* أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ).
- اختبار العباد، ليرى أيّهم سيحسن عمله ويخلص فيه، فقد قال -تعالى-: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، وعندما سُئِل الفضيل بن عياض عن تفسير هذه الآية قال: "أخلصه وأصوبه"، فمن نجح في الاختبار كان من الفالحين، ومن خسر كان من الخاسرين.
- عبادة الله تعالى طوعاً أو كرهاً، مع العلم أنّه -سبحانه وتعالى- غير مفتقرٌ لهذه العبادة، فقد قال الله -تعالى- في القرآن الكريم : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ)، فالخلق هم المحتاجون إليه والمفتقرون إليه في كلّ أحوالهم.
- تكريم الإنسان عن غيره من المخلوقات، وتسخير كلّ ما في الكون من أجل خدمته وراحته بما يتناسب مع خلافته في الأرض، فخَلق السّماء ، ورفعها بلا عمدٍ، وزيّنها بالنجوم، وجعلها وسيلةً يهتدي بها الإنسان إلى طريقه، ومدّ الأرض وبسطها، ويسّر العيش عليها، لاستثمار خيراتها.
- خلْق الله -تعالى- الأرض، وذلك لمساعدة الكائنات الأخرى كالنّباتات والحيوانات على العيش فيها، فقد قال الله -تعالى-: (وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ)، ويسّر فيها الطّرق لتنتشر المخلوقات فيها باحثةً عن رزقها، وثبّتها كي لا تكون في حالة اهتزاز مستمرٍ، وجعلها يابسةً بحالةٍ متوسطة؛ فلا هي باليبس الكثير ولا بالقليل، ليتمكّن الإنسان من البناء عليها، وزراعتها، واستخدامها، وحفر الآبار فيها، واستخراج المعادن منها.
- وجعل مهبّ الريح في الجزء الشماليّ منها أقلّ منه في الجزء الجنوبي، ليساعد ذلك الماء النّازل من السّماء على الاستقرار في البحر، وخلق فيها الجبال التي تخفّف من الرّيح وحرارة الشّمس فيها، وجعلها مستَقراً للمياه، وتنبت عليها أصناف النّباتات التي يستخدمها الإنسان من أجل الطعام والعلاج، وتتخذ منها المخلوقات المساكن التي تقيها من البرد والحرّ، إضافةً إلى ما يتم استخراجه من المعادن الثّمينة منها.
- خَلْق الماء، فهو حياة لجميع المخلوقات، فقد فقال الله -تعالى-: (وَجَعَلنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنونَ)، ولولا وجود الماء لضاقت الأرض على جميع مَن فيها من النّباتات، والحيوانات، والإنسان، وحتى الجمادات، فلا يقتصر استخدامها على الشّرب والسّقاية فحسب، بل في التّنظيف والعديد من الاستخدامات.
- خلْق الإنسان والتنويع في أجناسه، فقد خلق الله -تعالى- الذّكر والأنثى، وجعل من فطرة الإنسان ميْله للجنس الآخر لكي يحافظ على وجود النسل البشريّ، وخلق الإنسان وصوّره بأحسن صورة، ووهب له الحواس الخمسة من سمعٍ، وبصرٍ، وتذوّقٍ، وشمٍّ، ولمسٍ، وغيرها من النّعم التي لو عدّها الإنسان ما أحصاها، وكلّ ذلك من أجل أن يساعده على العيش.